وقدمت الولايات المتحدة لدول الخليج التزامات، وصفها أوباما بالحديدية، للدفاع عنها ضد أي عدوان خارجي يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، مقابل نصائح بشأن أهمية احترام حقوق الإنسان والأقليات إلى جانب الاتعاظ بما حدث في دول الربيع العربي.
واتفقت الولايات المتحدة وشركاؤها في مجلس التعاون الخليجي، بحسب البيان الختامي الصادر عن القمة، على العمل سوياً من أجل حل صراعات اليمن وسورية وليبيا بالطرق السلمية، والتشاور مع الولايات المتحدة قبل التخطيط لأي عمل عسكري خارج الحدود، مثلما حدث في عملية (عاصفة الحزم)، ولا سيما عند طلب مساعدة الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: كامب ديفيد: حلّ الأزمة مع إيران عربيّ بمساعدة أميركية
حوار خليجي إيراني
وفي كلمة للرئيس، باراك أوباما، في ختام قمة كامب ديفيد، وردت إشارة ذات دلالة إلى أنه لا توجد أية دولة من الدول المشاركة في مؤتمر كامب ديفيد لديها مصلحة في إبقاء النزاع مفتوحاً مع إيران إلى ما لا نهاية، إذ أعرب عن الترحيب بإيران إذا أرادت أن تؤدي دوراً مسؤولاً في المنطقة، مستدركاً أن مثل هذا الدور يتطلب من إيران "خطوات عملية ملموسة لبناء الثقة وحل خلافاتها مع جيرانها بالوسائل السلمية والالتزام بالقواعد والمعايير الدولية".
وعلى الرغم من أن أوباما لجأ إلى استخدام ذات العبارات والجمل التي اعتاد على توجيهها عند التخاطب مع إيران أو عنها، إلا أنه بدا هذه المرة وكأنه لا يتحدث باسم بلاده فقط بل باسم جميع الدول المشاركة في قمة كامب ديفيد، مضيفاً بذلك إلى طاولة المفاوضات مع إيران مصدر قوة جديداً قد يعزز من موقف أميركا التفاوضي.
ولفت أوباما إلى أن الغرض من تعزيز قدرات الشركاء في دول مجلس التعاون الخليجي والتعاون الأمني معهم، هو الضمان لهم بأن بإمكانهم الحوار مع إيران والتعامل معها سياسياً ودبلوماسياً من موقع الثقة والقوة. كما أكد الرئيس الأميركي أن العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي ستظل حجر زاوية في الاستقرار الإقليمي.
وفي رد غير مباشر من الرئيس الأميركي على الاتهامات، التي ترددها أنظمة عربية معادية للولايات المتحدة وحليفة معها على حد سواء، بأن الإدارات الأميركية المتعاقبة تعمل على زعزعة استقرار المنطقة العربية، دعا الرئيس الأميركي إلى توسيع الحوارات الجارية لتشمل إيران من أجل حل الصراعات في المنطقة. وقال أوباما إن بلاده "على مدى السنوات الـ 70 الماضية، ظلت تنظر إلى أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط عموماً، ومنطقة الخليج على وجه خاص، على أنه من صميم أمنها القومي ومصلحتها، بل ومبدأ أساسي من مبادئ السياسة الخارجية الأميركية تمسكت به أجيالٌ بعد أجيال من الأميركيين وأكد عليه كل رئيس للولايات المتحدة، بمن فيهم أنا".
وتأكيداً على أنه لم يخرج عن هذا المبدأ، قال أوباما "منذ توليت منصبي، عملت على تكثيف تعاوننا الأمني مع شركائنا في مجلس التعاون الخليجي، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وعمان وقطر والبحرين، في وقت تمر به منطقة الشرق الأوسط بتحديات غير عادية ونزاعات أسفرت عن معاناة إنسانية لا توصف". وأشار أوباما إلى أن "الولايات المتحدة وشركاءها في مجلس التعاون الخليجي تعاونوا على نطاق واسع، في التصدي للجماعات الإرهابية، مثل تنظيم القاعدة والآن داعش، ومعارضة نظام الأسد الذي يحارب شعبه السوري، ودعم الحكومة الشرعية في اليمن، ومعارضة تصرفات إيران لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".
في مقابل ذلك، اعتبر أوباما أن التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي الست، المشاركة في قمة كامب ديفيد، لا يعني تهميش إيران أو إدامة الصراع معها، مؤكداً أن أي اتفاق دولي يعالج المخاوف من البرنامج النووي الإيراني هو من مصلحة العالم أجمع، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي.
