23 سبتمبر 2024
مسألة عودة الشرعية في مصر [1\2]
بعد مرور أربع سنوات على إزاحة الرئيس محمد مرسي في مصر، شهدت مسألة شرعيته جدلا سياسيا كثيرا، وظلت مسألةً خلافية بين أطراف المعارضة في مصر والمنفى. وهنا تبدو أهمية مناقشة التداعيات التي لحقت بالأداء السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، ومدى قدرتهم على التلاقي على مفهوم مشترك لعودة الشرعية، وذلك من وجهة أنها ليست فقط مفهوماً قانونياً، ولكنها أيضا إطار للتفاعل بين المؤسسات السياسية والحزبية والحركات الاجتماعية.
وبشكل عام، لا تقتصر دراسة مسألة الشرعية على التصرفات اللاحقة على الانتخابات في العام 2012، لكنها ترتبط أيضاً بعملية التأسيس لقرار المشاركة، حيث إن مشروعية هذا القرار، والوعي بتداعياته، وثيقة الصلة بنزاهة الممارسة السياسية ومرونتها. وهنا تبدو أهمية تحليل سياسات الإخوان المسلمين منذ مارس/ آذار 2012، باعتبارها مرحلة شهدت عمليات لتأسيس سلطة رئاسة الدولة، والمراحل التي مرت بها حتى الوقت الراهن، وهو سياقٌ ارتبط بالجدل حول مسألة عودة محمد مرسي إلى السلطة تعبيرا عن الشرعية السياسية.
المؤسّسية في صنع القرار
صدر قرار مجلس شورى الإخوان في 31 مارس/ آذار 2012 بالتقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية، وتفويض مكتب الإرشاد، بالتنسيق مع المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة، باتخاذ الإجراءات التنفيذية ومتابعتها. وقد أسست هذه الصيغة لتداخل اختصاصاتٍ انعكس على المرحلة اللاحقة، ليس فقط لتسمية مرشحين لانتخابات رئاسية، ولكن لترشيح محمد مرسي عن الحزب، على الرغم من رفض هيئته العليا الدخول في هذا المضمار.
وهنا، يمكن القول إن البيان المشترك للحزب والجماعة (8 إبريل/ نيسان 2012) انعكاس لقرار مجلس الشورى، لكنه على الرغم من انضواء كيانات "الحرية والعدالة" تحت القرار، تظل عيوب المؤسسية في ترشيح رئيس الحزب قائمةً وبعيدة عن المعالجة على مدى الفترة اللاحقة، لعل هذا الجانب يثير مشكلةً لازمت مواقف جماعة الإخوان، حيث كانت أسيرةً لمركزية فردية، لم تمكّنها من مجاراة الأحداث، أو تخيل التداعيات السياسية.
انعكست هيمنة النمط الفردي على عملية بناء شبكات السلطة خلال عامي 2012 و2013، حيث تتضح علاقات القرابة وتشابك المصالح المالية والاقتصادية والولاء وغياب المؤسّسية، وهي حالة كانت في الطريق نحو تمديد علاقات السلطة والثروة بشكلٍ يعوق تطور الثورة أو النظام السياسي، وهو ما يعني أن السلطة وشبكاتها كانت في اتجاه إعادة إنتاج معضلات (واختلالات) العلاقة بين الدولة والمجتمع، والسلطة والثروة. وبالتالي، يمكن القول إن العوامل التي ساعدت على تباطؤ أداء السلطة وإزاحتها لا ترتبط بالقدرات الذاتية، بقدر ما هي انعكاس لتشوهات إداريةٍ، بشكل زاد من توقعات وضع التجربة على مسارٍ بعيد عن التحول والانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي.
وبغض النظر عن العيوب في قرار ترشيح محمد مرسي، فقد استند التداخل بين مكتب الإرشاد ورئاسة الدولة إلى تفويض "مجلس شورى الإخوان"، وليس عبر مؤسسات الحزب. وهنا يمكن تفسير الخلاف حول المطالبة بعودة الشرعية، تحمل في طياتها دعوة إلى عودة الجماعة إلى الحكم، وليس فقط عودة مرسي، وهو ما شكل قلقاً في السنوات الماضية، منع من تطوير التحالفات السياسية، وقلل من فرص الولوج إلى تهدئة الأزمة السياسية. فغياب التلاقي حول تعريف استعادة الشرعية أضعف احتشاد المعارضة واصطفافها، كما لم ينجح الاقتصار على العودة الرمزية في طمأنة الأطراف الأخرى.
