14 أكتوبر 2024
مخاوف وتحديات وفرص ما بعد كورونا
تفرض جائحة كورونا التي أصابت البشرية فرصا ثمينة للتعلم والإصلاح والتغيير، ولكنها تنذر أيضا بمخاوف ستغير الخريطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدول والمجتمعات، منها خطر من رغبة بعضهم باستمرار حكم العسكر، وخصوصا في الدول التي أثبتت القوات المسلحة وإدارتها الصارمة والمهنية مستوىً عاليا من النجاعة لم تشهده بعض الدول التي كانت تدار بحكومات مدنية، طغىت على تشكيلها المحاصصة والجهوية على حساب الكفاءة، فالدول التي أعلنت حالة الطوارئ، أو قوانين الدفاع العسكرية، وفرت للقائد العام للقوات المسلحة هامشا واسعا للإدارة وللتشريع، لا يتوفر في الأوقات العادية، ففي الأردن، على سبيل المثال، نجح الوزراء المعنيون بمتابعة أزمة كورونا بتقديم نموذج مهني جيد في كيفية التعامل الميداني والتواصل مع الشعب. وقد شكّل نجاح المسؤولين الذين طبقوا الأسلوب العسكري في التعامل مع الأزمة شعبيةً كبيرةً، خصوصا لوزيري الصحة سعد جابر وشؤون الإعلام أمجد العضايلة. ويتساءل الناس: لماذا لا نحظى في الأيام العادية بمسؤولين في مثل هذا المستوى من المهنية على إدارة الشؤون اليومية ونقل المعلومات؟
زادت أوامر الدفاع من صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة، ووفرت آلية لتطبيق قرارات صعبة لم يكن من الممكن تطبيقها في الأوضاع العادية، في وقتٍ تكون مرجعية السلطات المدنية في الأوقات العادية لمجلس الأمة أصبحت محصورةً بالقائد العام. وبدا واضحاً أن الشعب وافق على الالتزام بأوامر الدفاع إلى حدّ كبير، كما تقبل التراجع النسبي لحقوق الإنسان، لقناعته بأن حق الحياة والصحة أسمى من الحقوق الأخرى.
ويبقى السؤال: هل سيقبل الناس العودة إلى النظام السابق، والذي تغيب فيه أطر المحاسبة الجادّة، ويعمل الوزراء والمسؤولون من دون وجود حسيب أو رقيب في المتابعة، وضمان مستوى من
إدارة الحكم المهنية، والتي تلامس حاجات الناس، وليس الاهتمام فقط بما تريده طبقةٌ معينةٌ من المستفيدين والمتسلقين؟ أثبتت أزمة كورونا أن من الممكن إدارة شؤون الدولة بمهنية ونجاعة عالية، ولكن المحك الحقيقي أن تستمر تلك المهنية بعد عودة الجيش إلى ثكناته. ومن ناحية أخرى، وفرت الجائحة واقعا جديدا لن ينتهي حتى بعد انتهاء الوباء، فقد بدا واضحاً، بعد تفشّي الوباء، أن كل دولة ذات سيادة أغلقت حدودها أمام القادمين سوى المواطنين. وعلى الرغم من أن حركة البضائع والتنقلات لم تتأثر في البداية، إلا أنه كان واضحاً أن من الصعب الاستمرار في العيش ضمن العولمة العالمية، في ظل وباء عالمي لا يرحم، ولا يمكن حصره أو السيطرة عليه. وإذا أردنا التطلع إلى المستقبل، المتوسط والبعيد، فإن جائحة كورونا قدّمت لنا درساً مهماً في ضرورة تحديد كل دولة أولوياتها الحياتية والاجتماعية والاقتصادية. كما أصبح واضحاً أن من الضروري البحث عن تعديل لفكرة العولمة، بحيث يتماشى أي تعديل مع احتياجات الدولة الوطنية.
وفي تطبيق لأي استراتيجية وطنية، يجب التفكير الجاد في منظومة العمل وأهمية زيادة نسبة العمالة الوطنية بدلاً من العمالة الوافدة على سبيل المثال، فمع مغادرة عدد كبير من العمالة الوافدة، ومع تعطل إمكانية استقبال عمالة غير وطنية، لا بد من ضرورة التفكير الجديد في كيفية ملء الحاجات من خلال العمالة المتوفرة محلياً. قد يتطلب التفكير الجديد إعادة حسابات المشاريع الاقتصادية والزراعية، حيث لا بد أن العامل المحلي سيكلف أكثر من العامل الوافد من حيث ضرورة الالتزام، وحتى رفع الحد الأدنى للأجور، وضرورة توفير الضمان الاجتماعي، وحتى التأمين الصحي. وقد يكون هناك حاجة أيضاً إلى توسيع حلقة التنقل من الدولة الواحدة إلى عدة دول إقليمية تتوفر فيها شروط صحية متماثلة، فمثلاً، من المعروف أن الوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية مماثل للوضع في الأردن، وقد يكون هناك دول أخرى في المحيط الأردني، من الممكن أن يتم التوصل معها إلى بروتكولات تنقّل تضمن شروطا صحية مماثلة.