وأشار أوباما إلى أن هذا الموضوع حظي بوقت طويل من النقاش في قمة كامب ديفيد الأميركية الخليجية، وأنه أطلع رؤساء الوفود على آخر ما وصلت إليه المفاوضات الغربية مع إيران بشأن برنامجها النووي، معرباً عن سروره بأن المشاركين في قمة كامب ديفيد تفاهموا بأن أي اتفاق مع إيران قابل للتحقق من فعاليته، ويعالج المخاوف الإقليمية والدولية بشأن برنامج إيران النووي، هو من مصلحة أمن المجتمع الدولي، بمن في ذلك الشركاء في دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي محاولة من أوباما للتوضيح بأن الاتفاق مع إيران قد يتم نهاية الشهر المقبل، وقد لا يتم، استدرك قائلاً "بطبيعة الحال، سواء توصلنا إلى اتفاق نووي مع إيران أم لا، فإن الجهود ستظل جارية لمواجهة تهديدات (تقليدية) في المنطقة منبعها إيران، بما في ذلك أنشطتها المزعزعة للاستقرار، فضلا عن التهديدات المتمثلة في التنظيمات الإرهابية. لذلك، نحن قررنا العمل سويا لمواجهة هذه التهديدات، ويأتي سعينا لتحسين مستوى التعاون الأمني فيما بيننا لهذا الغرض تحديداً".
وفي تحذير ذي دلالة، اعتبر البيان الختامي أن "الجماعات المتطرفة في المنطقة المنافسة لتنظيم داعش، كالنصرة، تمثل خطراً على الشعب السوري، وعلى المنطقة والمجتمع الدولي". وأعرب المجتمعون "عن قلقهم العميق بشأن استمرار تردي الوضع الإنساني في سورية وإدانتهم منع توزيع المساعدات على السكان المدنيين من قبل النظام السوري أو أي طرف آخر". وقرر القادة "التحرك معاً لإقناع كافة الأطراف الليبية بقبول اتفاق تقاسم السلطة، وفق مقترحات الأمم المتحدة، والتركيز على مكافحة الوجود المتنامي للإرهاب في البلاد".
الحوثيون ليسوا كالأسد
في غضون ذلك، تضمن البيان الختامي، الصادر عن القمة، وصفة واحدة لحل النزاعات المختلفة عن طريق "الحوار"، غير أن هذه الوصفة رفضت بشكل صريح الرئيس السوري، بشار الأسد، وقبلت ضمنياً التعامل مع جماعة الحوثيين في اليمن. فقد أكد القادة التزامهم بالعمل نحو التوصل إلى حل سياسي مستدام في سورية ينهي الحرب ويؤسس لحكومة شاملة تحمي الأقليات العرقية والدينية وتحافظ على مؤسسات الدولة، مؤكدين أن الأسد قد فقد شرعيته ولن يكون له دور في مستقبل سورية.
أما في اليمن، فقد شددت دول مجلس التعاون والولايات المتحدة على ضرورة بذل جهود جماعية لمواجهة "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، أما الحوثي فقد اكتفى البيان بالتأكيد على منع تزويد قواته وحلفائه بالأسلحة، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216.
وأكد البيان، المعبر عن موقف أميركي خليجي مشترك، على الحاجة للانتقال السريع من العمليات العسكرية في اليمن إلى العملية السياسية من خلال مؤتمر الرياض، تحت رعاية مجلس التعاون ومفاوضات تشرف عليها الأمم المتحدة على أساس المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ولوحظ أن مؤتمر الرياض اليمني أصبح مجرد منصة إطلاق للعملية السياسية. أما الحلول فإنها عبر مفاوضات بإشراف أممي، أي أن الأمم المتحدة قد تختار مكاناً غير الرياض للمفاوضات اليمنية من أجل إشراك الحوثيين.
وفي كلمة أوباما المخصصة لشرح نتائج المؤتمر، ورد تأكيد على أنه اتفق مع ضيوفه على مجموعة من المبادئ، بما فيها الإدراك المشترك بأنه ليس هناك من حل عسكري للصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة والتي لا يمكن حلها إلا عبر السبل السياسية والسلمية، واحترام سيادة كافة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والحاجة لوجود حكومة تشمل كافة المكونات في المجتمعات التي تعاني من مثل هذه الصراعات، وكذلك حماية جميع الأقليات وحقوق الإنسان. وفي السياق نفسه، قرر القادة التحرك معاً لإقناع كافة الأطراف الليبية بقبول اتفاق تقاسم السلطة وفق مقترحات الأمم المتحدة والتركيز على مكافحة الوجود المتنامي للإرهاب في البلاد.
