يذكر أهالي التلاميذ النازحين من الموصل أنّ تنظيم "داعش" كان يفرض مناهجه الخاصة في المدارس، ويعاقب من يعترض. هذا الوضع يمثل تحدياً للسلطات العراقية في أعقاب تحرير المدينة، وهو تحدي تحرير أدمغة التلاميذ من أفكار التنظيم
مع اقتراب القوات الحكومية العراقية من حسم معركة الموصل عبر تقدمها في الساحل الأيمن، تبرز مشاكل اجتماعية معقدة أفرزتها سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على الموصل طوال ثلاث سنوات، في كلّ مؤسساتها التعليمية. وهو ما يضع الخبراء التربويين أمام مهمة صعبة لإعادة تأهيل التلاميذ الذين تلقوا تعليمهم تحت حكم التنظيم، في الوقت الذي لم تعترف فيه وزارة التربية بالشهادات الدراسية في تلك المناطق.
يكشف اختصاصيون أنّ هناك حاجة إلى إعادة تأهيل التلاميذ الذين قضوا نحو ثلاثة أعوام في مدارس الموصل تحت حكم "داعش"، خصوصاً أنّ التنظيم طبع مناهجه الخاصة التي احتوت على فكره المتشدد. وبحسب مصادر حكومية عراقية فإنّ برنامجاً للأمم المتحدة يجري وضع اللمسات الأخيرة عليه بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العراقية بهدف محو ما تعلمه التلاميذ وحفظوه في مدارس "داعش". وقد رصد لهذا البرنامج، الذي لا يتوقع أن يكون العمل عليه سهلاً، نحو 10 ملايين دولار أميركي نظراً إلى عدد التلاميذ الكبير الذين "غسل داعش أدمغتهم". وينتظر الإعلان عن البرنامج بعد انتهاء المعركة بفترة وجيزة.
يقدّر مراقبون عدد التلاميذ الذين تلقوا دروسهم في مدارس "داعش" طوال السنوات الماضية بنحو 150 ألفاً، معظمهم تعلّموا المناهج التي كتبها التنظيم، وقدّم دروسها أيضاً عناصر من التنظيم في الموصل أو في المدن الأخرى لمحافظة نينوى.
في هذا الإطار، يقول المستشار التربوي عبد الودود الجبوري: "منذ سيطرة تنظيم داعش على الموصل في يونيو/ حزيران 2014، بدأ في تأسيس دوائر خاصة به، منها ديوان التعليم الذي يشرف بشكل كامل على التعليم والمناهج الدراسية. ثم بدّل المناهج وألغى مواد دراسية معينة مثل التربية الفنية وغيرها بحجة مخالفتها الإسلام، وأضاف مواد أخرى تحمل فكره المتطرف".
يضيف الجبوري لـ"العربي الجديد": "استمر التنظيم في عملية التغيير المنظمة للمناهج الدراسية في الموصل وإضافة أفكاره المتطرفة لغسل أدمغة التلاميذ، وكان يعاقب بشدة كلّ من يمتنع عن إرسال أبنائه إلى المدرسة أو من يمتنع عن تنفيذ تعليماته من الكوادر التعليمية ممن يعترض على المناهج".
ويذكر أهالي الموصل أنّ التنظيم أصدر أوامر مشددة في العام الأول من سيطرته على المدينة تجبر ذوي التلاميذ على إلحاق أبنائهم بالمدارس، وتجبر الكوادر التعليمية على الالتزام بالدوام مع عقوبات مشددة لمن يمتنع تصل إلى الإعدام.
ومن المواد التي أدخلها تنظيم "داعش" على التعليم في المدينة مادة "التربية الجهادية"، التي أدخل فيها تفاصيل وأسماء لشخصيات من التنظيم، من بينهم انتحاريون وقياديون بحسب المراقبين.
خلال تقدم القوات العراقية في مدينة الموصل عثرت على كميات من الكتب والمناهج الدراسية طبعها التنظيم ووزعها على مدارس المدينة، وقد كشفت هذه الكتب التغييرات الكبيرة التي أجراها على العملية التعليمية ككلّ.
عن ذلك، يقول التربوي، صامد الشمري، إنّ "مناهج التنظيم تتمحور حول فكرة الخلافة وتكفير المعارضين له ومحاولة غسل أدمغة الطلبة بمفردات عديدة مثل عبوة وكفار وطلقة وغير ذلك". يتابع: "من التغييرات على مادة التاريخ مثلاً أنّه أدخل المسميات القديمة للدول العربية على الخريطة مثل بلاد الشام ونجد والحجاز. كذلك، ضمّن مناهجه عبارة: باقية وتتمدد. ووضع منهجاً بديلاً للتربية البدنية عوضاً عن الثقافة والتربية الفنية".
