بينما تسيطر حالة من الاضطراب الجماهيري والغضب الشعبي بين المصريين، خصوصاً في الأقاليم والمناطق الريفية والفقيرة بسبب إصرار النظام على أن يكون اليوم الأخير من شهر سبتمبر/أيلول الحالي هو نهاية فترة تقديم طلبات التصالح في مخالفات البناء وسداد رسومها، تسود خلافات بين أجهزة النظام حول طرق التعامل مع واقع النسب المتدنية للإقبال على التصالح وتقنين الأوضاع، وحقيقة أنّ الغالبية الكاسحة من المواطنين المستفيدين من السكن في العقارات المخالفة هم من البسطاء والفقراء الذين لا يستطيعون سداد المبالغ المحددة، والتي تصل في بعض المناطق وبعض حالات المخالفة إلى مائة في المائة من القيمة الإجمالية لسعر مساحة العقار بالمتر المربع.
وكشفت مصادر حكومية، لـ"العربي الجديد"، عن وجود آراء عدة في كيفية التعامل مع الحالات المخالفة التي لم تبادر للتصالح، بناءً على مجموعة كبيرة من المستجدات والمشاكل الواقعية التي ثارت عند التنفيذ في الأسبوعين الأخيرين، أبرزها صدور تقارير من فروع الأمن الوطني وجهاز الأمن العام في المحافظات المختلفة، تحذّر من اضطرابات واسعة في بعض القرى والأحياء السكنية الشعبية إذا أصرّت الحكومة على هدم المباني المخالفة أو رفض طلبات التصالح وتقنين الأوضاع.
تقارير أمنية تحذّر من اضطرابات واسعة في بعض القرى
وأوضحت هذه التقارير التي رفعت لجميع الجهات المعنية بما فيها رئاسة الجمهورية، أنه "وعلى خلاف ما تحاول وسائل الإعلام المملوكة والموالية للمخابرات العامة تصويره بأنّ حالة الغضب سببها وسائل الإعلام المعارضة للنظام والتي تبث من قطر وتركيا، وأنّ أولوية الاهتمام تعود لحالات هدم المساجد المبنية بالمخالفة للقانون أو على أراض مملوكة للدولة، فإنّ الاهتمام الأساسي للمواطنين يتعلق بفرص نجاة عقاراتهم وأماكن معيشتهم من الهدم، في ظل وجود حالات تعجز فعلاً عن سداد مبالغ التصالح، فضلاً عن الحالات غير المعنية بالتصالح من الأساس لاختفاء الملاك الأصليين للعقارات واحتمالية تضررهم من أي مساس حكومي بعقاراتهم المخالفة".
وذكرت المصادر أنّ التقارير حذرت من انتشار الاحتجاجات الشعبية في العديد من المناطق الريفية والشعبية، بما يجاوز قدرة الأجهزة الأمنية في المحافظات على التصدي لها. كما حذرت من استغلال ذلك في الدعوات التي بدأت تخرج للتظاهر لإحياء ذكرى أكبر تظاهرات شعبية ضدّ السيسي في العشرين من سبتمبر/أيلول من العام الماضي، لا سيما وأنّ أزمة التصالح في المخالفات تتزامن مع ارتفاع عام وغير مسبوق في أسعار الخدمات المرفقية والإدارية الحكومية، مما يثقل كاهل المواطنين بالأعباء في ظلّ جائحة فيروس كورونا المستجد التي مازالت تطلّ برأسها على العديد من القطاعات الاقتصادية في الدولة.
وأوضحت المصادر أنّ الأمن الوطني اقترح بناءً على هذه التقارير، إحداث تغيير في التعامل الإعلامي والحكومي مع الأزمة، يتمثّل شقه الأول في السماح ببث ونشر مواد تتضمن انتقادات لقيمة التصالح في المخالفات ومطالبات بتخفيضها وتقسيطها، وذلك بهدف قطع الطريق على الإعلام المعارض ليكون الساحة الوحيدة للمواطنين الغاضبين كما هي العادة. أما الشق الثاني، فيتمثل في منح المحافظين سلطة خفض قيمة المخالفات بنسب تصل إلى خمسين أو أربعين أو ثلاثين بالمائة، حسب القيمة الأصلية لها وفقاً للقانون، أو تقسيطها على عام كامل بالنسبة للمناطق الحضرية.