العبادي غير المالكي
وفي الشأن العراقي، علمت "العربي الجديد" من مصادر موثوق بها أن الجانب الأميركي طلب من دول الخليج عدم التعامل مع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بالطريقة نفسها التي كان يتم فيها التعامل مع سلفه، نوري المالكي. كما أبدى الأميركيون رغبتهم في أن تدعم دول الخليج الاستقرار في العراق، بما يكفي لسحب البساط من أيادي إيران.
وطبقا لذلك، أكدت دول مجلس التعاون والولايات المتحدة رسمياً التزامها بمساعدة الحكومة العراقية والتحالف الدولي في قتالهم ضد تنظيم "داعش". وعبروا عن أهمية تعزيز الروابط بين دول مجلس التعاون والحكومة العراقية على أسس مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة الدولة. كما حثّ الطرفان الحكومة العراقية على تحقيق مصالحة وطنية حقيقية من خلال النظر بصورة عاجلة في التظلمات المشروعة لكافة مكونات المجتمع العراقي، وذلك بتنفيذ الإصلاحات، التي تم الاتفاق عليها الصيف الماضي، والتأكد من أن كافة الجماعات المسلحة تعمل تحت سيطرة صارمة من قبل الدولة العراقية.
لبنان وفلسطين
ولم يغب لبنان عن القمة، إذ أعرب القادة عن قلقهم بشأن التأخير في انتخاب رئيس جديد للبنان، وناشدوا كافة الأطراف العمل على تقوية مؤسسات الدولة اللبنانية، مؤكدين على أهمية تحرك البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وفق الدستور. كما أكدوا "تصميمهم على دعم الحكومة اللبنانية في تصديها لتنظيمي داعش والنصرة، اللذين يهددان أمن واستقرار لبنان".
وأكدت دول مجلس التعاون والولايات المتحدة بقوة على ضرورة "تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس اتفاق سلام عادل وشامل ودائم يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وموحدة، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في أمن وسلام". ولتحقيق ذلك الهدف، شددت الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون على أهمية مبادرة السلام العربية لعام 2002 والحاجة الماسة لأن يظهر طرفا الصراع، من خلال سياساتهما وأفعالهما، تقدماً حقيقياً لحل الدولتين.
خط سير من اتجاهين
في هذه الأثناء، اتفق الطرفان على عقد اجتماعهم المقبل في عام 2016، أي قبل مغادرة أوباما البيت الأبيض، من أجل توثيق الشراكة الاستراتيجية، التي قال الرئيس الأميركي إنها ستكون علاقة تسير في اتجاهين (أي أنها ليست إملاءات من طرف على طرف) بل "التزامات تمثل بداية عهد جديد من التعاون بيننا، وتوثيق، شراكة أقوى لعقود مقبلة". وأشار أوباما في ختام القمة إلى أنه لم يطلب من الخليجيين أي ضمانات بعدم معارضة الاتفاق النووي مع إيران.
نصيحة ختامية
ووجه الرئيس الأميركي إلى ضيوفه الخليجيين، المشاركين في قمة كامب ديفيد في ختام أعمالها، نصيحة علنية مفادها أن الأمن الحقيقي والدائم يتطلب حكماً رشيداً يخدم جميع المواطنين ويحترم حقوق الإنسان والأقليات بالشكل المتعارف عليه عالمياً، والاتعاظ في ذلك بما حدث لدول الربيع العربي.
وأوضح أوباما أن "الدروس المستقاة من أحداث المنطقة منذ بداية الربيع العربي تعد بمثابة تذكير بأن الأمن الحقيقي والدائم لا يمكن الوصول إليه، إلا بوجود حكومات رشيدة لا تمتهن حقوق الإنسان، ولا تفرق بين مواطنيها في خدماتها".
وشدد أوباما على أن الولايات المتحدة لهذا السبب ستستمر في مناداتها لإقامة مؤسسات حكم وتشريع، يمثل فيها الجميع بلا استثناء، ومؤسسات مجتمع مدني قوية، واحترام حقوق الإنسان في كل دولة من دول الشرق الأوسط وفي العالم ككل.
وفي نصيحة أخرى، غير مباشرة، تنم عن إدراك الرئيس الأميركي لخطورة إهمال قطاع الشباب، تحدث أوباما عن "الدروس المستقاة من أحداث المنطقة ..وكذلك عن توسيع الفرص التعليمية والاقتصادية في المنطقة بما يسمح للناس، وخاصة الشباب، بتحقيق طموحاتهم".
اقرأ أيضاً كامب ديفيد: قمة الضمانات الأمنية والمراجعات السياسية