لم يكن يخطر على بال أي كان أن يُضطر المدرّسون الباكستانيون في يوم من الأيام إلى حمل السلاح لتعزيز أمن مدارسهم. وقد حصل ذلك بالفعل بعدما قررت حكومة إقليم خيبر بختونخوا في شمال غرب باكستان، تدريب المدرّسين والمدرّسات على استخدام الأسلحة ليكونوا جاهزين في حال تعرّضت المدارس التي يعملون فيها إلى هجوم، على غرار ما حصل في منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي عندما استهدف مسلحون من حركة طالبان مدرسة لأبناء العسكريين في مدينة بيشاور. قُتل أكثر من 150 شخصاً في ذلك الهجوم، معظمهم من التلاميذ.
وعلى أثر ذلك الهجوم، اتخذت الحكومة المحلية التي يتزعمها عمران خان أحد أبرز المعارضين لحكومة رئيس الوزراء نواز شريف، حزمة من القرارات تهدف إلى تأمين المدارس. ومن بينها تدريب المدرّسين والمدرّسات على استخدام الأسلحة الخفيفة، حتى يتمكنوا من صدّ هجمات محتملة وإشغال المهاجمين إلى حين وصول القوات المسلحة إلى موقع الحادث، بحسب ما توضح السلطات الأمنية المحلية.
ولتحقيق ذلك، أعدّت قوات مكافحة الإرهاب دورات تدريبية عديدة في مختلف مناطق الإقليم، لتدريب مئات من هؤلاء وسط تزايد القلق في صفوفهم. وتأتي تلك التدريبات في ظل خلافات عميقة ما بين الحكومة المحلية والحكومة الفدرالية. فالأخيرة لا ترحّب بها، كذلك يرى معظم الحقوقيين أن لهذه الخطوة آثارها السلبية على تعليم الأطفال وعلى القطاع التعليمي المتدهور في الأساس في باكستان عموماً، وفي مناطق الشمال الغربي خصوصاً.
تجدر الإشارة إلى أن مئات المدرّسين رفضوا حمل السلاح إلى مدارسهم على الرغم من إلحاح حكومة خيبر بختونخوا الشديد. هم رأوا أن توفير الأمن للمدارس من واجب الحكومة والسلطات الأمنية وليس من واجب المدرّسين. وقد طالبوا الحكومة المحلية وكذلك الحكومة المركزية باتخاذ تدابير أساسية من شأنها أن تحمي المدارس من هجمات المسلحين. إلى ذلك يعتقد البعض أن حمل السلاح يعرّض المدرّسين إلى الخطر، إذ إن الجماعات المسلحة ستعدّ كل أولئك المدرسين جنوداً في الجيش والحكومة، وبالتالي تستهدفهم.
محمد منير أحد مدرّسي مقاطعة وادي سوات الذين رفضوا المشاركة في دورات التدريب وحمل السلاح إلى المدارس، والذين عبّروا عن استعدادهم تحمّل تبعات الرفض. هم شدّدوا على أنهم لن يجعلوا أنفسهم في خطر. يقول منير لـ "العربي الجديد": "لست الوحيد. ثمة عشرات الزملاء المدرّسين الذي رفضوا ذلك، ومن حسن حظنا أن المؤسسات الحقوقية وناشطي المجتمع المدني بدأوا يثيرون الموضوع على مختلف الأصعدة، لعلّ ذلك يأتي بنتائج إيجابية وتريحنا من هذه المهمة الصعبة".
من جهته، يحمل ذيشان أحمد مدرّس في إحدى المدارس الابتدائية في مدينة بيشاور، المسدس معه إلى عمله. هو تابع دورة تدريبة على أيدي قوات مكافحة الإرهاب. وهو يرى أن من واجب الجميع أن يؤدي دوره لإخراج البلاد من المأزق الأمني الخطر، مشجعاً زملائه على الخضوع إلى مطلب الحكومة والمساهمة في توفير الأمن للمدارس.
