في 1979، ظهرت صرخة "أيها المُعلّمون.. اتركوا الأطفال في حالهم" في أغنية شهيرة لفرقة "بِنك فلويد" الإنكليزية. كانت تلك الصرخة، ونص الأغنية عموماً، ثم الفيلم القصير المصاحب، بلورة فنية عفويّة لجُهدٍ نقديٍّ يجعل من المدرسة موضوع تفكيك وتعرية مع تقدّم أدوات علوم التربية والفلسفة وعلم الاجتماع.
جميعنا خُصّص الجزءُ الأكبر من طفولته للمجيء والذهاب إلى المدرسة. جميعنا مرّ من ذلك الصندوق دون أن يتمثّله كمصنع للدواجن، فلا أحد وهو يعيش تجربة الجلوس اليومي على مقاعد المدرسة كان يدري شيئاً عن نظريات تعمل على تعرية دورها؛ بداية من تصنيف أنطونيو غرامشي لها ضمن أدوات الهيمنة الثقافية، وصولاً إلى مقولات "إعادة الإنتاج" و"العنف الرمزي" لـ بيير بورديو أو نظرية "مجتمع دون مدرسة" لـ إيفان إليتش.
من كان يتخيّل، وهو على مقاعد الدراسة، أن ما يمرّر إليه على طبق مجموعةُ مناهج ومقرّرات هي مُخرجات صراعات طبقية، وخياراتٌ مفروضة من الدولة أو من شق مهيمن على جهازها تعكس شبكة ولاءات واصطفافات وبيروقراطيةً، وفيها تُسرَّب عن قصد أو من دونه مغالطاتٌ حضارية وتاريخية، وربما أخطاء معرفية وذوقية وغيرها.
بعد مسارات متشعبة بين المدارس والمعاهد والكلّيات، حين يلتفت أحدنا وراءه قد لا يشعر بأنه أمسى "طوبة أخرى في الجدار"، فكل شيء كان مُغلّفاً بحسن النية. ولا معنى لنظرة نقدية من بعيد.