جاء الإعلان الروسي، يوم الأربعاء، عن بدء عمل مركز مراقبة اتفاقية عدم التصعيد، السارية منذ الأسبوع الأول من يونيو/ حزيران الماضي في جنوب سورية (درعا وريف السويداء والقنيطرة) عاماً، ومن دون أي تفاصيل تتعلق بمكان هذا المقر (سوى أنه في الأردن)، وآلية عمله وممن يتألف وصلاحياته التنفيذية، وما إذا كان نسخة أخرى عما هو حاصل في قاعدة حميميم، على الساحل السوري، الخاصة بالقيادة الروسية لمراقبة اتفاقيات وقف إطلاق نار سابقة لم تحترم جميعها.
في هذا السياق، أكد مصدر أردني لـ"العربي الجديد"، أن "عسكريين أردنيين يعملون إلى جانب عسكريين أميركيين وروس داخل مرفق جرى اعتماده في عمّان، ليكون مركزاً لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري". وكانت الدول الثلاث الممثلة في المركز، توصّلت في 7 يونيو الماضي، لاتفاق وقف إطلاق نار في جنوب سورية، يشمل محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، وهو الاتفاق الذي نص على إنشاء مركز المراقبة الذي باشر عمله يوم الأربعاء، حسبما أعلنت وزارة الخارجية الأردنية.
وقال المصدر إن "مهمة المركز رصد أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار وتحليله لتحديد الجهة المسؤولة عن حدوثه، إضافة لرصد عمليات إعاقة وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المشمولة بالاتفاق. وسيعمل المركز على تحليل أي خرق للاتفاق بناء على الشكاوى الواردة سواء من النظام السوري عبر الضامن الروسي، أو فصائل المعارضة عبر الضامنين الأردني والأميركي، على أن يجري تحليل واقعة الخرق من قبل فنيين وبالاعتماد على الصور والفيديوهات والوقائع على الأرض".
وبحسب المصدر: "يُصار بعد تحديد الجهة المسؤولة عن خرق الاتفاق للتواصل معها من خلال الجهة الضامنة. ولا يبيّن ما إذا كان الاتفاق يفرض عقوبات على من يخرق وقف إطلاق النار". لكن المصدر عبّر عن ارتياحه للإجراءات المتبعة، مشيراً إلى "صمود الاتفاق منذ توقيعه وحتى قبل مباشرة مركز المراقبة أعماله".
وحسب بيان لوزارة الدفاع الروسية، فإن "المركز بدأ عمله لمراقبة تنفيذ الاتفاق الذي يشمل أجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة، بما يتوافق مع ما تم التوصل إليه من اتفاقيات في إطار مفاوضات (صيغة عمان) بين روسيا وأميركا والأردن".
وأوضح البيان أن "المركز الذي بدأ عمله اعتباراً من يوم الأربعاء، سيتولى الرقابة على نظام وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد الجنوبية"، لافتاً إلى أن "من مهامه أيضاً ضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، إضافة إلى الرعاية الصحية للسكان وتقديم مساعدات أخرى لهم".
وحسب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، فإن "مركز عمان سيضمّ مسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا والأردن"، مرجّحة أن "يكتفي الأميركيون في المركز بالرقابة عن بعد، إذ سيجلس ممثلوهم مع الضباط الروس من دون العمل مباشرة مع الإيرانيين أو قوات النظام السوري، إذ سيقوم الجانب الروسي بدور الوسيط".
وسبق أن تحدث مسؤولون روس وأميركيون عن ضمّ أجزاء من محافظة السويداء إلى منطقة خفض التصعيد أيضاً، لكن هذه المحافظة لم تكن مشمولة بالخرائط التي نشرتها وزارة الدفاع الروسية أخيراً لمناطق خفض التصعيد في جنوب سورية والغوطة الشرقية وحمص. وتمّ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب بعد اجتماع عُقد في مدينة هامبورغ الألمانية بين الرئيسين الروسي والأميركي على هامش قمة "مجموعة العشرين"، وبدأ سريانه في 9 يوليو/ تموز الماضي.
ونصّ الاتفاق على وقف القتال على الأرض بين فصائل المعارضة، وقوات النظام والمليشيات الرديفة لها، وتوقف النظام عن قصف مناطق سيطرة الفصائل، على أن تستمر الحرب ضدّ تنظيم "داعش"، و"هيئة تحرير الشام".
وكانت مصادر مطلعة في المعارضة السورية في الجنوب، ذكرت لـ"العربي الجديد"، أنه "لم يتمّ حتى الآن الاتفاق على آليات واضحة لمراقبة الاتفاق"، مشيرة إلى أن "وفد المعارضة الذي أجرى أخيراً مشاورات في العاصمة الأردنية حول بنود الاتفاق وآليات مراقبته، أبلغ الجانب الأردني أن المعارضة السورية لن تقبل بأي دور لإيران ومليشياتها في الجنوب السوري وضرورة توقف انتهاكات قوات النظام السوري للاتفاق بشكل كامل وضرورة أن يتوسع الاتفاق ليشمل كامل محافظتي درعا والقنيطرة إلى جانب أجزاء من محافظة السويداء".
