رتب القدر أن تكون وفاة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، أول من أمس، 17 يونيو/ حزيران 2019، في يوم انتخابه نفسه قبل 7 سنوات في 17 يونيو 2012، ليكون أول رئيس يختاره الشعب المصري بطريقة ديمقراطية وعبر الصندوق، بعد خمسة عقود لم يعرف فيها المصريون سوى ثلاثة رؤساء عسكريين.
لم تكن نهاية مرسي داخل السجن وقاعة المحاكم الظالمة مفاجئة لأحد، لأنها المآل الطبيعي لرجل حر، بغض النظر عن توجهه السياسي وعن صحة أو خطأ تقديراته للأزمة وحجم الثورة المضادة التي حصلت عام 2013. وسبق أن صورت أفلام "الكرنك" و"إحنا بتوع الأوتوبيس"، و"المتمرد" ظروف الاعتقال السياسي والقمع والتلفيق، وظروف السجون في مصر، بشكل يغني عن الاستغراب لوفاة معارضين سياسيين رهن الاعتقال.
بعد سبع سنوات عجاف من نجاح الثورة المضادة في مصر في إجهاض مشروع ثورة 25 يناير والإجهاز على التحول الديمقراطي الذي كان يقطع أول مراحله بسلة أخطائه، ثمة درس بليغ يتوجب استخلاصه من الحالة المصرية، يتعلق بالثورة المضادة التي تتربص داخلياً وإقليمياً لتجارب ثورية جديدة، بينها الحراك الشعبي في الجزائر والثورة السلمية في السودان.
أبعد ما يكون هذا التقدير مستنداً إلى "فكر المؤامرة"، لكنه استقراء بعقل هادئ لمسارات وتجربة مصرية أخفقت في الإمساك بشروط نجاح التحول الديمقراطي، وفشلت بسبب التسرع في الإفلات من قبضة إعادة إنتاج الدكتاتورية، ووفرت بذاتها وعبر صدام التيارات الثورية الناشئة ظروف الانقلاب على الديمقراطية، وأخطأت في حساب الجغرافيا الإقليمية في علاقتها بالفاعل الداخلي وتأثيرها السياسي والاقتصادي.
في مآلات الحالة المصرية، يظهر بوضوح كيف تتلبس الثورة المضادة في الغالب الشعار الديمقراطي للقفز على الصندوق وتجاوز الوعي المجتمعي وصناعة وعي مزيف عبر القوى الناعمة والرموز الشعبية، وكيف تعمد الثورة المضادة إلى استغلال الإعلام وتطويعه عبر الإكراهات المادية كأداة لتكثيف حضور فزاعات سياسية داخلية أو خارجية، وكيف يشتغل المال والريع لصالح إنتاج رموز سياسية وعسكرية وطرحها في صورة المنقذ، كما الحال مع السيسي.
في تجربة الثورة المضادة يظهر أيضاً كيف تتداخل المصالح الإقطاعية والإقليمية ضد روح الشعوب ومشاريع التحرر الديمقراطي، وكيف يتواطأ الغرب المتخم بمزاعم الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية مع الدكتاتوريات، ما يفرض على التجارب الثورية الجديدة عدم الاستئناس بالمزاعم الغربية، وتصميم حالة توافق محلي على القيم الديمقراطية والدفاع المشترك عن الحرية خارج أي خلفية أيديولوجية.
بوفاة الرئيس مرسي في تلك الظروف، يصبح الدرس البليغ مكتملاً، خلاصته أن الشعوب التي لا تسترعيها الفطنة وليس لها استعداد للدفاع عن صوتها وتصويتها وحقها في الخيار الديمقراطي، تأكلها الثورات المضادة وتثخن في قتل أحرارها في السجون.