حاولت جماعة الإخوان المسلمين توضيح الأبعاد القيمية لعودة الشرعية، بالتأكيد على أنه ليس سعياً إلى المناصب، غير أن عدم تلاقي المعارضة على معنىً واضح لها ساهم في تزايد الجدل حول تعريف أهمية العودة الرمزية والمؤقتة للشرعية. وهنا يمكن الإشارة إلى حدوث تحولٍ في الموقف من استعادة الشرعية، خلال الأربع سنوات الماضية، من كونه عامل تقاربٍ وتضامن إلى مسألة خلافية وغير شعبية، ما يطرح الثقة في سلامة تقييمات المعارضة في المنفى، وقدرتها على التعامل مع الوضع السياسي في مصر.
المعارك الخاسرة للأزمة الدستورية
شهدت الأيام الأولى خلافاً مبكّراً بين سلطات الدولة، فقد استهل الرئيس محمد مرسي فترته بإصدار قرار جمهوري (11/2012) بعودة البرلمان، لكن تصدّي المحكمة له جعله يقبل باستمرار بطلان مجلس الشعب. وفي محاولة أخرى، عرض سعد الكتاتني، بصفته رئيس مجلس الشعب، النزاع على محكمة النقض، لتقضي بعدم الاختصاص. انتهت هذه المرحلة من النزاع في وقت قصير، بعد صدور ثلاثة قرارات في الفترة (8 ـ 11 يوليو/ تموز 2012)، حيث استطاع القضاء حسم الخلاف القانوني، فيما لم يتمكن الرئيس من تحقيق أهدافه.
ومع تقدم النزاع بشأن الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، اتجهت جماعة الإخوان المسلمين إلى اتخاذ إجراءين تجاه المحكمة الدستورية، الأول إصدار إعلان 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 لوقف نظر دستورية القانون رقم 79 (15 يوليو/ تموز 2012). والثاني حصار المحكمة الدستورية في أول ديسمبر/ كانون الأول إجراءً إضافيا لوقف نظر قضية حل مجلس الشورى.
وفي سياق تداعيات إعلان نوفمبر، دعت جماعة الإخوان المسلمين إلى مظاهرة تأييد للرئيس، عند القصر الجمهوري في 23 نوفمبر، لشرح أسباب إصدار الإعلان الدستوري. وخلال هذا التجمع، أوضح الرئيس أن هناك ممارسات تهدّد مسار الثورة، وتسعى إلى تقويض السلطة. وفي أول ديسمبر، شاركت مع الحركة السلفية في "مليونية الشريعة والشرعية" (ميدان جامعة القاهرة)، لتظهر حالة استقاطاب أيديولوجي إسلامي ـ علماني، تزيد من حدة الأزمة الدستورية.
ترافق الجدل حول الشرعية، لأول مرة، مع بدء حصار المحكمة الدستورية، فمع اشتداد النزاع بين السلطتين، التنفيذية والقضائية، اتجه محتجون إلى التظاهر والاعتصام أمام مقر المحكمة الدستورية، ما أدى إلى إصدار قضاة المحكمة بياناً يفيد بتعليق العمل حتى يتوفر المناخ النفسي والسياسي الملائم لنظر القضايا، وهو ما ترافق معه إغلاق المحاكم وامتناع نوادي القضاة عن الإشراف على الاستفتاء، بشكل يعبر عن عمق أزمةٍ سياسية ألقت بظلالها على مسار العلاقة بين سلطات الدولة. لم يتدخل رئيس الدولة لحماية المحكمة، ما ساعد على استمرار الأزمة حتى تعديل الإعلان الدستوري في 8 ديسمبر.
وبينما أدى صدور إعلان 12 أغسطس/ آب إلى ترتيب بعض الأوضاع داخل السلطتين التنفيذية والتشريعية، فإن صدور إعلان نوفمبر أثار أزمة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، حيث اتجهت المحاكم إلى تعليق العمل، ووقف انعقاد الجلسات، ما شكل تحدياً للسلطة التنفيذية، وأرسى لسلسلة من الأزمات الدستورية، ففي النصف الأول من 2013، نشأت أزمة أخرى، على خلفية إصدار الرئيس قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية (21 فبراير/ شباط 2013)، بعد مراجعة البرلمان مباشرة، ومن دون العودة إلى الدستورية، وقد استندت المحكمة الإدارية إلى المادة 177، الخاصة بالرقابة الدستورية السابقة، لوقف الدعوة إلى إجراء الانتخابات التشريعية، ليبدأ مجلس الشورى مناقشة مشروع قانون آخر في إبريل/ نيسان 2013، لينتهي به المآل بعدم الدستورية.