اقــرأ أيضاً
يضيف الشمري لـ"العربي الجديد": "لم يتوقف التنظيم عند هذا الحد، بل ذهب بعيداً في غسل أدمغة التلاميذ إذ وضع في مادة الرياضيات مثلاً معضلات حسابية تحتوي على مفردات من قبيل عبوة ناسفة، وقتلى، وجرحى، ورصاصة، وكفار، وقنص، وغيرها، مع العلم بأنّ مثل هذه المفردات لم تستثن الصفوف الابتدائية حتى". ومن أمثلة المعضلات الحسابية التي تحمل الفكر المتطرف هذه المسألة: "لديك 42 طلقة وأمامك 7 من الكفار فكيف توزع الطلقات بالتساوي لقنصهم؟ مع صور ورسومات لأسلحة رشاشة ومسدسات وغيرها". وكذلك، تمارين في مواد اللغة العربية مثل "قاتل المجاهد المرتدين"، "فجر الاستشهادي نفسه في سبيل الله" في دروس المفعول به في القواعد العربية.
بدورهم، يشير خبراء اجتماعيون إلى أنّ تلاميذ الموصل الذين خرجوا من المدينة مؤخراً تعرضوا إلى ضغوط هائلة تحت حكم التنظيم المتشدد في المدينة، ولا بدّ من إعادة تأهيلهم بطريقة حضارية مدروسة. يقول الخبير الاجتماعي صابر الجنابي لـ"العربي الجديد" إنّ "هناك خطوات للتنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لوضع خطة عمل لإعادة تأهيل هؤلاء التلاميذ بعد انتهاء معارك الموصل، وإعادتهم إلى مدارسهم، لأنّهم تعرضوا إلى ضغوط نفسية شديدة وغسلت أدمغتهم إجبارياً".
وبالرغم من هذه المعاناة، جاء قرار وزارة التربية بإلغاء الأعوام الدراسية التي أمضاها التلاميذ في الموصل وعدم الاعتراف بشهاداتهم بل وجوب إعادة السنوات الدراسية، ليكمل معاناتهم، إذ تأخر كلّ منهم ثلاث سنوات عن صفه، إذا تمكن من العودة كما يجب الآن بعدما درس في مناهج مختلفة.
التغييرات التي طرأت على المناهج تدهش بعض الباحثين، خصوصاً مع لجوء التنظيم إلى الطرق المباشرة والطرق غير المباشرة لغسل أدمغة التلاميذ المجبرين على الدرس فيها بالذات، مثلهم مثل المدارس المجبرة على تدريسها وإلاّ فتهمة الخيانة جاهزة.
الباحث في علم النفس الاجتماعي، مضر الصميدعي، يشير إلى أنّ هؤلاء التلاميذ بأعدادهم الكبيرة جداً "كانوا يعيشون في أجواء خوف في البيت والشارع والمدرسة، وعلينا أن نعلم كمية الضغط النفسي التي تعرضوا لها حتى في دراستهم، فلم تكن مفردات العبوة الناسفة والانتحاري والرصاص والدم تفارقهم. هذه كارثة كبيرة أثرت كثيراً في نفوسهم بلا شك وهم في حاجة إلى إعادة تأهيل خصوصاً تلاميذ الابتدائية".
اقــرأ أيضاً
مع اقتراب القوات الحكومية العراقية من حسم معركة الموصل عبر تقدمها في الساحل الأيمن، تبرز مشاكل اجتماعية معقدة أفرزتها سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على الموصل طوال ثلاث سنوات، في كلّ مؤسساتها التعليمية. وهو ما يضع الخبراء التربويين أمام مهمة صعبة لإعادة تأهيل التلاميذ الذين تلقوا تعليمهم تحت حكم التنظيم، في الوقت الذي لم تعترف فيه وزارة التربية بالشهادات الدراسية في تلك المناطق.
يكشف اختصاصيون أنّ هناك حاجة إلى إعادة تأهيل التلاميذ الذين قضوا نحو ثلاثة أعوام في مدارس الموصل تحت حكم "داعش"، خصوصاً أنّ التنظيم طبع مناهجه الخاصة التي احتوت على فكره المتشدد. وبحسب مصادر حكومية عراقية فإنّ برنامجاً للأمم المتحدة يجري وضع اللمسات الأخيرة عليه بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العراقية بهدف محو ما تعلمه التلاميذ وحفظوه في مدارس "داعش". وقد رصد لهذا البرنامج، الذي لا يتوقع أن يكون العمل عليه سهلاً، نحو 10 ملايين دولار أميركي نظراً إلى عدد التلاميذ الكبير الذين "غسل داعش أدمغتهم". وينتظر الإعلان عن البرنامج بعد انتهاء المعركة بفترة وجيزة.
يقدّر مراقبون عدد التلاميذ الذين تلقوا دروسهم في مدارس "داعش" طوال السنوات الماضية بنحو 150 ألفاً، معظمهم تعلّموا المناهج التي كتبها التنظيم، وقدّم دروسها أيضاً عناصر من التنظيم في الموصل أو في المدن الأخرى لمحافظة نينوى.
