مدمنو مصر... ضرب وحبس في مصحّات غير مرخصة

12 نوفمبر 2019
يحتاج إلى علاج (فكتوريا هازو/ فرانس برس)
+ الخط -
كشف خطف أحد الشبان المصريّين في منطقة الدقي (أحد الأحياء الراقية في محافظة الجيزة) بهدف نقله إلى أحد مصحّات الإدمان التي تعالج مدمني "الاستروكس" (الذي عرف في مصر باسم الفودو)، والهيروين، والترامادول، والحشيش وغيرها من المواد المخدرة. واللافت كثرة المصحّات غير المرخصة، في وقت يُعدّ فيه عدد المصحات الحكومية قليلاً، وقد لا يستطيع البعض الدخول إليها إلا من خلال "وساطات" أو "محسوبيات".

خطف مريض

وتناقل ناشطون على "فيسبوك" قيام شخصين بوضع شاب عنوة داخل سيارة في منطقة الدقي، ونقله إلى أحد مصحّات علاج الإدمان الكائن في منطقة كرداسة في محافظة الجيزة، بهدف علاجه بناءً على تعليمات والدته. وتبيّن أن الشاب يعمل حداداً. وبعد استدعاء والدته، قالت إن نجلها مدمن للمواد المخدرة، وقد تواصلت مع القائمين على المصحة، فحضر شابان ونقلا نجلها إلى المصحة لعلاجه. ويضم المصح عدداً من المدمنين، لكن ضُبط العاملون فيه بسبب عدم حصولهم على ترخيص.

تشديد الرقابة

من جهتها، طالبت وزارة الداخلية وزارة الصحة بضرورة إطلاق حملات لإغلاق المصحات غير المرخصة، التي انتشرت بطريقة كبيرة في عدد من المحافظات، وكانت سبباً لحدوث وفيات، علماً أن التقارير الطبية تشير إلى أن الوفيات "قضاء وقدر" أو نتيجة "جرعة مواد مخدرة زائدة". ويكشف مصدر مسؤول في وزارة الصحة أن أجهزة الأمن طالبت الصحة بضرورة التنسيق معاً لمواجهة تلك المستشفيات التي تعمل من دون ترخيص، والتأكد من تطبيق الشروط، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية بالفعل داهمت أكثر من مائة مركز لعلاج الإدمان. وتبين وجود مخالفات في أكثر من 80 في المائة منها، وعدم وجود موافقة من قبل المجلس القومي للصحة النفسية وعلاج الإدمان.

يضيف المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه أن محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة ــ الجيزة ــ القليوبية) تضم أكثر من 300 مصح لعلاج الإدمان، إلا أنها غير صحية وغير آمنة، وتؤثّر بصحة المدمنين، خصوصاً أن العاملين في تلك المصحات غير مؤهلين لعلاج المدمنين، إضافة إلى عدم توافر التجهيزات الطبية اللازمة وغرف العناية المركزة. ويلفت إلى أن الجرائم في تلك المصحات وصلت إلى حدّ ضرب المدمنين بالعصي، والحبس لتخويفهم عندما يطلبون تناول مواد مخدرة.



وسائل تعذيب

ويقول محمد. ك الذي كان يعمل في أحد المصحات، إنها تعد وسائل تعذيب وليست وسائل علاج، مشيراً إلى أنها منتشرة في "المقطم" و"حدائق الأهرام" داخل شقق وعدد من الفيلات، إضافة إلى عدد من أحياء الجيزة والقليوبية. ويوضح أن معظم هذه المصحّات غير مؤهل لاستقبال المرضى. يضيف أنه يقيم بجانب أحد المصحات في منطقة المقطم، ويرى مطاردة المسؤولين عن تلك المصحات المرضى في الشوارع، بسبب هروب المرضى نتيجة استخدام وسائل التعذيب، ما يؤدي إلى حالة من الهلع والخوف للأطفال.