قانون السلطة القضائية والمواءمة السياسية
وعلى الرغم من تفاقم الأزمات السياسية، وتعطل انتخابات مجلس النواب، بدأ مجلس الشورى فى إجراءات مناقشة قانون السلطة القضائية (مايو/ أيار 2013)، ما أحدث أزمة بين سلطات الدولة. وهنا، يمكن ملاحظة مدى انعزال مجلس الشورى عن السياق العام للدولة، وتصرف بشكلٍ لا يراعي حالة النزاع بين السلطات، في ظل غياب السلطة التشريعية الأصيلة، ليأخذ النزاع منحىً جديداً في 2 يونيو/ حزيران 2013، عندما أصدرت المحكمة الدستورية حكما ببطلان عضوية ثلث أعضاء مجلس الشورى المنتخبين، وتأجيل حله إلى حين انتخاب مجلس النواب، وفق المادة 230 من الدستور، وهو ما يجعله من دون صلاحيات حقيقية، وبحاجة لإعادة تشكيل. وأدت هذه التطورات إلى إضعاف مجلس الشورى باعتباره سلطة تشريعية، بما لا يمكّنه من إصدار تشريعاتٍ تغير الوضع السياسي.
أدى قرار المحكمة الدستورية ضد "الشورى" إلى غل يده عن النظر في التشريعات فعلياً، فعلى الرغم من ورود مشاريع القانون بالمراحل الشكلية، أعلن وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية، حاتم بجاتو، فى بداية يونيو/ حزيران 2013، عن تأجيل مشروع قانون السلطة القضائية. وبهذا المعنى، يعكس وقف مناقشة مشروع القانون رغبةً في تجنب الجدل بشأن مشروعية المجلس.
ثمة وجهتا نظر بخصوص التعامل مع قانون السلطة القضائية، فبينما يرى القضاة أن تعديل القوانين المكملة للدستور يتطلب وجود المجلسين التشريعيين، باعتبار مجلس النواب صاحب الاختصاص الأصيل، فيما دور مجلس الشورى يقتصر على القوانين المتعلقة بحالات الضرورة لتسيير شؤون الدولة، وأن الاقتراح يكون من الأفضل من رئيس الدولة أو مجلس الوزراء، وليس من أعضاء تشريعيين، فيما تراه الأحزاب السياسية الداعمة للتعديل اختصاصا أصيلا للسلطة التشريعية. وبغض النظر عن حجّية أي من الطرفين، كانت الظروف السياسية غير ملائمة لتناول التشريعات المتعلقة بهيكل الدولة، وخصوصاً أن الدعاية المرافقة لتعديل القانون روّجت لعزل القضاة عبر خفض السن، وإحالة بضعة آلاف من القضاة إلى المعاش.
من الملاحظ أنه على الرغم من بدئها النزاع الدستوري، فإن الحكومة خسرت كل المنازعات القانونية، حيث يشير الاتجاه العام إلى وجود نقص واضح بإلمام السلطتين، التنفيذية والتشريعية، بالمبادئ الدستورية للعلاقة بين السلطات، وهو ما اتضح في عدة حالات: صدور قانون الجمعية التأسيسية (79) بعد تشكيلها ومباشرة عملها، تجاوز حكم بطلان مجلس الشعب، أو في إحالته إلى محكمة النقض، إصدار قانون الانتخابات، فهذه التصرفات تعكس جانبين. الأول أنها تثير الجدل بشأن نقص القدرات القانونية للحكومة وجماعة الإخوان المسلمين. والثاني أنها تتعلق بالانعكاسات السياسية لمخاطر تنازع سلطات الدولة، وتأثيره على تفكك السلطة التنفيذية وانقسام التشريعية. فعلى الرغم من إلغاء القانون (79) في 2 يونيو/ حزيران 2013، فإنه كان خطوةً لإضعاف حجية دستور 2012، وتصعيد الجدل حول تعديله.
اهتزاز مرجعية دستور 2012
ظلت مسألة الدستور تشكل محور الاهتمام السياسي للإخوان المسلمين، وبعض الأحزاب الإسلامية، حيث انشغلت في الفترة، سبتمبر/ أيلول - ديسمبر/ كانون الأول 2012، بالانتهاء من صياغة الدستور، على الرغم من عقباتٍ عديدة واجهت الجمعية التأسيسية. وبعد صدور الإعلان الدستوري، انصب دور الجمعية على إنجاز مشروع الدستور، وتسليمه إلى رئيس الدولة قبل انعقاد جلسة المحكمة الدستورية في 2 ديسمبر/ كانون الأول لطرحه للاستفتاء الشعبي، لتفادي صدور قرار بحل الجمعية.