اقرأ أيضاً: اليوم الأخير لتلاميذ باكستان الـ 132
والحكومة المحلية مصممة على المضي قدماً في تدريب المدرّسين والمدرّسات ومصرة على إجبارهم على حمل السلاح، على الرغم من الضغوطات المتزايدة عليها من قبل المجتمع المدني وعلى الرغم من الخلافات العميقة مع الحكومة المركزية حول ملفات عديدة من بينها هذا الملف تحديداً.
يقول رئيس شرطة إقليم خيبر بختونخوا ناصر دراني: "نعيش ظروفاً استثنائية، لذا يجب على الجميع أن يؤدي دوره الحقيقي لمواجهة مظاهر التسلح في البلاد". ويشير إلى أن في الإقليم "أكثر من 45 ألف مدرسة، ومن المستحيل أن تقوم الشرطة بحماية هذا العدد الكبير كله. لذا نطالب الجميع بالتعاون مع الحكومة". ويؤكد على أن "الأحوال الأمنية السائدة لن تدوم كثيراً، فالسلطات الأمنية بصدد قمع تلك الجماعات. لكن الخطر ما زال قائماً، ويحتاج إلى التعاون ما بين المؤسسات الأمنية وشرائح المجتمع المختلفة".
ومع تزايد الضغوطات على الحكومة المحلية من جانب ورفض المعلمين حمل السلاح أو المشاركة في دورات تدريبة من جهة ثانية، عمدت الحكومة إلى تدريب شركات حراسة خاصة لتوفير الأمن للمدراس كخطوة بديلة عن تدريب المدرسين، في حال اضطرت إلى التراجع عنها نتيجة ضغوطات متزايدة. وقد أعلنت شرطة إقليم خيبر بختونخوا أنها دربت نحو ألف حارس للمدراس الحكومية والمدارس الخاصة حتى الآن، وذلك من خلال تنظيم دورات تدريبية في مقاطعة وادي سوات.
ويقول المسؤول في شرطة بيشاور سليم مروت وهو أحد المدربين، إن "الشرطة تدرب المدرّسين على كيفية استخدام الأسلحة والتصدي لهجمات المسلحين"، مشيراً إلى أن ستين في المائة من الحراس الذين تدربوا، هم من حراس مدارس البنات. فتلك تواجه تحدياً أمنياً أكبر، بالمقارنة مع مدارس البنين.
ويوضح مروت أن الشرطة تعاني من "نقص كبير في الوسائل والميزانية، وهو ما يُعدّ العقبة الأساسية في سبيل تنفيذ الخطط التي رسمتها السلطات لتدريب شركات حراسة خاصة". ويشدّد على أن الحكومة وعلى الرغم من ضعف الإمكانية، تواصل تدريب الحراس إذ تواجه المدارس تحديات أمنية جمة.
تجدر الإشارة إلى أن بعض المشاركين في دورات تدريب الحراس، متقاعدون من الجيش الباكستاني. بالنسبة إلى هؤلاء، قرار الحكومة بتدريب شركات حراسة خاصة هو القرار المناسب في حالات مماثلة. لكن، لا يمكن غض الطرف عن واقع أن إجبار المدرسين على حمل السلاح قرار أوقع خلافات ما بين الحكومة الفدرالية والحكومة المحلية، بالإضافة إلى ما له من أثار سلبية على القطاع التعليمي. إلى ذلك، لا يجب إهمال فكرة أن يؤدّي قرار الحكومة القاضي بإجبار الأساتذة على حمل السلاح، إلى الإساءة لسمعة باكستان عالمياً، خصوصاً وأن الخطوة قد أدينت من قبل المؤسسات الحقوقية ومن أطراف معنيّة أخرى.
اقرأ أيضاً: معلمات باكستانيات يتدرّبن على السلاح