مرشّح مجلس الشعب
ومن سخرية الانتخابات أنَّ المرشّح يكون معروفاً قبل عام من الإعلان عن أسماء المرشحين الجدد، بشكل رسمي. وطبيعي أن يكون المرشّح وجيهاً مهمّاً، أو وجهاً عشائرياً، أي وجيه "ربْعه".
لا يهمّ إن كان أميّاً، أو بالكاد يَعرف ألف باء القراءة والكتابة، أو فيلسوف زمانه، الأهم أن تكون له حظوة وجماهيرية ومكانة لدى عامّة الناس، و"جيبه مليان" ويكسب أصواتاً أكثر من غيره، وإن كان راعي غنم، المهم تقرّبه من المسؤول الذي رشّح من قبله، وسيدفع له بالتالي أكثر للحفاظ على مكانته مستقبلاً..!
وأثناء تعليق اليافطات في الشوارع العامّة تبدأ معها سيارات "البيك أب" الخاصة ذات الدفع الرباعي بالدوران على أهل المدينة والقرى القريبة والبعيدة عنها التي تبدي أعجاباً بالشيخ المرشّح.
طبعاً أقاربه هم "عزوته" ورفعة رأسه وهم من سيقومون بالمهمّة عوضاً عنه على أكمل وجه. وعلى مبدأ الخير يعمّ، وفي حال فوزه فهذا يعني أنه سينالهم "لحسة إصبع"، "شي منصب"، "شي مكانة"، "شي معاملة"، "شي مصلحة"، لا بد أن ينالهم شيئء من كل هذه المتابعة والجهد المبذول والسعي والركض أمامه، وهذا على الأقل.
ومع اقتراب هدير الانتخابات تبدأ الاحتفالات وتقام الدبكات الشعبية على أشدّها بهذه المناسبة السعيدة التي سيفوز بمنصبها شيخ العائلة. وفي أحد الانتخابات لمجلس الشعب "دُحش" اسم أحد أقارب معارفي "دحشاً بمخنا"، ونفخوه أكثر من اللازم، وهو بالكاد يقرأ "الممحي"، أي أنه لا يعرف ألف باء القراءة والكتابة، فقررت أنا وصديق آخر لي أننا لن ننتخبه مهما كلفنا ذلك، بل إننا سنتجاوز اسمه ونطمسه و"اللي يصير يصير"، و"عساها تمطر بطيخ"، لأنه في الواقع في كل مرّة ينجح في الانتخابات، ولم يحقق لنا ما نريد، ولا حتى للمدينة وللقرية التي احتضنته، وهو غير قادر على أن يحقق شيئاً حتى لأقرب الناس له، أو لكل من ساهم في مساندته ورعاية برنامجه الانتخابي الوهمي، الذي أمضى وقتاً ليس بالقصير ليفوز به.. فلماذا ننتخبه إذاً ما دام أنَّ اسمه "دُحشَ دحشاً"، وهو غير مؤهل لذلك، طبيعي أنّ ذلك يحصل لأجل خاطر أن تتحقق الديمقراطية اللعينة التي دوّخونا بها على أصولها!
فأغلب المعارف أخذت مكانتها في مجلس بيت الشعر، مجتمعين "ملتمّين" عن بكرة أبيه حول شيخ العشيرة، المرشّح، والضيافات لا تنقطع طوال فترة الانتخابات، والدفع شغّال مية مية!
وفي يوم الانتخابات ذهبت مع صديق لي إلى مركز الانتخابات للإدلاء بصوتينا، فقررنا أن نمارس حريتنا على أكمل وجه، وننتخب المرشّح الذي يُمثلنا، وبالفعل انتخبنا مرشحاً كان مجرد "كمالة عدد"، وبعد إصدار النتائج فاز الذي لم ننتخبه، ونال أصواتاً أكثر في حين أن الشخص الذي انتخبناه، أنا وصديقي، لم يحقق في صندوقه سوى صوتين اثنين!
الأهم من كل ذلك جَبرنا بخاطر ذاك المرشّح المسكين، ويمكن أن يكون قد مات وهو يدعو لي ولصديقي. إنَّ الجريمة التي أقدمنا عليها وصديقي، من المستحيل أن يقدم عليها أحد سوانا في انتخابات أو استفتاء رئيس الجمهورية السورية، لأنه من المؤكد أنهم سوف يكتشفون أمري وصديقي لا محالة، وفي هذه الحالة من المحال أن نخلص من التحقيقات التي تجرّها التحقيقات، وهذا ما يعرّض أهلنا وأقاربنا وشيخنا ومرشحنا ومحافظنا وكل من يعرفنا إلى شريط من التساؤلات والتعنيف، و"البهدلة"، التي لها أوّل وليس لها آخر، فضلاً عن السجن الذي ينتظرنا، هذا إذا بقينا أحياء!