ويقول الباحث الليبي في الشؤون الأمنية، عبد الرؤوف مهنا: "خطاب حفتر هو بمثابة رقصة المذبوح الأخيرة. كشف عن تخلي حلفائه المحليين عنه، فهو اليوم يتوجه للشعب ويعلن عن عدم اعترافه بكل الأجسام السياسية التي أوجدها الاتفاق السياسي، كحكومة الوفاق أو التي منحها شرعية الاستمرار كمجلس النواب برغم أن الأخير هو من منحه صفة قائد الجيش ورتبة المشير"، مشيراً إلى أن خروج العشرات من مؤيدي حفتر في ميدان الشهداء بطرابلس، يعكس وجهاً خجولاً من خلال تضاؤل مؤيديه في العاصمة التي تضم قرابة 2 مليون نسمة.
وقال مهنا إن "المؤشر الأبرز لانهيار حفتر هو انتهاء الزخم الشعبي الذي كان يكسبه في السابق في شرق البلاد، فلم نشهد أي تظاهرة مؤيدة له، برغم خضوع مدن الشرق لسيطرته"، لافتاً إلى أن بيان قبيلة العبيدات، يوم أمس، وهي من واكب قبائل شرق البلاد، لم يشر ولو عرضاً لحفتر وقواته، بل دعى الى الوفاق والذهاب إلى الانتخابات كحل للوضع.
وعن موقف مجلس النواب، قال إن "كلمة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وهو أيضاً من زعامات قبيلة العبيدات، رد قوي على حفتر، إذ أكد أن الاتفاق السياسي لا نهاية له إلا بتوافق الليبيين وخروج حكومة موحدة وعندما أشار للجيش لم يتحدث عن حفتر وإنما تحدث عن مؤسسة".
وأشار إلى أن البوصلة ضاعت بالفعل من حفتر، معتبراً أن "تأسيس عملية الكرامة لتكون وسيلة لوصوله إلى السلطة كان غير موفق، فما إن شعر بالقوة حتى أدار ظهره لمؤيديه في الداخل، ما تسبب في انشقاقات كبيرة بصفوفه القبلية، كقيام قبيلة العواقير بدعم حراك عسكري يشبه الانقلاب قاده فرج قعيم وكيل وزارة داخلية حكومة الوفاق، الشهر الماضي، في بنغازي، كما أن قبيلة البراعصة هي الأخرى تراجعت عن تأييده بسبب موقفه من أبرز قادتها العقيد فرج البرعصي".
وتابع مهنا، إن "حفتر لم يقم وزناً لتلك القبائل كالمغاربة القبيلة القوية التي كانت تسيطر على الهلال النفطي وتخلت عن ابنها إبراهيم الجضران لتسلم الهلال لحفتر، في صفقة يبدو أنه لم يفِ بوعده إزاءها، ما جعل ابن القبيلة نائب رئيس مؤسسة النفط ناجي المغربي يتواصل مع إدارة المؤسسة في طرابلس لبحث مشروع توحيدها لقاء بقائه في منصبه".
سياسياً، يتفق المحلل السياسي الليبي، سالم الجدايمي مع مهنا، ويقول "خطاب حفتر يعكس أنه تلقى رسائل دولية واضحة بضرورة احترامه للاتفاق السياسي ومخرجاته كحكومة الوفاق من خلال قوله إن تهديدات وصلته بعدم الإقدام على أي عمل عسكري"، مضيفاً أن المجتمع الدولي حجم حفتر بشكل كبير عندما استقبلت عواصم عربية وغربية كواشنطن والقاهرة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج كشخصية حكومية رسمية.
وكشف عن معلومات تؤكد أن "القاهرة توسطت مجدداً للقاء بين السراج وحفتر، إلا أن الأول بدا أكثر قوة في القاهرة عندما اشترط إطلاق سراح وكيل وزارة داخليته فرج قعيم مقابل قبوله بلقاء حفتر"، مشيراً إلى أن القاهرة بسعيها لضم طرف قادة البنيان المرصوص لمباحثات توحيد مؤسسة الجيش، يبدو أنها تعكس عدم ثقتها في وجود حفتر بمفرده في سدة الحكم.
ويتفق كل من الجدايمي ومهنا على أن انكشاف حقيقة قوات حفتر، أخيراً، من خلال تجاوزات خطيرة وانتهاكات لحقوق الإنسان كان آخرها مذبحة الأبيار نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي التي راح ضحيتها 36 مدنياً ليبياً، جعلت كثيراً من مؤيدي حفتر يتراجعون عن موقفهم منه.