اشتعل المصريون غضباً بعد اتفاقية ترسيم الحدود التي وقعها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وتنازل بمقتضاها عن جزيرتي "تيران" و"ًصنافير" للمملكة العربية السعودية. أنتج الغضب دعوات للاحتشاد والتظاهر يومي 15 و25 أبريل/ نيسان، وبدأت القوى السياسية تعلن تباعاً عن مشاركتها في الفعاليات، مثل حركة 6 أبريل بجبهتيها والاشتراكيون الثوريون وشباب من أجل العدالة والحرية، وأحزاب مصر القوية ومصر الحرية والتحالف الشعبي الاشتراكي والعيش والحرية والدستور.
لكن إعلان جماعة الإخوان المسلمين مشاركتها في مظاهرات 15 أبريل أغضب قطاعاً من التيار المسمى بـ"المدني" وجعل بعضهم يقرر التراجع عن قرار المشاركة، مستندين إلى عدة أسباب: أولها هو أن المشاركة ستعطي للنظام حجة قمع المظاهرات، بعد أن حوصرت الجماعة وتم تشويهها شعبياً وارتبطت في أذهان قطاع من المصريين بالعنف والإرهاب.
أما ثاني الأسباب فكانت اعتبارهم جماعة الإخوان "خائنة" لمبادئ الثورة، بعد أن تحالفت مع المجلس العسكري عقب ثورة يناير، وتخلت عن الثوار في أحداث عديدة مثل محمد محمود ومجلس الوزراء، بل قام بعضهم بالهجوم على المتظاهرة التي تعرضت للسحل، متسائلاً "إيه اللي وداها هناك". كما اعتبر هؤلاء أن إعلان الإخوان المشاركة صراحة إنما يمثل استمراراً لسذاجة الجماعة و"غبائها" غير المسبوق الذي اتسم به أداؤها، وجعلها تثق في عبد الفتاح السيسي لأنه "كان يبكي في صلاة الظهر" وفقاً للقيادي الإخواني "قطب العربي" في حوار صحافي نشر بعد الانقلاب، وكذلك ما قاله خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة، عن السيسي بأنه "صوام قوام" بحسب ما قالته زوجة الشاطر، وكذلك ما قاله مرسي عن "رجالة زي الدهب" في القوات المسلحة، في آخر خطاب قبل مظاهرات الثلاثين من يونيو عام 2013، ليقوم السيسي بالانقلاب على مرسي، بعدها بعد أيام قليلة.
ولم يستبعد آخرون أن يكون إعلان الإخوان المشاركة باتفاق مع نظام السيسي بهدف إفشال اليوم وإفراغه من مضمونه.
اقــرأ أيضاً
التشويه
إذا كانت مشاركة الإخوان في الحراك ستؤدي إلى قمعه بسبب تشويه الجماعة سياسياً وشعبياً، فماذا يمكننا أن نطلق على ما حدث مع حركة 6 أبريل على سبيل المثال؟ فقد اتهم المجلس العسكري في عهد طنطاوي الحركة في بيان رسمي بأنهم "يحاولون الوقيعة بين الجيش والشعب" و"يعملون ضمن أجندات خاصة" كما اتهمهم في بيان آخر بأنهم تلقوا تدريباً في صربيا بهدف "إسقاط مصر" أي أنهم عملاء وخونة، وفقاً للمجلس. وبعد الانقلاب اعتقلت السلطات المصرية مؤسس الحركة أحمد ماهر، و"محمد عادل" القيادي بالحركة وحكم عليهما بالسجن لمدة 3 سنوات، فضلاً عن اعتقالات مستمرة لأعضاء بالحركة. وعلى الرغم من ذلك أعلنت الحركة المشاركة ولم يتهمها أحد بما اتهموا به جماعة الإخوان.
على الجانب الآخر، لم يكترث النظام لمشاركة تيارات غير إسلامية في مظاهرات سابقة في ذكرى الثورة في 25 يناير عامي 2014 و2015، وسقط عشرات القتلى في هذين اليومين. أي أن مشاركة التيار الإسلامي أو المدني الشبابي لم تؤد إلى نتائج مختلفة، وبالتالي تسقط حجة أن مشاركة الإخوان تعطي ذريعة للنظام لقمع المظاهرات.
الغباء
"الفريق عبدالفتاح السيسي قال لي، إنه لن يترشح وأنا أثق فيما يقوله (...) أجد فيه شخصاً فاهماً للأبعاد السياسية ومدركاً للالتزامات الأخلاقية التي نواجهها بضرورة القضاء على العنف دون استخدام قوة مفرطة". كان هذا رأي الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق في حوار تلفزيوني على قناة الحياة قبل مذبحة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. البرادعي على ما يبدو لم تختلف درجة ثقته في السيسي عن درجة ثقة الإخوان في الأخير، سواء في ما يتعلق بعدم ترشح السيسي للرئاسة أو حرصه على عدم إراقة الدماء.
"السيسي بطل قومي" أعلنها الأديب، علاء الأسواني، في سبتمبر/ أيلول 2013، وقبلها بشهرين وصفه في لقاء مع الصحافي "روبرت فيسك" بأنه "أهم قائد عسكري بعد أيزنهاور". وفي العام الذي يليه قال الأسواني، إن الشرطة المصرية تلعب "دوراً عظيماً في مواجهة العنف والإرهاب"، وإن هذه الحرب تعني أنه "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وليس من حقنا انتقاد أي تصرفات من الدولة حتى لو كانت فردية".
