مرّةً أخرى على اليابسة

14 ديسمبر 2015
خوان ميرو / إسبانيا
+ الخط -

الحلم المرتحل
أن تكون هكذا، ألّا تفزع من الزمن
ولا من المَسْكن ولا من الهَجر،
ولا من النفايات المتبقّية
بعد يوم صمت.
أن تنفي الخوف.
لا العتمة ولا ريح طيارة الورق
يجب أن يشرعا هذه النوافذ.
النضجُ المفترض مُكوَّنٌ
من علامات خفية للهزيمة
ومن طقوس عارية
يحتفل بها الغياب.

أن تكون هكذا:
فائدة الخبز ونوستالجيا
المساءات الحيّة
المحمّلة بالكلمات المسكونة،
أن تدفن الألواح المتعدّدة للذكرى،
فما يغطّيه الترابُ
يتعفّن إن لم يكن بذرة.

أن تكون هكذا. لا خوفَ بعدُ من المصير.
الارتياب الكثيف
ليوم ممطر
في ظلالِ حلمٍ
من المؤكّد
أنه لا يجب أن يتحقّق أبداً
أبداً، أبداً
لا يجب أن يتحقّق وإلى الأبد.


بلوز من أجل قتل عصفور طنان
قد كانتْ أسرابَ طيورٍ،
قد كانتْ
وعَجَّتْ أفاريزُ السطح.
لكن زنجاراً من رملٍ وغيمٍ،
من غبارٍ أصفرَ
رمادٍ و أوراقِ فراغٍ
مضتْ تتساقط
مثل عاصفةٍ صامتة من مُسْتَحْجراتٍ
فوق هذه الجزيرة بلا منارةٍ و بلا نيران متأججة.

قد كانتْ أسرابَ طيورٍ،
قد كانت،
بينما كان قد أتاحها الضوء
قبل العمى،
بوقت طويل قبل
أن تُفرِغ العقاربُ المُثلَجة للسَّاعاتِ
محاجرَنا من العيون.

قد كانتْ أسرابَ طيورٍ،
قد كانت،
هربتْ صرعى
من الفلاةِ المزروعة
بتماثيلَ خربةٍ
حيث يأتي وحده
العصفور الطنان المتوحد
الأعمى والتائه أيضا
لكي يرتشف
لست أدري أي رحيق مُرٍّ
من العيونِ الفارغةِ للأحجار.


أورفيوس
في ليالي النسيان مثل هذه
في حفلي الخاص وبلا ألمٍ
كتوماً كنتُ في ظليل من القاعة
أستمع إلى أغنيات قديمة وأتحدّث
مع هذا الثَّمِلِ، مَدْعُوِّ الرَّماد
الذي يرافقني.
في هذه الليالي لبيتي دفْءُ
جسدٍ فتيٍّ لامرأةٍ
بين الشراشف،
يفوح منه دخان الماريوانا
والهواء الذي يعبقُ في أقبية الخمور في أيلول.
ليس ثمّة شيءٌ مثيرٌ في هذه الليالي،
لكني أتفهّم بشدة
سرّ حيوان الوجود
وأجدُ الانصرامَ اللامعقولَ للأعوام
رائعاً.
ليس البتّة غريباً حدَّ أنَّهُ أحياناً،
بعد مغادرة حادث غرق السفينة
نصل الساحل ممسكين بِلوْحٍ
مزّقناه سريعاً أثناء الهزيمة إلى قطع
لكي نُشعلَ ناراً على الرمل
ونتمدّد جنبه مثل قطّة،
ونمنحَ للعياء دفئاً.
ليس ضرورياً أن يعرف أحدٌ مَا عمَّا أتحدثُ
أنا مرّةً أخرى على اليابسة
أدعس بقدمَيَّ الحَيَّتيْن
هذه الأرض التي أحبّها.
فقد زرْتُ الجحيم
على يَدِ لا أحد.


* Juan José Vélez Otero شاعر إسباني ولد في إقليم قادش عام 1957. من أعماله الشعرية "ألبوم الذاكرة" و"عزلة المرتحل" و"معجزة الربيع الأخرى". 

** ترجمة عن الإسبانية خالد الريسوني

اقرأ أيضاً: خذ السكين وأخرجني من جوفي

المساهمون