وفي إطار مراقبة تطبيق الاتفاق، كان نحو ألف عنصر من قوات الشرطة العسكرية الروسية قد انتشروا أخيراً في أنحاء مختلفة من محافظة درعا، يتوزعون على النقاط الفاصلة بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة، في كل من بلدات القنية وإزرع والصنمين وخربة غزالة وفي حي السحارى المتاخم لحي المنشية في مدينة درعا. وقد أنشأت روسيا قاعدة عسكرية لها بالقرب من بلدة موثبين، بعد انسحاب آليات عسكرية وثقيلة وجنود للنظام السوري باتجاه دمشق.
كما تتمركز الشرطة الروسية بدءاً من حاجز برد المجاور لمدينة بصرى الشام، أقصى شرق محافظة درعا، على الحدود الإدارية مع محافظة السويداء، وصولاً لحدود منطقة اللجاة بسبع نقاط عسكرية، مركزها مطار الثعلة العسكري. ورفعت القوات الروسية علمها فوق أحد مباني مطار الثعلة العسكري، شرق السويداء، نهاية الشهر الماضي، بالتزامن مع نشر شرطتها العسكرية في ريف السويداء المتاخم لمناطق سيطرة فصائل المعارضة المسلحة في ريف درعا، إضافة لوصول قوات روسية إلى الفوج 404 التابع لقوات النظام والواقع قرب بلدة نجران في ريف السويداء الغربي المتاخم لريف درعا الشرقي.
وترافق بدء عمل مركز المراقبة المشترك الروسي ـ الأردني ـ الأميركي في العاصمة الأردنية عمّان، مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى روسيا، لإجراء مباحثات هناك، خصوصاً حول الاعتراضات الإسرائيلية على الاتفاق المذكور، وسط تسريبات بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حمل خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الأردنية عرضاً لانسحاب إيران ومليشياتها بشكل كامل من الجنوب السوري مقابل شروط معينة.
وقال نتنياهو، الذي استقبله بوتين في منتجع في سوتشي على البحر الأسود، إن "إيران تبذل جهوداً لتعزيز وجودها في سورية، ما يشكّل تهديداً لإسرائيل والشرق الأوسط والعالم بأسره". وأضاف أنه "أينما تختفي جماعة داعش تظهر إيران"، في إشارة إلى أن الإيرانيين، عبر مليشياتهم في سورية، يسيطرون على الأراضي التي يتمّ انتزاعها من "داعش".
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت أن "السبب الرئيسي لزيارة نتنياهو إلى روسيا برفقة رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين، هو رغبة تل أبيب في أن تتقاسم مع الجانب الروسي قلقها من تصاعد النفوذ الإيراني في سورية بشكل خاص وفي المنطقة بشكل عام".
وحسب الصحف الإسرائيلية، فإن "إسرائيل تلقت في منتصف يوليو الماضي نسخة من مشروع اتفاق وقف إطلاق النار، وكانت ملاحظاتها عليه بأنه لم يأخذ بشكل كاف المصالح الإسرائيلية في الاعتبار، وأنه يخلق واقعاً مقلقاً في جنوب سورية، ولا توجد فيه كلمة واحدة حول إيران أو حزب الله أو المليشيات في سورية، بل تطرق الاتفاق بشكلٍ ضبابي إلى الحاجة لمنع دخول جهات مسلحة من كيانات أجنبية إلى داخل المنطقة العازلة على الحدود بين سورية وكل من الأردن وفلسطين المحتلة".
ورأى الإسرائيليون أن "الاتفاق بصيغته الراهنة، ما زال أولياً ولم تتبلور بنوده النهائية بعد". ورغم انتشار المراقبين الروس في الجنوب، اعتبرت تل أبيب أن "هوية المراقبين وجنسياتهم ومهماتهم، لا تزال ضمن دائرة الأخذ والرد، ولم يتقرر فيها شيء بصورة نهائية".
وكانت صحف غربية كـ"تايمز" البريطانية، ذكرت أن "إسرائيل تطالب بإقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري تمتد 50 كيلومتراً شرق الجولان حتى مشارف درعا، وصولاً إلى محافظة السويداء والحدود مع الأردن، وذلك بهدف منع إقامة مناطق عازلة في الجولان على الحدود بين سورية وإسرائيل، وكذلك على الحدود بين سورية والأردن في هذه المناطق".
من جهة أخرى، ذكرت وكالة أنباء "آكي" الإيطالية أن "الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نقل إلى العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، استعداد إيران للانسحاب من جنوبي سورية مقابل ضمانات أردنية". ونقلت الوكالة عن مصادر أردنية قولها إن "أردوغان نقل للعاهل الأردني رغبة إيرانية في الانسحاب من جنوبي سورية، في مقابل أن تضمن الأردن تشكيل هيئات إدارة محلية هناك لا تتدخل بها التنظيمات المسلحة". ولم يصدر تعليق على هذه الأنباء من الجانبين الأردني والتركي.