"عن نفسي لا أتوقع أن يترشح الفريق عبدالفتاح السيسي للرئاسة أو حتى يسمح لشخصية عسكرية بالترشح، لأن خطوة مثل تلك قد تنسف كل الجهود التي بذلتها الدولة المصرية للتأكيد أن ما حدث في 3 يوليو لم يكن انقلاباً عسكرياً". كان هذا تحليل الكاتب الشاب "تامر أبو عرب" في مقال في موقع "المصري اليوم" بعد أقل من شهر على مذبحة رابعة.
توقعات أبو عرب وثقته، في أركان نظام ما بعد الانقلاب امتدت إلى وزارة الداخلية، إذ كتب على حسابه في فيسبوك قبل 3 أيام من فض رابعة "ورحمة مرسي الداخلية مش هتفض الاعتصامات بالقوة، وكل اللي بيحصل ضغط سياسي". أبو عرب الذي كتب مقالات موجهاً لجماعة الإخوان بعد ذلك بعام بعنوان "تعرف إيه عن المنطق" كان يمكن أن يوجه هذا السؤال لنفسه.
اقــرأ أيضاً
"إيه اللي وداهم هناك"
لم يختلف تعامل بعضهم مع المظاهرات المعارضة للانقلاب مع منهج "إيه اللي وداهم هناك".
في البداية لدينا "كمال خليل" الذي كتب على حسابه على فيسبوك "لا تحالف ولا تنسيق مع الإخوان فهم ليسوا إصلاحيين ولا ديمقراطيين وكل تحركاتهم تصب في مصلحة الجماعة فقط".
قبل الفض أصدر خليل، باعتباره ممثلا لحزب "العمال والفلاحين"، بياناً بعنوان "أين الفض" بالاشتراك مع حزب التجمع (رفعت السعيد) وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي (عبد الغفار شكر)، لإدانة ما وصفوه بـ"ارتعاش" الحكومة في مواجهة "جماعة إرهابية فاشية" مطالبين بـ"القضاء على البؤر الإجرامية التكفيرية في سيناء، وتصفية الجيوب المتناثرة في شوارع القاهرة، عالية الصوت والمطالب" في إشارة إلى اعتصام رابعة.
الأديب علاء الأسواني كان له أيضاً دور بارز في التحريض على فض الاعتصامات بالقوة، متهماً كل من يتسبب في تأخير الفض بإهدار ما أنجزته "ثورة 30 يونيو" حسب قوله. وكتب "خالد تليمة" نائب وزير الشباب في حكومة ما بعد 30 يونيو يوم الفض "الآن يتأكد من جديد أن بلدنا ومؤسساتها في مواجهة جماعة إرهابية طائفية (..) أدعم مصر في مواجهة الإرهاب".
فيما كتب المذيع باسم يوسف على تويتر في 5 يوليو/ تموز 2013 قائلاً باللغة الإنجليزية، إن "قيادات جماعة الإخوان يرسلون شبابهم ليموتوا أمام مقرات الجيش للتضحية بهم أمام العالم، وأن الدم الذي يراق في هذه الحالة هدفه الدعاية". مضيفاً هاشتاج حمل عنوان "ليس انقلاباً".
وفي مقالاته بصحيفة الشروق، زعم باسم في مقال "خواطر شريرة لعقل بريء" أن المعتصمين في ميدان رابعة هللوا لخبر توجه سفينتين حربيتين أميركيتين إلى الشواطئ المصرية، وأنهم هتفوا "يا أميركا حررينا". وفي مقال "جماعة شرارة" في 6 أغسطس 2013، كرر باسم اتهامه للجماعة بالمتاجرة بالدم والتهليل مع كل مجزرة تحدث في صفوفهم، كما اتهم معتصمي رابعة بـ"محاولة إعادة إنتاج السيناريو السوري والتهديد بحرق البلد والاستقواء بالخارج واستخدام الأطفال دروعاً بشرية".
وجهة النظر هذه اشترك فيها البرادعي نفسه مع باسم يوسف، إذ اعتبر في رسالة وجهها عبر صحيفة "الشروق" في 6 أغسطس/ آب 2013 أن الإخوان يعتمدون على جذب الأمن لفض الاعتصام بالقوة عبر مجزرة كبيرة ليصبحوا الضحية ليحسنوا موقفهم التفاوضي، مؤكداً أن ذلك لن يحدث وسيتأكد "الشعب" أن الجماعة "تحاول المتاجرة بالدماء".
رمز ليبرالي آخر هو أحمد سعيد، رئيس حزب المصريين الأحرار، والذي أكد أن الإخوان "يتاجرون بالدروع البشرية" وأنهم "يستفزون قوات الجيش والشرطة حتى يحدث احتكاك ويسقط ضحايا ثم يصوروا الجثث ويتاجروا بها أمام العالم". وعلى الرغم من أنه اعتبر اعتصامات الإخوان "مسلحة" إلا أنه أعرب عن ثقته بأن الداخلية ستصدر كل الإنذارات الممكنة قبل القيام بالفض، وأن الميدان "لن يفض بقوة المدرعات والدبابات".
التحالف مع العسكر
وجه حزب الدستور الذي أعلن المشاركة في المظاهرات المعارضة للتنازل عن الجزيرتين رسالة إلى الإخوان قائلاً لهم: "كنتم ومازلتم شوكة في حلق الثورة منذ أن التففتم حول المسار الثوري وهرولتم وراء الكراسي والمناصب وعقدتم الصفقات المشبوهة وقايضتم على الدم الطاهر وشققتم الصف فعليكم الآن أن تتنحوا عن المشهد (..) لم يعد لكم بين الثوار مكان".