ولم يستبعد الموظف السابق أن يكون شريط الفيديو الذي بُثّ لشخص هرب من ذلك المصح، نتيجة عمليات الضرب والتعذيب داخل ذلك المصح الذي يدّعي أنه يعالج الإدمان، مشدداً على أن تلك المراكز هدفها الأول استنزاف أسر المرضى، من دون توفير الرعاية والصحة لأبنائهم، في ظل عدم وجود أي مراكز حكومية لعلاج الإدمان. من جهة أخرى، فإن "قوائم الانتظار" طويلة في المراكز الحكومية، والأسعار مبالغ فيها داخل المراكز الخاصة "المرخصة". ويعتمد البعض على الوساطة والمحسوبية. وليس أمام الفقراء ومحدودي الدخل سوى اللجوء إلى تلك المناطق غير المرخصة على أمل الشفاء.

تزايد أعداد المدمنين

وتفيد البيانات الرسمية الصادرة عن صندوق مكافحة الإدمان بأن أعداد مدمني المخدرات زادت خلال السنوات الخمس الماضية، وقدرت نسبة الإدمان في مصر بـ 2,9 في المائة، في وقت بلغت فيه نسبة التعاطي 11 في المائة، وتتعدى نسبة التعاطي العالمية التي تسجل 5 في المائة. وبحسب الأرقام المعلنة من وزارة الصحة، ممثلة بإدارة علاج الإدمان في الأمانة العامة للصحة النفسية، فإن نسب عدد مراكز علاج الإدمان في مصر إلى تزايد، في وقت وصل فيه عدد المدمنين إلى نحو 4 ملايين، ومتوسط كلفة العلاج في أي مركز تصل إلى 500 جنيه في اليوم الواحد، علماً أنها تتفاوت بين مركز وآخر. وكشفت تلك الجهات أن حالات التعذيب زادت في تلك المراكز غير المرخصة، وأن عدد الوفيات يزداد أيضاً، عازياً السبب إلى قلة عدد المراكز الحكومية والخاصة المرخصة، واستمرار إغراءات المصحات غير المرخصة.



إلى ذلك، يقول الطبيب المتخصّص في الصحة العقلية محمد هاني: "مشكلة مراكز علاج الإدمان الخاصة تكمن في عدم وجود تفتيش، والتأكد من وجود إشراف طبي وبرنامج سليم يحقق الهدف الذي أُنشئ من أجله"، مؤكداً أن بعض المراكز الخاصة أصبحت تجارة، والهدف منها الحصول على مكاسب مالية على حساب حياة الشباب من دون أية فائدة للمدمنين. ويزداد الأمر سوءاً نتيجة تسرّب المواد المخدرة للخاضعين للعلاج، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا نتيجة تناول كميات كبيرة من المخدرات بعد انقطاعها لفترة. ويوضح أن تلك المراكز لا تعتمد على أطباء متخصصين للتعامل مع المرضى، ما يؤدي إلى فقدان الهدف، أي إقلاع الشاب عن تناول المخدرات، مطالباً بضرورة تشديد الرقابة على تلك المراكز من خلال حملات التفتيش المستمرة، واصفاً إياها بـ "الخطرة والمدمرة"، وتسهيل إجراءات افتتاح مراكز متخصصة تحت إشراف وزارة الصحة.

يضيف هاني أن الإدمان مشكلة قومية ينبغي التصدي لها، من خلال التوعية والتصدي لتداول المخدرات، وافتتاح المستشفيات وتحسين أوضاع الأطباء للحفاظ على الكوادر العلمية والطبية، وتسهيل الإجراءات القانونية المعقدة لترخيص مراكز لمكافحة الإدمان. ويشدّد على ضرورة قيام وزارة الصحة بالتعاون مع الأجهزة المعنية لمكافحة تلك المراكز المشبوهة، التي تعمل من دون إشراف مسؤولين، وإغلاقها وتقديم القائمين عليها إلى محاكمة عاجلة، ليكونوا عبرة لآخرين.