19 نوفمبر 2024
مذبحة الغوطة.. ماذا بعد؟
تتجاوز غارات الطيران السوري البربرية في الغوطة الشرقية (في ريف دمشق) محاولة تغيير موازين القوى هناك، وإنهاء وجود الفصائل المسلّحة، إلى تغيير قواعد الصراع في سورية بأسرها، من جهة، وإلى تحولاتٍ في واقع الحرب السورية الداخلية ومواقف القوى الدولية والإقليمية، من جهة ثانية.
بالفعل، ما يحدث في الغوطة بمثابة محاولة استنساخ لما حدث في حلب، نهاية 2016، ليس من الناحية العسكرية، بل من الناحية الاستراتيجية، أي بوصفها منعطفاً آخر في الصراع السوري الداخلي، بعدما تحوّلت أولويات الدول ومواقفها وأولوياتها، وحدثت استداراتٌ عديدة، أهمها في ذلك الوقت التحوّل في الموقف التركي، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة (يوليو/ تموز 2016)، والتقارب الروسي- التركي الذي كان إنهاء معركة حلب بمثابة ترجمة سورية له.
اليوم، وبعد أن انتهت دولة "داعش" في العراق وسورية، وبدت الأمور تسير نحو أفضلية كبرى للتحالف الروسي- السوري- الإيراني، ليس فقط في سورية، بل في المنطقة بأسرها، عادت الأجندات الدولية والإقليمية للاختلاف والتضارب، في أوقاتٍ كثيرة، وهو ما ينعكس حالياً في الغوطة، بعدما كان الكل يتحدث عن اقتراب الحل السياسي والخط السريع لمسار أستانة - سوتشي الروسي، عادت الأوراق لتختلط من جديد، مع بروز الاختلاف الأميركي- الروسي، وما يقف وراءه من استقطابات إقليمية وداخلية سورية.
صحيح أنّ الإدارة الأميركية، دونالد ترامب، الحالية لا تقوم بأكثر من عملية "ثرثرة سياسية" ضد إيران، ولا يوجد هنالك أي عمل حقيقي على الأرض (كما يقرّ الدبلوماسي الأميركي، دنيس روس، في مقالة له في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى)، إلاّ أنّ وجود أجندات متباينة ومتضاربة في الموقف من تقسيم النفوذ في سورية والحل النهائي، والتجاذبات الإقليمية بين حلفٍ تقوده الولايات المتحدة مع دول عربية، وفي الخلفية إسرائيل من جهة و"النفوذ الإيراني الشيعي" من جهةٍ ثانية، يجعل من الحرب السورية مسرحاً رئيساً لاختبار هذه التداعيات.
ليس فقط في الغوطة، فهنالك عفرين والتباينات الأميركية - التركية، والروسية - الإيرانية تتجلّى فيها، والحال كذلك في داخل إدلب والأرياف الشمالية الغربية، إذ تجري عمليات صدام وصراع بين الفصائل المسلّحة الإسلامية، بحسب الولاءات الإقليمية، بين موالين لتركيا ومشاركين في الحملة الراهنة ضد "قوات سورية الديمقراطية"، وبين هيئة تحرير الشام التي لا تستقر على موقف استراتيجي واضح، سواء في علاقتها بالأتراك أو الفصائل الأخرى، وانتهى بها الأمر إلى صراعٍ شرس مع العناصر المؤيدين للقاعدة في سورية، بعدما انكشفت الخلافات بين زعيم الهيئة الجولاني وزعيم "القاعدة" أيمن الظواهري.
السؤال المهم: ماذا بعد؟ واضح أنّ التباين عاد ليتسع في مواقف الدول الكبرى والإقليمية من الحلّ النهائي، ما يعني التركيز في المرحلة المقبلة على الصراع المسلّح، والرهان الروسي - الإيراني على أنّ المواقف الأميركية لا تحمل أي تهديد، أو تغيير في موازين القوى العسكرية الداخلية، فليكن التركيز على هذا الجانب لحصد مزيد من الانتصارات العسكرية، في أسرع وقت ممكن، وإنهاء الوجود المسلّح في ريف دمشق، وربما لاحقاً في محافظة درعا، وتأمين هذه المنطقة بالكامل، ما يعني حسم جزء كبير من المعادلة العسكرية.
يبدو هذا السيناريو واقعياً، لولا أنّ النظام السوري (يحظى بدعم روسي- إيراني) في مذابح الغوطة الحالية يستخدم الاستراتيجية العسكرية الروسية (الأرض المحروقة) ما يخلّف كوارث إنسانية كبرى، قد يؤدي، في الحدّ الأدنى، إلى ردود فعل دولية إنسانية وقانونية لوقف المذبحة (مثل جهود وقف إطلاق النار نهائياً)، ولولا أنّ هنالك وجوداً مسلّحاً قوياً ما يزال لـ "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" والفصائل الأخرى التي لا تجد أمامها خيارات بديلة عن الغوطة الشرقية، كما كان عليه الحال في حلب، عندما انتقل المقاتلون منها إلى الأرياف الشمالية المحيطة. فالمخرج الوحيد لآلاف المقاتلين في الغوطة، وأغلبهم من سكان دمشق وأريافها أصلاً، هي درعا، ومعادلة درعا، كما هو معروف، مختلفة، ليست كمعادلات الشمال، فهي مرتبطة بنفوذ أردني - أميركي من جهة، وباتفاقيات مع الروس من جهةٍ أخرى. لذلك سيكون هنالك رفض كامل إقليمي ومحلي لانتقال المقاتلين إلى درعا.