وقبل مظاهرات 25 أبريل قال القائم بأعمال رئيس الحزب، إن الجماعة "دأبت على إرهاب الشعب المصري وحرضت على قتل الأبرياء وتلوثت أيديهم بدماء الشهداء ولم يكونوا يوماً حريصين على الثورة بل كانوا أول من خان ولم يكونوا يوماً حريصين على الأرض، فكانوا أول من باع ويشهد ميدان الثورة عندما ائتمناهم على ظهورنا فكانوا أول من غدر.. ولا يلدغ الثوري من الإخوان مرتين".
كان حزب الدستور "الثوري" أحد أركان التحضير للانقلاب مع السيسي، إذ ظهر وكيل مؤسسيه ورئيسه الشرفي الحالي "محمد البرادعي" في مشهد عزل مرسي، كما شارك عدد من قياداته في حكومة حازم الببلاوي التي اتخذت قرار فض اعتصام رابعة، مثل أحمد البرعي نائب رئيس الحزب الذي كان يشغل منصب أمين عام جبهة الإنقاذ، والذي شغل منصب وزير التضامن الاجتماعي، وحسام عيسى القيادي السابق بالحزب وأحد مؤسسيه، الذي تولى منصب وزير التعليم العالي، واشتهر بدفاعه المستميت عن الشرطة ومحاولة تبرئتها من قتل طلاب الجامعات، إذ علق على مقتل "محمد رضا" الطالب بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، قائلاً: إن الشرطة غير مسؤولة عن مقتله، وإنما تستخدم "رصاص بيلسع" كما دخل التاريخ باعتباره من سمح لقوات الأمن بدخول الحرم الجامعي للاعتداء على المظاهرات الطلابية معتبراً أنها "تعطل العملية التعليمية"، ودافع عن قانون التظاهر معتبراً أنه أفضل من الموجود في الدول الأوروبية، ووقف بجانب حازم الببلاوي رئيس الوزراء وهو يعلن أن قرار فض اعتصامي رابعة والنهضة هو "قرار نهائي توافق عليه الجميع ولا رجعة عنه على الإطلاق" كما أعلن بنفسه بيان اعتبار الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية" رداً على تفجير مديرية أمن الدقهلية في ديسمبر/ كانون الأول الذي قام به تنظيم أنصار بيت المقدس.
لم يكن حزب الدستور الوحيد الذي تحالف مع العسكر، بل كانت هناك تجربة سابقة في عهد المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي، الذي شكل حكومتين، ضمتا في عضويتهما عدداً من الوزراء من تيارات مدنية، مثل يحيى الجمل وحازم الببلاوي وعلي السلمي كنواب لرئيس الوزراء، وجودة عبدالخالق وزير التموين، وأحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي، ومنير فخري عبدالنور وزير الصناعة، وأسامة هيكل وزير الإعلام، وسمير رضوان وزير المالية، وعماد أبو غازي وزير الثقافة (استقال بسبب أحداث محمد محمود) وهو عدد من الوزارات يفوق عدد الوزراء الإخوان في حكومة هشام قنديل! كما انضمت معظم تلك الأسماء إلى جبهة الإنقاذ المعارضة لحكم مرسي. لكن الإخوان أصبحوا هم من تحالفوا مع العسكر ضمن سردية التيار المدني وروايته لأحداث الثورة، التي لا يقبل بغيرها.
اقــرأ أيضاً
مصر مش للبيع
قبل 25 أبريل أصدرت حملة "مصر مش للبيع" بياناً أكدت فيه رفضها للتنسيق مع الإخوان أو أي عمل مشترك معهم، و"رفض أي محاولة من الجماعة للتمسح بالقوى الوطنية المدنية". جدير بالذكر أن الحملة تضم شخصيات عامة مثل "حمدين صباحي" و"كمال أبو عيطة".
قدم "حمدين صباحي" نفسه معارضاً لاتفاق ترسيم الحدود، وهو الذي أيد السيسي في كل ما قام به منذ الانقلاب وحتى وقت قريب جداً، ولم يتوقف عن كيل المديح للأخير، وكتب يوم فض اعتصام رابعة على تويتر: "حتى اكتمال النصر من عند الله؛ سنقف مع شعبنا القائد وجيشنا والشرطة نواجه إرهاب الذين احتقروا إرادة الشعب واحتكروا قدسية الدين واتجروا بدم الأبرياء".
أما "كمال أبو عيطة" فقد عين وزيراً للقوى العاملة بعد الانقلاب، ولم يحقق شيئاً للعمال، وتفرغ بعد خروجه من الوزارة للسفر خلف السيسي في زياراته الخارجية وحمل الميكروفون للهتاف باسمه ضمن المجموعات التي يتم حشدها لصناعة "الزفة" المطلوبة للإيحاء بترحيب المصريين برئيسهم.
بين العسكر والإخوان
"ذلك المُهر الأبيض الذي فر من سباق للخيول الجميلة فوجد نفسه "مفعوصاً" بين خرتيت ودبابة: لك الله" هذا ما كتبه المذيع "يسري فودة" ليعبر عمّا يراه من وقوف "الثوار" بين العسكر (الدبابة) والإخوان (الخرتيت)، وهو تصور يتبناه كثيرون باعتبار أنهم أنصار الثورة من القوى الديمقراطية التي تعتبر نفسها "ضحية" بريئة بين طرفين مجرمين.
