بدأ هاجس العجز عن سداد الديون الخارجية يزعج السلطات التونسية مع اقتراب موعد سداد نحو 3 مليارات دولار سيحل أجلها في 2017.
وتؤكد معظم المؤشرات أن الوضع الاقتصادي كما هو عليه لم يسمح لتونس بتوفير أقساط الديون إلا عبر اللجوء إلى الاقتراض من جديد لتدخل في دوامة الاقتراض من أجل خلاص القروض القديمة.
ورغم الضغوط البرلمانية للكشف عن الحجم الحقيقي للديون الخارجية تأبى الحكومة الحديث صراحة في هذا الملف أو تقديم أرقام رسمية عن حجم الديون المستحقة للبلاد، وسط تأكيدات تشير إلى أن نسبة الديون ستصل 60% من الناتج المحلي الخام نهاية العام الجاري.
وفي الوقت الذي أعلن فيه صندوق النقد الدولي، عن موافقته منح تونس قرضاً جديداً بـ 2,9 مليار دولار، طلبت الحكومة رسميا من قطر إمهالها 5 سنوات إضافية لسداد قرض ووديعة مصرفية بقيمة مليار دولار حصلت عليها البلاد في 2012 وكان من المفترض سدادهما دفعة واحدة العام القادم.
ونبه خبراء الاقتصاد منذ مدة إلى إمكانية اضطرار الحكومة إلى طلب تونس إعادة جدولة ديونها الخارجية من المؤسسات المالية والجهات المانحة، معتبرين أن هذه الخطوة ستكون سابقة أولى فى تاريخ تونس منذ الاستقلال.
وبحلول سنة 2017 ستكون تونس مطالبة بتسديد العديد من القروض الخارجية ذات الأجل المتوسط؛ والتي تم الحصول عليها بعد الثورة فى ظل وضع اقتصادي ومالي مترد.
وينتقد الخبير المالي عز الدين سعيدان، كيفية تصرف الحكومات التي تعاقبت على تونس بعد الثورة في القروض المتحصل عليها، مشيرا إلى أن جل القروض الخارجية وجهت لأغراض غير الاستثمار، قائلاً "ستواجه البلاد ظروفا صعبة لعدم توجيه القروض للتنمية وخلق الثروة وهو أكبر خطأ وقعت فيه الحكومات".
وأضاف سعيدان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن القروض التي تحصلت عليها تونس في السنوات الخمسة الماضية لم تنتج ثروة، بل تحولت إلى تضخم مالي وغلاء للمعيشة وهو ما يجعلها تواجه صعوبات كبيرة في السداد.
دق عدد من الخبراء الاقتصاديين ناقوس الخطر بعد ارتفاع نسبة المديونية وتراجع نسبة النمو، حيث توقعوا أن تصل نسبة الديون إلى 71,4% من الناتج المحلي خلال عام 2017 مؤكدين أن سنتي 2017 و2018 ستكونان سوداويين إذا بقي الوضع الاقتصادي على ما هو عليه حالياً.
وحسب تقرير البنك الأفريقي للتنمية، حول الآفاق الاقتصادية للقارة السمراء لعام 2016، فإن تونس تسجل سنوياً نسبة زيادة في التداين تقدر بـ5,3%.
وتوقع محافظ المصرف المركزي، الشاذلي العياري، منذ شهر يونيو/حزيران الماضي أن يكون العام القادم صعبا على التونسيين، قائلاً "سيكون تمويل ميزانية 2017 صعبا في ظل عدم كفاية الموارد الجبائية للدولة، والتي لا تغطي النفقات الجارية على غرار أجور القطاع الحكومي ودعم المؤسسات وموازنات الصناديق الاجتماعية".
ويتزامن موعد خلاص أقساط القروض مع تراجع في الموارد السياحية وتحويلات المغتربين، فضلا عن تراجع الصادرات الفوسفات وانزلاق سعر الدينار إلى مستويات قياسية.
ودعت منظمات مدنية وعدد من الأحزاب التونسيين إلى دفع التونسيين نحو التعويل على أنفسهم لمواجهة هذه الأزمة من خلال العمل وتغليب المصلحة الوطنية وإيقاف نزيف المطالب الاجتماعية، بالإضافة إلى ترشيد سياسات الدولة في مجال التوريد ووقف نزيف التوريد العشوائي للمحافظة على مخزونات المصرف المركزي من النقد الأجنبي، لا سيما وأن الجزء الأكبر من الديون ستسدد بالعملة الصعبة.
وتواجه تونس صعوبات اقتصادية متواصلة منذ اندلاع الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي، بداية عام 2011، في ظل تفاقم الاضطرابات الأمنية والسياسية التي أثرت سلباً على مختلف القطاعات الاقتصادية، وأدت إلى زيادة الديون بشكل كبير.
وقبيل الثورة، كانت الديون الخارجية لتونس في حدود 39%، وهي نسبة كان يصفها خبراء الاقتصاد بالضعيفة، مقارنة بإمكانيات البلاد ونسبة النمو المحققة آنذاك، غير أن تضخم الديون الخارجية في السنوات الخمس الأخيرة فتح باب التأويلات حول طرق التصرف في القروض التي تحصل عليها الدولة.
وكانت كتلة الجبهة الشعبية في مجلس نواب الشعب، تقدّمت مؤخراً، بمبادرة تشريعية للتدقيق في الديون العامة التونسية، وقّع عليها 73 نائباً من مختلف الكتل، باستثناء نواب حركة النهضة.