مأساة تعيشها مدينة مرزق الليبية... وحرب القبائل والأهالي تهجّر سكانها

01 سبتمبر 2019
أضرار خلفتها الحرب بمنازل مدينة مرزق (فيسبوك)
+ الخط -
تعيش مدينة مرزق الليبية مأساة إنسانية رغم التوقف النسبي للحرب المندلعة بين مكوناتها من قبائل التبو والأهالي منذ مطلع أغسطس/آب الماضي، فالكهرباء ومياه الشرب منقطعة تماماً، وكذلك جهاتها الخدمية التي هجرها موظفوها إضافة إلى خلو مستشفاها الوحيد من الأطقم الطبية.

وأكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للبعثة الأممية في ليبيا مقتل ما لا يقل عن 90 مدنياً، وإصابة أكثر من 200 آخرين بإصابات متفاوتة في المدينة الجنوبية نتيجة الاشتباكات العنيفة فيها.

لكن تقرير المكتب لفت إلى قضية النزوح بسبب تلك الحرب، وأكد أن أحد طرفي القتال هجّر أكثر من 16 ألف شخص إلى مناطق مجاورة للمدينة، مشيراً إلى نزوح قرابة 1300 شخص بشكل طوعي من مرزق إلى مناطق الجفرة وبنغازي. في حين تحوي مرزق سبعة ملاجئ جماعية تديرها السلطات المحلية تؤوي نحو 600 شخص.

وطالب وفد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة عن المنطقة الجنوبية، رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بإعلان مرزق "منطقة منكوبة"، وتشكيل لجنة لتثبيت الحقوق وتقصي الحقائق، والعمل على توفير الظروف المناسبة لعودة النازحين.

ورغم وعود السراج بأن يكون الجنوب ضمن أولويات عمل الحكومة وحرصه على السلم الأهلي والحفاظ على النسيج الاجتماعي في مرزق، إلا أن حسن بركان، عضو جمعية التيسير الأهلية نفى وجود أي مساعدة أو دعم من قبل حكومة الوفاق وحكومة مجلس النواب.

وقال بركان متحدثا لــ"العربي الجديد" إن "رؤساء الحكومات والمقاتلين تركوا أهل مرزق يواجهون مصيرهم لوحدهم"، مضيفا "هم يعيشون الآن بالفعل في شتات داخل مدارس في مناطق الجوار وبعضهم يعيش في العراء". وأشار إلى جهود شارفت على الانتهاء بشأن إطلاق مبادرة لإحلال السلام بين مكونات مرزق الأهلية. وأكد أن التوصل إلى اتفاق لوقف القتال نهائياً لا يزال بعيد المنال، فيما يعاني السكان ظروف التهجير والنزوح.

لم تعد الحياة لطبيعتها في المدينة  (فيسبوك) 

من جانبها، أعلنت بلدية براك الشاطئ، جنوب البلاد، عن استقبالها أسراً نازحة من مرزق، مشيرة إلى استضافتها في مدارس بالمنطقة، كما وجهت نداءً إلى الجهات الإنسانية الدولية والمحلية لتقديم العون لهؤلاء النازحين. ولفتت في بيان لها نهاية الأسبوع الماضي، إلى أن مضاعفات أزمة النازحين ستزداد مع دخول العام الدراسي المقبل إذا لم يتم حلها، مشيرة إلى أن مدارس المنطقة تم شغلها من قبل النازحين.

وبدوره، أطلق المجلس البلدي لوادي عتبة جنوب البلاد، نداء استغاثة عاجلا لتقديم المساعدة الطبية العاجلة للنازحين، مشيرا إلى أن ظروف النزوح والتهجير تحت الرصاص تسبب وقوع إصابات عديدة بين النازحين.

انقطاع الخدمات العامة  (فيسبوك) 


ووصف الناطق الرسمي باسم المجلس، محمد المهدي، في تصريح صحافي، أوضاع النازحين الصحية بالصعبة، فالكثير منهم يعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكري، وبعضهم يعاني من تخثر في الدم. ولفت إلى مشكلة أخرى لا تقل خطورة وهي الأعداد الكبيرة من الأطفال والرضع الذين هم بحاجة ماسة وعاجلة للرعاية الصحية.

وبسبب استمرار عمليات النزوح من المدينة، أقدمت مدينة هون في وسط الجنوب، على تكوين لجان لحصر أعداد النازحين ومساعدتهم. وتشير بعض تصريحات مسؤولي المدينة إلى أنها عمل مشترك رسمي وتطوعي.

وفي ما لا توجد أي إحصاءات رسمية لأعداد النازحين، بيّن بركان أن عدد النازحين من المدينة يقدر بالآلاف. وقال: "العدد تقديري بناء على أرقام البلديات المجاورة، لكن هناك مهجرين قسرا لا يعرف عددهم بسبب الظروف الأمنية كما أن هناك نازحين لجأوا إلى المدن الكبيرة في بنغازي وطرابلس".

المستشفى الحكومي الوحيد في مرزق (فيسبوك) 

ويتهم عديد المراقبين قيادة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بالزج بالمدينة في أتون حرب أهلية، لا سيما بعد قصف طيرانها للمنطقة الذي أدى إلى مقتل أكثر من أربعين مدنيا، بحسب تقديرات البعثة الأممية في ليبيا مطلع أغسطس/آب الماضي.

وتتهم قوات حفتر حكومة الوفاق بدعم مسلحي المعارضة التشادية وتنظيم "داعش" الإرهابي لإثارة الفوضى داخل مرزق، لكن عضو مجلس النواب عن مرزق، محمد لينو، نفى وجود مجموعات من دولة تشاد وأخرى محسوبة على "داعش" أو أي عناصر تحمل صبغة إسلامية متشددة داخل مدينة مرزق، كما أنكر جملةً وتفصيلاً أن يكون الصراع الذي حصل في مرزق بين عناصر أجنبية والأهالي.

وأوضح النائب أن سبب الصراع في مرزق هو مشكلة بين الأهالي وقبائل التبو في حييْن داخل المدينة، وهو ما أكده بركان أيضا بالقول إن "الخلاف تاريخي وقديم ويتعلق بالتبعية لأطراف قبلية".

لكن بركان يشدد على تزايد خطر النازحين، مطالبا بضرورة إيجاد حل من خلال المصالحة المجتمعية، وقال: "اعتقد ان من أجبر على ترك بيته خلال الحرب الأخيرة مصنف في المهجّرين، حتى وإن غادر منزله طواعية إذ إن الرجوع للمدينة بات مستحيلا".

ووصف بركان الأوضاع بأنها "مأساوية"، مضيفا أن "عددا كبيرا من البيوت أحرقها طرفا القتال، كما أن المدارس مقفلة وبعضها متضرر بسبب جعلها معسكرات للمتقاتلين، كما أن الأملاك الخاصة والمحال التجارية تم استهدافها". ولفت إلى أن قضية النزوح في مرزق باتت قضية لا تتعلق بوقف الحرب فقط بل أصبحت ورقة في الصراع الليبي الواسع، وكل طرف يستخدمها لصالحه، وستبقى مرتبطة باستمرار بالصراع.