يرفع أنصار هذا التصور شعار "يسقط كل من خان.. عسكر.. فلول.. إخوان" مساوين بين الجميع، لكن على الرغم من ذلك، فإن نظرة فاحصة على مواقف بعض من هؤلاء ستكشف أنهم لم يكونوا محايدين، بل كانوا في الحقيقة منحازين وبشكل فج في غالب الأحيان لصالح العسكر.
بعد زيارة السيسي إلى ألمانيا في يونيو/ حزيران الماضي، وصف السياسي اليساري "أحمد فوزي" ما يحدث من مساجلات بين أنصار السيسي ومعارضي الانقلاب بأنه أمر "منحط ومقرف بين طرفين منحطين".
من يقرأ هذا الكلام يتصور أن قائله مناضل ضد كل أشكال الاستبداد والديكتاتورية، لكن المفارقة أن القائل هو الأمين العام السابق للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي حكم البلاد بحكومة الببلاوي، (أحد الأعضاء المؤسسين للحزب)، بعد الانقلاب مباشرة، وحفل سجلها بـ"إنجازات" عديدة، منها مذابح "الحرس الجمهوري" و"المنصة" وفض رابعة والنهضة، وأحداث رمسيس الأولى والثانية، ومذبحة 6 أكتوبر 2013 و25 يناير 2014 والعشرات من المذابح "الصغيرة" الأخرى منها مقتل العشرات من طلاب الجامعات. فضلاً عن إصدار قانون التظاهر الذي سجن آلاف الشباب حتى الآن، وقيد الحريات بشكل لم يسبق له مثيل.
أما عن أركان تلك الحكومة المنتمين إلى الحزب، فلدينا الببلاوي نفسه الذي صرح في حوار مع تلفزيون (ABC) الأميركيي، بأن هناك أوقاتاً استثنائية ترتكب فيها "الأعمال الوحشية" قاصداً مذبحة رابعة، مشبهاً ما حدث بدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام.
لدينا أيضاص "زياد بهاء الدين" الذي كان واقفاً على يمين الببلاوي وهو يتلو بيان فض رابعة (كان حسام عيسى على يساره). أما رئيس الحزب نفسه سابقاً "محمد أبو الغار" فقد اعترف بحدوث تزوير لدستور 2014 دون علم أعضاء لجنة كتابة الدستور، لكنه لم يقم بإثارة الموضوع حتى لا تتأثر عملية التصويت على الدستور، وتمتلئ مقالاته في الصحف المصرية بتبرئة قوات الجيش والشرطة من المذابح التي قامت بها، واتهام الإخوان بأنهم دفعوا الحكومة (التي شارك فيها حزبه بقوة) إلى اتخاذ قرار الفض.
على الرغم من ذلك لا يزال هؤلاء يهاجمون الإخوان لـ "تحالفهم مع العسكر" دون مراجعة مواقفهم السابقة والاعتراف بها والتراجع عنها، ويصفون أنفسهم بأنهم "التيار الديمقراطي" بل يقول "فوزي" قبل الذكرى الثانية لمظاهرات 30 يونيو "نحن لسنا مسؤولين عن أي انهيار أو جرائم حدثت في أي مسار" وبعدها بثلاثة أشهر مدح حكومة الببلاوي في حوار مع موقع "مصر العربية"، قائلاً إنها "ظلمت كثيراً" وإنه لولاها "لانهارت الدولة المصرية".
وبينما دافع "فوزي" عن موقف زياد بهاء الدين من قانون التظاهر، مؤكداً أنه استقال بسبب إقراره، فإنه تجاهل المذابح التي حدثت قبل إقرار القانون بحق المعارضين الإسلاميين، كما أن زياد بهاء الدين نفسه لم يذكر في نص استقالته من الحكومة أي نقطة متعلقة بقانون التظاهر، بل أكد أنه استقال بعد إقرار الدستور وإتمام "المرحلة الأولى من خارطة الطريق" كما أن الاستقالة جاءت في أواخر يناير/ كانون الثاني 2014، أي بعد شهرين كاملين من إقرار قانون التظاهر الذي أدى للقبض على عشرات المتظاهرين وإحالتهم للمحاكمة قبل استقالة بهاء الدين.
"السلطة الحالية وضعتنا في مأزق: مساندتها قد تؤدي إلى الاستبداد، ومناهضتها قد تؤدي للاحتلال"، كتبها تامر أبو عرب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) يوم فض رابعة، دون أن يعطي دليلاً على أن مناهضة الانقلاب ستؤدي للاحتلال وكأن السيسي يتحدى الولايات المتحدة وإسرائيل مثلما يروج أنصاره. ويكمل أبو عرب "غالباً سأختار الاستبداد ثم أناهضه" في تعبير صريح عن الانحياز إلى جانب من جانبي الصراع، وهو ما ينسف فكرة "الوضع الوسط" الذي يحاول أبو عرب وضع نفسه ورفاقه فيه.
