يقرر البرلمان الأوروبي، مساء اليوم الثلاثاء، ما إذا كانت توصية رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأوروبي ستأتي بمفاعيلها، وذلك بانتخاب وزيرة الدفاع الألمانية، اورزولا فون دير لاين، لتولي رئاسة المفوضية الأوروبية، إلا أن هناك الكثير من التحفظات والعقبات التي تواجهها من قبل أحزاب أساسية ورفض أخرى لوصولها، وهي التي تم اقتراح ترشيحها للمنصب من قبل 27 دولة من أصل 28 يضمها الاتحاد الأوروبي. والمفارقة أن ألمانيا وعبر المستشارة أنجيلا ميركل لم تدعم ترشيحها التزاما بالاتفاق مع الحزب الاشتراكي الألماني الذي يعارض الفكرة، والهدف تحصين الائتلاف الحاكم في ألمانيا من الانفراط والوصول إلى أمور لا تحمد عقباها، إلا أن ذلك لم يفلح بضبط الوضع، وترجم بتوتر المزاج العام والتصعيد في الأيام الأخيرة في برلين.
"الاتحاد المسيحي"، الذي يضم حزبي "المسيحي الاجتماعي" في بافاريا و"المسيحي الديمقراطي"، حزب المرشحة فون دير لاين يقوم بحملة تعبئة شبه منظمة ضد الاشتراكي الرافض لتوليها المنصب الأوروبي. وفي هذا الإطار، شن زعيم "الاجتماعي المسيحي"، ماركوس سودر، هجوما لاذعا منتقدا موقف الحزب بعدم تأييده السياسيّة الألمانية، ومحذرا من خسارة فون دير لاين رئاسة المفوضية الأوروبية، لأن ذلك سيكون محرجا لألمانيا ومخزيا للاشتراكي الديمقراطي.
ولم يخف سودر تهديده غير المباشر بالانسحاب من الائتلاف الكبير، إذ قال إن ذلك سيكون عبئا ثقيلا آخر على التحالف الحاكم، ومضيفا وفق ما ذكرته صحيفة "دي فيلت": "يصعبون علي أن أكون صبورا"، ومذكرا بأن "الاتحاد المسيحي" منح أصواته للاشتراكي لتولي الرئيس الألماني الحالي، فرانك فالتر شتاينماير، هذا المصب.
من جانبه، حاول نائب رئيس "المسيحي الديمقراطي" ارمين لاشيت، التخفيف ولو قليلا من العبء الواقع على الائتلاف، قائلا في تصريحات له: "علينا أن نستمر على أية حال، بغض النظر عن كيفية انتهاء التصويت، الاستقرار مهم الآن وعلينا القيام بكثير من العمل".
كذلك عمد سياسيون اشتراكيون مخضرمون لمجاراة مواقف زملاء فون دير لاين الحادة، تجاه نواب الاشتراكي الستة عشر في البرلمان الأوروبي والمعترضين على وصولها، إذ اعتبر الزعيم الأسبق للاشتراكي، سيغمار غابريال، أن فون دير لاين من الممكن أن تكون "رئيسة جيدة للمفوضية"، مبرزا أن الحقيقة تشير إلى حجم الفوضى التي يعيشها حزبه الحالي "الاشتراكي الديمقراطي" في الوقت الحالي.
أما زميله في الحزب، وزير الداخلية الأسبق، اوتو شيلي، فقال أخيرا إن "على الاشتراكي أن يفكر في استقرار أوروبا وليس المصالح السياسية الحزبية الضيقة". علما أن السياسي الأوروبي الاشتراكي أودو بولمان قال لفرانكفورت الغماينه تسايتونغ إن عدم انتخابها لن يؤدي إلى أزمة وطنية.
من جهته، اعتبر المؤرخ الألماني هاينريش اوغست فينكلر، في مقابلة مع صحيفة "تاغس شبيغل" أمس الإثنين، أن "حصار الاشتراكي الديمقراطي لفون دير لاين خطير جدا، لأنه وفي عالم تسوده الاضطرابات يجب أن تكون أوروبا موحدة وقادرة على التصرف داخليا وخارجيا وهذا أقل الممكن".
ولفت إلى أن بعض الدول الأعضاء، مثل المجر وبولندا ومالطا ورومانيا، تشكك حاليا في قيمة المعاهدات الأوروبية، مضيفا أنه "يتعين على الديمقراطيات الليبرالية أن تعمل بشكل أوثق من أجل تقدم الاتحاد الأوروبي لخلق نوع من التوازن بوجه كتلة الدول غير الليبرالية التي تعمد إلى إلغاء استقلالية القضاء وهو ما لا يتفق مع القانون الأوروبي، والتي باتت تضم أيضا إيطاليا، العضو المؤسس في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، والتي بات يحكمها الشعبويون".
وفي حال هزيمة فون دير لاين اليوم ستصبح الأمور أكثر تعقيدا، لصعوبة البحث عن بديل بسرعة بحكم الواقع المستجد في بروكسل، بعد أن فقد حزبا الاشتراكي و"الشعب الأوروبي" الأغلبية في الانتخابات الأوروبية الأخيرة. وعليه، سيتعين على المجلس الأوروبي أن يقدم اقتراحا جديدا خلال شهر، وإذا فشل الإجراء يمكن أن يعيد الكرة مرة أخرى وهناك متسع من الوقت حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، موعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي جان كلود يونكر.
وإذا لزم الأمر، من الممكن أيضا تأجيل التصويت للمرشحة فون دير لاين. وفي أسوأ الحالات من الممكن أن يبقى يونكر في منصبه ريثما يتم انتخاب رئيس جديد، وهناك سابقة في هذا المجال، وحصل ذلك خريف عام 2004 واستمر الرئيس رومانو برودي في القيادة حتى تم انتخاب خوسيه مانويل باروسو.