وذكرت المصادر أنه بينما ينصح بعض الوزراء والمحافظين باتباع هذه التوصية؛ يتمسك آخرون بحتمية غلق الملف والتعامل بحسم "لإثبات قوة الدولة"، فيما لم تبت الرئاسة فيها حتى الآن بشكل نهائي، بينما بدأت الدوائر التشريعية للحكومة بإعداد تعديل جديد على اللائحة التنفيذية لقانون التصالح (سيكون الثالث هذا العام حال صدوره) يسمح باتخاذ تلك الإجراءات التيسيرية بصور مختلفة، ليكون جاهزاً حال موافقة السيسي عليه، لإنقاذ الموقف الشعبي من جهة، وضمان زيادة تدفق الأموال من قيم التصالح والرسوم، بدلاً من العجز الحالي في التحصيل، إذ تشير إحصائيات وزارة التنمية المحلية إلى تسوية أقل من ثمانية بالمائة من المخالفات المرصودة على مستوى الجمهورية.
وأشارت المصادر إلى أنّ القوات المسلحة التي أُقحمت في الأزمة بأكثر من صورة، أبرزها تحقيق النيابات العسكرية حصرياً في وقائع المخالفات الكثيفة، وتوفير البيانات من خلال إدارة منظومة متابعة التغيرات المكانية على مستوى الجمهورية، هي الأخرى تنصح بالتريث في غلق باب التصالح أمام المواطنين، بعدما أثبتت التجربة العملية صعوبة الإقدام على هدم المنازل وطرد أصحابها منها، لا سيما بعدما هدد السيسي في حديثه عن هذا الملف في ظهوره المتلفز الأخير في التاسع والعشرين من الشهر الماضي بـ"نزول الجيش لجميع القرى لضبط المخالفات". وتهديده الآخر للمسؤولين التنفيذيين الذين لا يستطيعون تنفيذ تعليماته بهدم المباني المخالفة لأسباب اجتماعية أو دينية، أو من لا يستطيعون جمع أكبر قدر ممكن من المبالغ المالية الخاصة بطلبات التصالح بقوله "إما تكونون رجالاً أو شيئاً آخر"، ومطالبته المحافظين ومديري الأمن ومساعدي وزير الداخلية الذين يفشلون في تنفيذ تلك التعليمات بالاستقالة الفورية.
اقتراح بتغيير التعامل الإعلامي والحكومي مع الأزمة
وامتداداً لتلك التهديدات، استخدم السيسي العبارات التي توحي باستغنائه عن السلطة، التي عدل الدستور لضمان بقائه في سدتها حتى عام 2030 على الأقل، وتفكر دائرته في تعديل آخر لضمان استمراره لفترة أطول، قائلاً "لو مش عاجبكم الإصلاح أنا مستعد أمشي، نعمل استفتاء، وييجي شخص آخر يخرب مصر"، في تعبير عن رؤيته لذاته كمحتكر لأفكار التقدم وخطط الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. وهو خطاب يسيطر عليه منذ انقلاب يوليو/تموز 2013.
يذكر أنه سبق وربطت مصادر مطلعة في حديث لـ"العربي الجديد" بين تعيين اللواء حسن عبد الشافي قائماً بأعمال رئيس الرقابة الإدارية، وبين اختصاص جديد سيضيفه السيسي قريباً لتلك الهيئة التي لعبت منذ سنوات دوراً أقرب لجهاز تنفيذي سري بديلاً للحكومة التقليدية. ويتمثل هذا الاختصاص الجديد في ممارسة الرقابة الإدارية الدور نفسه المسند قانونياً إلى المحليات في جميع المحافظات، في ما يخص تراخيص البناء والهدم واعتماد التصميمات الهندسية وإجراء عمليات التصالح وتسجيل المخالفات الإنشائية.