يد واحدة
اللافت أن أحداً لم يلتفت إلى أن بيانات الإخوان التي أعلنوا فيها مشاركتهم في مظاهرات 15 و25 أبريل لم تتضمن الحديث عن رفع صور مرسي أو رابعة، بل أكدت ضرورة الاتحاد والعمل المشترك ضد السلطة. وفي النهاية لم ينتظر الشباب أحداً ليقرروا ما إذا كانوا سيشاركون أم لا، وأصبحوا "يداً واحدة" في المظاهرات بالقاهرة والمحافظات يومي 15 و25 أبريل، وتحقق الاصطفاف بدون المزايدين ومحتكري الحالة الثورية وعاشقي تصنيف أنفسهم في خانة "الوضع الوسط" الزائف.
لكن إعلان جماعة الإخوان المسلمين مشاركتها في مظاهرات 15 أبريل أغضب قطاعاً من التيار المسمى بـ"المدني" وجعل بعضهم يقرر التراجع عن قرار المشاركة، مستندين إلى عدة أسباب: أولها هو أن المشاركة ستعطي للنظام حجة قمع المظاهرات، بعد أن حوصرت الجماعة وتم تشويهها شعبياً وارتبطت في أذهان قطاع من المصريين بالعنف والإرهاب.
أما ثاني الأسباب فكانت اعتبارهم جماعة الإخوان "خائنة" لمبادئ الثورة، بعد أن تحالفت مع المجلس العسكري عقب ثورة يناير، وتخلت عن الثوار في أحداث عديدة مثل محمد محمود ومجلس الوزراء، بل قام بعضهم بالهجوم على المتظاهرة التي تعرضت للسحل، متسائلاً "إيه اللي وداها هناك". كما اعتبر هؤلاء أن إعلان الإخوان المشاركة صراحة إنما يمثل استمراراً لسذاجة الجماعة و"غبائها" غير المسبوق الذي اتسم به أداؤها، وجعلها تثق في عبد الفتاح السيسي لأنه "كان يبكي في صلاة الظهر" وفقاً للقيادي الإخواني "قطب العربي" في حوار صحافي نشر بعد الانقلاب، وكذلك ما قاله خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة، عن السيسي بأنه "صوام قوام" بحسب ما قالته زوجة الشاطر، وكذلك ما قاله مرسي عن "رجالة زي الدهب" في القوات المسلحة، في آخر خطاب قبل مظاهرات الثلاثين من يونيو عام 2013، ليقوم السيسي بالانقلاب على مرسي، بعدها بعد أيام قليلة.
ولم يستبعد آخرون أن يكون إعلان الإخوان المشاركة باتفاق مع نظام السيسي بهدف إفشال اليوم وإفراغه من مضمونه.
التشويه
إذا كانت مشاركة الإخوان في الحراك ستؤدي إلى قمعه بسبب تشويه الجماعة سياسياً وشعبياً، فماذا يمكننا أن نطلق على ما حدث مع حركة 6 أبريل على سبيل المثال؟ فقد اتهم المجلس العسكري في عهد طنطاوي الحركة في بيان رسمي بأنهم "يحاولون الوقيعة بين الجيش والشعب" و"يعملون ضمن أجندات خاصة" كما اتهمهم في بيان آخر بأنهم تلقوا تدريباً في صربيا بهدف "إسقاط مصر" أي أنهم عملاء وخونة، وفقاً للمجلس. وبعد الانقلاب اعتقلت السلطات المصرية مؤسس الحركة أحمد ماهر، و"محمد عادل" القيادي بالحركة وحكم عليهما بالسجن لمدة 3 سنوات، فضلاً عن اعتقالات مستمرة لأعضاء بالحركة. وعلى الرغم من ذلك أعلنت الحركة المشاركة ولم يتهمها أحد بما اتهموا به جماعة الإخوان.
على الجانب الآخر، لم يكترث النظام لمشاركة تيارات غير إسلامية في مظاهرات سابقة في ذكرى الثورة في 25 يناير عامي 2014 و2015، وسقط عشرات القتلى في هذين اليومين. أي أن مشاركة التيار الإسلامي أو المدني الشبابي لم تؤد إلى نتائج مختلفة، وبالتالي تسقط حجة أن مشاركة الإخوان تعطي ذريعة للنظام لقمع المظاهرات.
الغباء
"الفريق عبدالفتاح السيسي قال لي، إنه لن يترشح وأنا أثق فيما يقوله (...) أجد فيه شخصاً فاهماً للأبعاد السياسية ومدركاً للالتزامات الأخلاقية التي نواجهها بضرورة القضاء على العنف دون استخدام قوة مفرطة". كان هذا رأي الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق في حوار تلفزيوني على قناة الحياة قبل مذبحة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. البرادعي على ما يبدو لم تختلف درجة ثقته في السيسي عن درجة ثقة الإخوان في الأخير، سواء في ما يتعلق بعدم ترشح السيسي للرئاسة أو حرصه على عدم إراقة الدماء.
"السيسي بطل قومي" أعلنها الأديب، علاء الأسواني، في سبتمبر/ أيلول 2013، وقبلها بشهرين وصفه في لقاء مع الصحافي "روبرت فيسك" بأنه "أهم قائد عسكري بعد أيزنهاور". وفي العام الذي يليه قال الأسواني، إن الشرطة المصرية تلعب "دوراً عظيماً في مواجهة العنف والإرهاب"، وإن هذه الحرب تعني أنه "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وليس من حقنا انتقاد أي تصرفات من الدولة حتى لو كانت فردية".
"عن نفسي لا أتوقع أن يترشح الفريق عبدالفتاح السيسي للرئاسة أو حتى يسمح لشخصية عسكرية بالترشح، لأن خطوة مثل تلك قد تنسف كل الجهود التي بذلتها الدولة المصرية للتأكيد أن ما حدث في 3 يوليو لم يكن انقلاباً عسكرياً". كان هذا تحليل الكاتب الشاب "تامر أبو عرب" في مقال في موقع "المصري اليوم" بعد أقل من شهر على مذبحة رابعة.