في هذا الإطار، يقول المستشار التربوي عبد الودود الجبوري: "منذ سيطرة تنظيم داعش على الموصل في يونيو/ حزيران 2014، بدأ في تأسيس دوائر خاصة به، منها ديوان التعليم الذي يشرف بشكل كامل على التعليم والمناهج الدراسية. ثم بدّل المناهج وألغى مواد دراسية معينة مثل التربية الفنية وغيرها بحجة مخالفتها الإسلام، وأضاف مواد أخرى تحمل فكره المتطرف".
يضيف الجبوري لـ"العربي الجديد": "استمر التنظيم في عملية التغيير المنظمة للمناهج الدراسية في الموصل وإضافة أفكاره المتطرفة لغسل أدمغة التلاميذ، وكان يعاقب بشدة كلّ من يمتنع عن إرسال أبنائه إلى المدرسة أو من يمتنع عن تنفيذ تعليماته من الكوادر التعليمية ممن يعترض على المناهج".
ويذكر أهالي الموصل أنّ التنظيم أصدر أوامر مشددة في العام الأول من سيطرته على المدينة تجبر ذوي التلاميذ على إلحاق أبنائهم بالمدارس، وتجبر الكوادر التعليمية على الالتزام بالدوام مع عقوبات مشددة لمن يمتنع تصل إلى الإعدام.
ومن المواد التي أدخلها تنظيم "داعش" على التعليم في المدينة مادة "التربية الجهادية"، التي أدخل فيها تفاصيل وأسماء لشخصيات من التنظيم، من بينهم انتحاريون وقياديون بحسب المراقبين.
خلال تقدم القوات العراقية في مدينة الموصل عثرت على كميات من الكتب والمناهج الدراسية طبعها التنظيم ووزعها على مدارس المدينة، وقد كشفت هذه الكتب التغييرات الكبيرة التي أجراها على العملية التعليمية ككلّ.
عن ذلك، يقول التربوي، صامد الشمري، إنّ "مناهج التنظيم تتمحور حول فكرة الخلافة وتكفير المعارضين له ومحاولة غسل أدمغة الطلبة بمفردات عديدة مثل عبوة وكفار وطلقة وغير ذلك". يتابع: "من التغييرات على مادة التاريخ مثلاً أنّه أدخل المسميات القديمة للدول العربية على الخريطة مثل بلاد الشام ونجد والحجاز. كذلك، ضمّن مناهجه عبارة: باقية وتتمدد. ووضع منهجاً بديلاً للتربية البدنية عوضاً عن الثقافة والتربية الفنية".
بدورهم، يشير خبراء اجتماعيون إلى أنّ تلاميذ الموصل الذين خرجوا من المدينة مؤخراً تعرضوا إلى ضغوط هائلة تحت حكم التنظيم المتشدد في المدينة، ولا بدّ من إعادة تأهيلهم بطريقة حضارية مدروسة. يقول الخبير الاجتماعي صابر الجنابي لـ"العربي الجديد" إنّ "هناك خطوات للتنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لوضع خطة عمل لإعادة تأهيل هؤلاء التلاميذ بعد انتهاء معارك الموصل، وإعادتهم إلى مدارسهم، لأنّهم تعرضوا إلى ضغوط نفسية شديدة وغسلت أدمغتهم إجبارياً".
وبالرغم من هذه المعاناة، جاء قرار وزارة التربية بإلغاء الأعوام الدراسية التي أمضاها التلاميذ في الموصل وعدم الاعتراف بشهاداتهم بل وجوب إعادة السنوات الدراسية، ليكمل معاناتهم، إذ تأخر كلّ منهم ثلاث سنوات عن صفه، إذا تمكن من العودة كما يجب الآن بعدما درس في مناهج مختلفة.
التغييرات التي طرأت على المناهج تدهش بعض الباحثين، خصوصاً مع لجوء التنظيم إلى الطرق المباشرة والطرق غير المباشرة لغسل أدمغة التلاميذ المجبرين على الدرس فيها بالذات، مثلهم مثل المدارس المجبرة على تدريسها وإلاّ فتهمة الخيانة جاهزة.
الباحث في علم النفس الاجتماعي، مضر الصميدعي، يشير إلى أنّ هؤلاء التلاميذ بأعدادهم الكبيرة جداً "كانوا يعيشون في أجواء خوف في البيت والشارع والمدرسة، وعلينا أن نعلم كمية الضغط النفسي التي تعرضوا لها حتى في دراستهم، فلم تكن مفردات العبوة الناسفة والانتحاري والرصاص والدم تفارقهم. هذه كارثة كبيرة أثرت كثيراً في نفوسهم بلا شك وهم في حاجة إلى إعادة تأهيل خصوصاً تلاميذ الابتدائية".