إضافة إلى مسألة العمالة والتنقل الإقليمي، لا بد من تفكير جديد في موضوع الاستثمار، فقد يكون الاعتماد على الاستثمار لدول بعيدة عن الأردن أكثر صعوبةً من دول الإقليم، فبدلاً من الاعتماد،
مثلاً، على المستثمر الأميركي أو الصيني، لا بد من التفكير في تحويل اتجاه الاستثمار إلى دول الإقليم، كقطر والكويت مثلا. ولا بد من التفكير أيضا في موضوع الأسواق، فمعروفٌ أن التصدير إلى أوروبا وأميركا وغيرهما سيكون أكثر كلفة بسبب التقييد على التنقل الجوي. وهذا يعني ضرورة البحث الجاد في تنمية التعامل مع الأسواق الإقليمية، بدلاً من الأسواق العالمية، فبدل أن تستورد السعودية الخضر والفواكه من أسبانيا مثلاً، لماذا لا تحاول دول الإقليم، كالأردن وفلسطين وسورية، توفير أسواق للمنتوجات الزراعية. وتوسيع الأسواق الإقليمية، طبعا، سيتطلب مفاوضات صادقة وجادة، في ما يتعلق بالغلاف الجمركي الذي قد يشكل مدخلا مهما إلى التجارة البينية.
توفر الأزمة الحالية فرصة نادرة للعمل العربي الوحدوي، ابتداء من تنمية الوضع الوطني، ثم الاهتمام بالتعاون الإقليمي، في حين يتم تأجيل التعامل الدولي إلى مرحلة مستقبلية، تكون لدول الإقليم عندها القدرة على التفاوض على شروط أكثر عدالةً من الوضع الحالي. وقد رفعت الأزمة من وعي الشعوب، ومن المتوقع أن يكون المواطن مصرّاً الآن على وجود أطر جادّة وفعالة للمحاسبة والرقابة، ولعل أي انتخابات مقبلة ستكون المحكّ الحقيقي لكي يترجم الشعب مطالبه بوجود سلطة رقابية فعالة، فهل سيختار الشعب ممثلين قادرين على تحمّل تلك المهمة، أم سينجح المشككون بذلك، وتعود المطالبة إلى الحكم المعتمد على الجهاز الأمني العسكري فقط لأنه ناجع، بدلاً من حكم مدني متفاعل مع حاجات المواطن، ومستفيد من دروس جائحة كورونا؟
ويبقى السؤال: هل سيقبل الناس العودة إلى النظام السابق، والذي تغيب فيه أطر المحاسبة الجادّة، ويعمل الوزراء والمسؤولون من دون وجود حسيب أو رقيب في المتابعة، وضمان مستوى من
وفي تطبيق لأي استراتيجية وطنية، يجب التفكير الجاد في منظومة العمل وأهمية زيادة نسبة العمالة الوطنية بدلاً من العمالة الوافدة على سبيل المثال، فمع مغادرة عدد كبير من العمالة الوافدة، ومع تعطل إمكانية استقبال عمالة غير وطنية، لا بد من ضرورة التفكير الجديد في كيفية ملء الحاجات من خلال العمالة المتوفرة محلياً. قد يتطلب التفكير الجديد إعادة حسابات المشاريع الاقتصادية والزراعية، حيث لا بد أن العامل المحلي سيكلف أكثر من العامل الوافد من حيث ضرورة الالتزام، وحتى رفع الحد الأدنى للأجور، وضرورة توفير الضمان الاجتماعي، وحتى التأمين الصحي. وقد يكون هناك حاجة أيضاً إلى توسيع حلقة التنقل من الدولة الواحدة إلى عدة دول إقليمية تتوفر فيها شروط صحية متماثلة، فمثلاً، من المعروف أن الوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية مماثل للوضع في الأردن، وقد يكون هناك دول أخرى في المحيط الأردني، من الممكن أن يتم التوصل معها إلى بروتكولات تنقّل تضمن شروطا صحية مماثلة.
إضافة إلى مسألة العمالة والتنقل الإقليمي، لا بد من تفكير جديد في موضوع الاستثمار، فقد يكون الاعتماد على الاستثمار لدول بعيدة عن الأردن أكثر صعوبةً من دول الإقليم، فبدلاً من الاعتماد،
توفر الأزمة الحالية فرصة نادرة للعمل العربي الوحدوي، ابتداء من تنمية الوضع الوطني، ثم الاهتمام بالتعاون الإقليمي، في حين يتم تأجيل التعامل الدولي إلى مرحلة مستقبلية، تكون لدول الإقليم عندها القدرة على التفاوض على شروط أكثر عدالةً من الوضع الحالي. وقد رفعت الأزمة من وعي الشعوب، ومن المتوقع أن يكون المواطن مصرّاً الآن على وجود أطر جادّة وفعالة للمحاسبة والرقابة، ولعل أي انتخابات مقبلة ستكون المحكّ الحقيقي لكي يترجم الشعب مطالبه بوجود سلطة رقابية فعالة، فهل سيختار الشعب ممثلين قادرين على تحمّل تلك المهمة، أم سينجح المشككون بذلك، وتعود المطالبة إلى الحكم المعتمد على الجهاز الأمني العسكري فقط لأنه ناجع، بدلاً من حكم مدني متفاعل مع حاجات المواطن، ومستفيد من دروس جائحة كورونا؟