توقعات أبو عرب وثقته، في أركان نظام ما بعد الانقلاب امتدت إلى وزارة الداخلية، إذ كتب على حسابه في فيسبوك قبل 3 أيام من فض رابعة "ورحمة مرسي الداخلية مش هتفض الاعتصامات بالقوة، وكل اللي بيحصل ضغط سياسي". أبو عرب الذي كتب مقالات موجهاً لجماعة الإخوان بعد ذلك بعام بعنوان "تعرف إيه عن المنطق" كان يمكن أن يوجه هذا السؤال لنفسه.
"إيه اللي وداهم هناك"
لم يختلف تعامل بعضهم مع المظاهرات المعارضة للانقلاب مع منهج "إيه اللي وداهم هناك".
في البداية لدينا "كمال خليل" الذي كتب على حسابه على فيسبوك "لا تحالف ولا تنسيق مع الإخوان فهم ليسوا إصلاحيين ولا ديمقراطيين وكل تحركاتهم تصب في مصلحة الجماعة فقط".
قبل الفض أصدر خليل، باعتباره ممثلا لحزب "العمال والفلاحين"، بياناً بعنوان "أين الفض" بالاشتراك مع حزب التجمع (رفعت السعيد) وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي (عبد الغفار شكر)، لإدانة ما وصفوه بـ"ارتعاش" الحكومة في مواجهة "جماعة إرهابية فاشية" مطالبين بـ"القضاء على البؤر الإجرامية التكفيرية في سيناء، وتصفية الجيوب المتناثرة في شوارع القاهرة، عالية الصوت والمطالب" في إشارة إلى اعتصام رابعة.
الأديب علاء الأسواني كان له أيضاً دور بارز في التحريض على فض الاعتصامات بالقوة، متهماً كل من يتسبب في تأخير الفض بإهدار ما أنجزته "ثورة 30 يونيو" حسب قوله. وكتب "خالد تليمة" نائب وزير الشباب في حكومة ما بعد 30 يونيو يوم الفض "الآن يتأكد من جديد أن بلدنا ومؤسساتها في مواجهة جماعة إرهابية طائفية (..) أدعم مصر في مواجهة الإرهاب".
فيما كتب المذيع باسم يوسف على تويتر في 5 يوليو/ تموز 2013 قائلاً باللغة الإنجليزية، إن "قيادات جماعة الإخوان يرسلون شبابهم ليموتوا أمام مقرات الجيش للتضحية بهم أمام العالم، وأن الدم الذي يراق في هذه الحالة هدفه الدعاية". مضيفاً هاشتاج حمل عنوان "ليس انقلاباً".
وفي مقالاته بصحيفة الشروق، زعم باسم في مقال "خواطر شريرة لعقل بريء" أن المعتصمين في ميدان رابعة هللوا لخبر توجه سفينتين حربيتين أميركيتين إلى الشواطئ المصرية، وأنهم هتفوا "يا أميركا حررينا". وفي مقال "جماعة شرارة" في 6 أغسطس 2013، كرر باسم اتهامه للجماعة بالمتاجرة بالدم والتهليل مع كل مجزرة تحدث في صفوفهم، كما اتهم معتصمي رابعة بـ"محاولة إعادة إنتاج السيناريو السوري والتهديد بحرق البلد والاستقواء بالخارج واستخدام الأطفال دروعاً بشرية".
وجهة النظر هذه اشترك فيها البرادعي نفسه مع باسم يوسف، إذ اعتبر في رسالة وجهها عبر صحيفة "الشروق" في 6 أغسطس/ آب 2013 أن الإخوان يعتمدون على جذب الأمن لفض الاعتصام بالقوة عبر مجزرة كبيرة ليصبحوا الضحية ليحسنوا موقفهم التفاوضي، مؤكداً أن ذلك لن يحدث وسيتأكد "الشعب" أن الجماعة "تحاول المتاجرة بالدماء".
رمز ليبرالي آخر هو أحمد سعيد، رئيس حزب المصريين الأحرار، والذي أكد أن الإخوان "يتاجرون بالدروع البشرية" وأنهم "يستفزون قوات الجيش والشرطة حتى يحدث احتكاك ويسقط ضحايا ثم يصوروا الجثث ويتاجروا بها أمام العالم". وعلى الرغم من أنه اعتبر اعتصامات الإخوان "مسلحة" إلا أنه أعرب عن ثقته بأن الداخلية ستصدر كل الإنذارات الممكنة قبل القيام بالفض، وأن الميدان "لن يفض بقوة المدرعات والدبابات".
التحالف مع العسكر
وجه حزب الدستور الذي أعلن المشاركة في المظاهرات المعارضة للتنازل عن الجزيرتين رسالة إلى الإخوان قائلاً لهم: "كنتم ومازلتم شوكة في حلق الثورة منذ أن التففتم حول المسار الثوري وهرولتم وراء الكراسي والمناصب وعقدتم الصفقات المشبوهة وقايضتم على الدم الطاهر وشققتم الصف فعليكم الآن أن تتنحوا عن المشهد (..) لم يعد لكم بين الثوار مكان".