ما يحدث في الغوطة بمثابة مرحلة جديدة تعكس التعقيدات الدولية والإقليمية التي أصبحت سورية مختبرها الأول في المنطقة.
بالفعل، ما يحدث في الغوطة بمثابة محاولة استنساخ لما حدث في حلب، نهاية 2016، ليس من الناحية العسكرية، بل من الناحية الاستراتيجية، أي بوصفها منعطفاً آخر في الصراع السوري الداخلي، بعدما تحوّلت أولويات الدول ومواقفها وأولوياتها، وحدثت استداراتٌ عديدة، أهمها في ذلك الوقت التحوّل في الموقف التركي، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة (يوليو/ تموز 2016)، والتقارب الروسي- التركي الذي كان إنهاء معركة حلب بمثابة ترجمة سورية له.
اليوم، وبعد أن انتهت دولة "داعش" في العراق وسورية، وبدت الأمور تسير نحو أفضلية كبرى للتحالف الروسي- السوري- الإيراني، ليس فقط في سورية، بل في المنطقة بأسرها، عادت الأجندات الدولية والإقليمية للاختلاف والتضارب، في أوقاتٍ كثيرة، وهو ما ينعكس حالياً في الغوطة، بعدما كان الكل يتحدث عن اقتراب الحل السياسي والخط السريع لمسار أستانة - سوتشي الروسي، عادت الأوراق لتختلط من جديد، مع بروز الاختلاف الأميركي- الروسي، وما يقف وراءه من استقطابات إقليمية وداخلية سورية.
صحيح أنّ الإدارة الأميركية، دونالد ترامب، الحالية لا تقوم بأكثر من عملية "ثرثرة سياسية" ضد إيران، ولا يوجد هنالك أي عمل حقيقي على الأرض (كما يقرّ الدبلوماسي الأميركي، دنيس روس، في مقالة له في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى)، إلاّ أنّ وجود أجندات متباينة ومتضاربة في الموقف من تقسيم النفوذ في سورية والحل النهائي، والتجاذبات الإقليمية بين حلفٍ تقوده الولايات المتحدة مع دول عربية، وفي الخلفية إسرائيل من جهة و"النفوذ الإيراني الشيعي" من جهةٍ ثانية، يجعل من الحرب السورية مسرحاً رئيساً لاختبار هذه التداعيات.
ليس فقط في الغوطة، فهنالك عفرين والتباينات الأميركية - التركية، والروسية - الإيرانية تتجلّى فيها، والحال كذلك في داخل إدلب والأرياف الشمالية الغربية، إذ تجري عمليات صدام وصراع بين الفصائل المسلّحة الإسلامية، بحسب الولاءات الإقليمية، بين موالين لتركيا ومشاركين في الحملة الراهنة ضد "قوات سورية الديمقراطية"، وبين هيئة تحرير الشام التي لا تستقر على موقف استراتيجي واضح، سواء في علاقتها بالأتراك أو الفصائل الأخرى، وانتهى بها الأمر إلى صراعٍ شرس مع العناصر المؤيدين للقاعدة في سورية، بعدما انكشفت الخلافات بين زعيم الهيئة الجولاني وزعيم "القاعدة" أيمن الظواهري.
السؤال المهم: ماذا بعد؟ واضح أنّ التباين عاد ليتسع في مواقف الدول الكبرى والإقليمية من الحلّ النهائي، ما يعني التركيز في المرحلة المقبلة على الصراع المسلّح، والرهان الروسي - الإيراني على أنّ المواقف الأميركية لا تحمل أي تهديد، أو تغيير في موازين القوى العسكرية الداخلية، فليكن التركيز على هذا الجانب لحصد مزيد من الانتصارات العسكرية، في أسرع وقت ممكن، وإنهاء الوجود المسلّح في ريف دمشق، وربما لاحقاً في محافظة درعا، وتأمين هذه المنطقة بالكامل، ما يعني حسم جزء كبير من المعادلة العسكرية.
يبدو هذا السيناريو واقعياً، لولا أنّ النظام السوري (يحظى بدعم روسي- إيراني) في مذابح الغوطة الحالية يستخدم الاستراتيجية العسكرية الروسية (الأرض المحروقة) ما يخلّف كوارث إنسانية كبرى، قد يؤدي، في الحدّ الأدنى، إلى ردود فعل دولية إنسانية وقانونية لوقف المذبحة (مثل جهود وقف إطلاق النار نهائياً)، ولولا أنّ هنالك وجوداً مسلّحاً قوياً ما يزال لـ "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" والفصائل الأخرى التي لا تجد أمامها خيارات بديلة عن الغوطة الشرقية، كما كان عليه الحال في حلب، عندما انتقل المقاتلون منها إلى الأرياف الشمالية المحيطة. فالمخرج الوحيد لآلاف المقاتلين في الغوطة، وأغلبهم من سكان دمشق وأريافها أصلاً، هي درعا، ومعادلة درعا، كما هو معروف، مختلفة، ليست كمعادلات الشمال، فهي مرتبطة بنفوذ أردني - أميركي من جهة، وباتفاقيات مع الروس من جهةٍ أخرى. لذلك سيكون هنالك رفض كامل إقليمي ومحلي لانتقال المقاتلين إلى درعا.
ما يحدث في الغوطة بمثابة مرحلة جديدة تعكس التعقيدات الدولية والإقليمية التي أصبحت سورية مختبرها الأول في المنطقة.