وقبل مظاهرات 25 أبريل قال القائم بأعمال رئيس الحزب، إن الجماعة "دأبت على إرهاب الشعب المصري وحرضت على قتل الأبرياء وتلوثت أيديهم بدماء الشهداء ولم يكونوا يوماً حريصين على الثورة بل كانوا أول من خان ولم يكونوا يوماً حريصين على الأرض، فكانوا أول من باع ويشهد ميدان الثورة عندما ائتمناهم على ظهورنا فكانوا أول من غدر.. ولا يلدغ الثوري من الإخوان مرتين".
كان حزب الدستور "الثوري" أحد أركان التحضير للانقلاب مع السيسي، إذ ظهر وكيل مؤسسيه ورئيسه الشرفي الحالي "محمد البرادعي" في مشهد عزل مرسي، كما شارك عدد من قياداته في حكومة حازم الببلاوي التي اتخذت قرار فض اعتصام رابعة، مثل أحمد البرعي نائب رئيس الحزب الذي كان يشغل منصب أمين عام جبهة الإنقاذ، والذي شغل منصب وزير التضامن الاجتماعي، وحسام عيسى القيادي السابق بالحزب وأحد مؤسسيه، الذي تولى منصب وزير التعليم العالي، واشتهر بدفاعه المستميت عن الشرطة ومحاولة تبرئتها من قتل طلاب الجامعات، إذ علق على مقتل "محمد رضا" الطالب بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، قائلاً: إن الشرطة غير مسؤولة عن مقتله، وإنما تستخدم "رصاص بيلسع" كما دخل التاريخ باعتباره من سمح لقوات الأمن بدخول الحرم الجامعي للاعتداء على المظاهرات الطلابية معتبراً أنها "تعطل العملية التعليمية"، ودافع عن قانون التظاهر معتبراً أنه أفضل من الموجود في الدول الأوروبية، ووقف بجانب حازم الببلاوي رئيس الوزراء وهو يعلن أن قرار فض اعتصامي رابعة والنهضة هو "قرار نهائي توافق عليه الجميع ولا رجعة عنه على الإطلاق" كما أعلن بنفسه بيان اعتبار الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية" رداً على تفجير مديرية أمن الدقهلية في ديسمبر/ كانون الأول الذي قام به تنظيم أنصار بيت المقدس.
لم يكن حزب الدستور الوحيد الذي تحالف مع العسكر، بل كانت هناك تجربة سابقة في عهد المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي، الذي شكل حكومتين، ضمتا في عضويتهما عدداً من الوزراء من تيارات مدنية، مثل يحيى الجمل وحازم الببلاوي وعلي السلمي كنواب لرئيس الوزراء، وجودة عبدالخالق وزير التموين، وأحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي، ومنير فخري عبدالنور وزير الصناعة، وأسامة هيكل وزير الإعلام، وسمير رضوان وزير المالية، وعماد أبو غازي وزير الثقافة (استقال بسبب أحداث محمد محمود) وهو عدد من الوزارات يفوق عدد الوزراء الإخوان في حكومة هشام قنديل! كما انضمت معظم تلك الأسماء إلى جبهة الإنقاذ المعارضة لحكم مرسي. لكن الإخوان أصبحوا هم من تحالفوا مع العسكر ضمن سردية التيار المدني وروايته لأحداث الثورة، التي لا يقبل بغيرها.
مصر مش للبيع
قبل 25 أبريل أصدرت حملة "مصر مش للبيع" بياناً أكدت فيه رفضها للتنسيق مع الإخوان أو أي عمل مشترك معهم، و"رفض أي محاولة من الجماعة للتمسح بالقوى الوطنية المدنية". جدير بالذكر أن الحملة تضم شخصيات عامة مثل "حمدين صباحي" و"كمال أبو عيطة".
قدم "حمدين صباحي" نفسه معارضاً لاتفاق ترسيم الحدود، وهو الذي أيد السيسي في كل ما قام به منذ الانقلاب وحتى وقت قريب جداً، ولم يتوقف عن كيل المديح للأخير، وكتب يوم فض اعتصام رابعة على تويتر: "حتى اكتمال النصر من عند الله؛ سنقف مع شعبنا القائد وجيشنا والشرطة نواجه إرهاب الذين احتقروا إرادة الشعب واحتكروا قدسية الدين واتجروا بدم الأبرياء".
أما "كمال أبو عيطة" فقد عين وزيراً للقوى العاملة بعد الانقلاب، ولم يحقق شيئاً للعمال، وتفرغ بعد خروجه من الوزارة للسفر خلف السيسي في زياراته الخارجية وحمل الميكروفون للهتاف باسمه ضمن المجموعات التي يتم حشدها لصناعة "الزفة" المطلوبة للإيحاء بترحيب المصريين برئيسهم.
بين العسكر والإخوان
"ذلك المُهر الأبيض الذي فر من سباق للخيول الجميلة فوجد نفسه "مفعوصاً" بين خرتيت ودبابة: لك الله" هذا ما كتبه المذيع "يسري فودة" ليعبر عمّا يراه من وقوف "الثوار" بين العسكر (الدبابة) والإخوان (الخرتيت)، وهو تصور يتبناه كثيرون باعتبار أنهم أنصار الثورة من القوى الديمقراطية التي تعتبر نفسها "ضحية" بريئة بين طرفين مجرمين.
يرفع أنصار هذا التصور شعار "يسقط كل من خان.. عسكر.. فلول.. إخوان" مساوين بين الجميع، لكن على الرغم من ذلك، فإن نظرة فاحصة على مواقف بعض من هؤلاء ستكشف أنهم لم يكونوا محايدين، بل كانوا في الحقيقة منحازين وبشكل فج في غالب الأحيان لصالح العسكر.
بعد زيارة السيسي إلى ألمانيا في يونيو/ حزيران الماضي، وصف السياسي اليساري "أحمد فوزي" ما يحدث من مساجلات بين أنصار السيسي ومعارضي الانقلاب بأنه أمر "منحط ومقرف بين طرفين منحطين".
من يقرأ هذا الكلام يتصور أن قائله مناضل ضد كل أشكال الاستبداد والديكتاتورية، لكن المفارقة أن القائل هو الأمين العام السابق للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي حكم البلاد بحكومة الببلاوي، (أحد الأعضاء المؤسسين للحزب)، بعد الانقلاب مباشرة، وحفل سجلها بـ"إنجازات" عديدة، منها مذابح "الحرس الجمهوري" و"المنصة" وفض رابعة والنهضة، وأحداث رمسيس الأولى والثانية، ومذبحة 6 أكتوبر 2013 و25 يناير 2014 والعشرات من المذابح "الصغيرة" الأخرى منها مقتل العشرات من طلاب الجامعات. فضلاً عن إصدار قانون التظاهر الذي سجن آلاف الشباب حتى الآن، وقيد الحريات بشكل لم يسبق له مثيل.
أما عن أركان تلك الحكومة المنتمين إلى الحزب، فلدينا الببلاوي نفسه الذي صرح في حوار مع تلفزيون (ABC) الأميركيي، بأن هناك أوقاتاً استثنائية ترتكب فيها "الأعمال الوحشية" قاصداً مذبحة رابعة، مشبهاً ما حدث بدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام.
لدينا أيضاص "زياد بهاء الدين" الذي كان واقفاً على يمين الببلاوي وهو يتلو بيان فض رابعة (كان حسام عيسى على يساره). أما رئيس الحزب نفسه سابقاً "محمد أبو الغار" فقد اعترف بحدوث تزوير لدستور 2014 دون علم أعضاء لجنة كتابة الدستور، لكنه لم يقم بإثارة الموضوع حتى لا تتأثر عملية التصويت على الدستور، وتمتلئ مقالاته في الصحف المصرية بتبرئة قوات الجيش والشرطة من المذابح التي قامت بها، واتهام الإخوان بأنهم دفعوا الحكومة (التي شارك فيها حزبه بقوة) إلى اتخاذ قرار الفض.
على الرغم من ذلك لا يزال هؤلاء يهاجمون الإخوان لـ "تحالفهم مع العسكر" دون مراجعة مواقفهم السابقة والاعتراف بها والتراجع عنها، ويصفون أنفسهم بأنهم "التيار الديمقراطي" بل يقول "فوزي" قبل الذكرى الثانية لمظاهرات 30 يونيو "نحن لسنا مسؤولين عن أي انهيار أو جرائم حدثت في أي مسار" وبعدها بثلاثة أشهر مدح حكومة الببلاوي في حوار مع موقع "مصر العربية"، قائلاً إنها "ظلمت كثيراً" وإنه لولاها "لانهارت الدولة المصرية".
وبينما دافع "فوزي" عن موقف زياد بهاء الدين من قانون التظاهر، مؤكداً أنه استقال بسبب إقراره، فإنه تجاهل المذابح التي حدثت قبل إقرار القانون بحق المعارضين الإسلاميين، كما أن زياد بهاء الدين نفسه لم يذكر في نص استقالته من الحكومة أي نقطة متعلقة بقانون التظاهر، بل أكد أنه استقال بعد إقرار الدستور وإتمام "المرحلة الأولى من خارطة الطريق" كما أن الاستقالة جاءت في أواخر يناير/ كانون الثاني 2014، أي بعد شهرين كاملين من إقرار قانون التظاهر الذي أدى للقبض على عشرات المتظاهرين وإحالتهم للمحاكمة قبل استقالة بهاء الدين.
"السلطة الحالية وضعتنا في مأزق: مساندتها قد تؤدي إلى الاستبداد، ومناهضتها قد تؤدي للاحتلال"، كتبها تامر أبو عرب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) يوم فض رابعة، دون أن يعطي دليلاً على أن مناهضة الانقلاب ستؤدي للاحتلال وكأن السيسي يتحدى الولايات المتحدة وإسرائيل مثلما يروج أنصاره. ويكمل أبو عرب "غالباً سأختار الاستبداد ثم أناهضه" في تعبير صريح عن الانحياز إلى جانب من جانبي الصراع، وهو ما ينسف فكرة "الوضع الوسط" الذي يحاول أبو عرب وضع نفسه ورفاقه فيه.
يد واحدة
اللافت أن أحداً لم يلتفت إلى أن بيانات الإخوان التي أعلنوا فيها مشاركتهم في مظاهرات 15 و25 أبريل لم تتضمن الحديث عن رفع صور مرسي أو رابعة، بل أكدت ضرورة الاتحاد والعمل المشترك ضد السلطة. وفي النهاية لم ينتظر الشباب أحداً ليقرروا ما إذا كانوا سيشاركون أم لا، وأصبحوا "يداً واحدة" في المظاهرات بالقاهرة والمحافظات يومي 15 و25 أبريل، وتحقق الاصطفاف بدون المزايدين ومحتكري الحالة الثورية وعاشقي تصنيف أنفسهم في خانة "الوضع الوسط" الزائف.