لا يمكن فهم الأزمة بين المحكمة الدستورية والسلطة التنفيذية بمعزلٍ عن مسار صياغة الدستور، فقد دخلت الجمعية التأسيسية، ومنذ تكوينها، في أزمة سياسية، حيث أعلنت أحزاب عن الانسحاب من الجمعية، ثم توالى إعلان هيئات أخرى كالأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية والمحكمة الدستورية وشخصيات مستقلة والكنائس الانسحاب. وفي التشكيل الثاني، تكرّرت حالات الانسحاب، ما شكّل الجذر الأساسي للخلاف بشأن الدستور، على الرغم من حصول الاستفتاء على موافقة 64% من الأصوات، فقد ارتبط الخلاف بكيفية صياغة الدستور ومسارها، وليس بمعدل تأييده الانتخابي، وهي المشكلة التي ترجع إلى الخلاف بشأن التفاهم على المبادئ فوق الدستورية في 2011. وبهذا المعنى، لم تتوفر القوى الدافعة لتحويل
الدستور إلى مشروع وطني، أو عقد اجتماعي، بسبب حدة الخلاف على المضي في مساره.
وبشكل عام، ورث دستور 2012 مؤسساتٍ لم تنشأ في ظله، حيث رئاسة الدولة والجهة التشريعية (مجلس الشورى)، وهي ليست مؤسساتٍ هامشية، بل تشكل جزءاً مهماً من السلطات الدستورية في الدولة، وهذا ما دفع إلى تمديد الخلاف إلى فترة ما بعد الدستور. وقد ساهمت هذه الصيغة، إلى جانب أنها عزّزت النزاع الدستوري في الفترة اللاحقة، في اهتزاز شرعية السلطات.
لعل أهم نتائج هذه الأزمة تمثل في ظهور الجدل حول شرعية الرئيس مرسي، حيث انتقل الخلاف بين الحكومة والمعارضة على قضايا فرعية إلى المطالبة بإسقاط الحكومة، ما أثار النقاش بشأن إعادة تأسيس السلطة، والتفاوض حول مرحلة انتقالية جديدة، وهي حالة لم يحسمها صدور الدستور الجديد، فقد ظهرت سريعاً مطالب تعديله، ولعل قبول الحكومة مناقشة هذه المطالب عبر الحوار الوطني كان يعكس إدراكها لطبيعة الأزمة السياسية، لكنها، من جانب آخر، قللت من مركزية دستور 2012 في الحياة السياسية.
وعلى الرغم من إدراك أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تعمل في بيئةٍ غير مواتية، فإن سياساتها ساهمت في دفع الأطراف الأخرى إلى تبني مواقف أكثر حدّة، خصوصاً بعد صدور الإعلان الدستوري، حيث انسحبت من كل المؤسسات السياسية، والدعوة إلى إسقاطها والدعوة إلى تشكيل مجلس رئاسي. وقد مثلت الاحتجاجات حول قصر الاتحادية في 5 ديسمبر/ كانون الأول ذروة المعارضة للرئيس، وفتحت الطريق للاقتراب من التفكير الجدي في إطاحة السلطة، وظهور توجهات عنفية ضد الإخوان المسلمين/ الحرية والعدالة، على مستوى الدولة، ولم يسلم منها المقر الرئيسي للجماعة، وهي أحداث لم يكن ملائماً معها مشاركة كل الأطراف في الحوار السياسي.
وبشكل عام، لا تقتصر دراسة مسألة الشرعية على التصرفات اللاحقة على الانتخابات في العام 2012، لكنها ترتبط أيضاً بعملية التأسيس لقرار المشاركة، حيث إن مشروعية هذا القرار، والوعي بتداعياته، وثيقة الصلة بنزاهة الممارسة السياسية ومرونتها. وهنا تبدو أهمية تحليل سياسات الإخوان المسلمين منذ مارس/ آذار 2012، باعتبارها مرحلة شهدت عمليات لتأسيس سلطة رئاسة الدولة، والمراحل التي مرت بها حتى الوقت الراهن، وهو سياقٌ ارتبط بالجدل حول مسألة عودة محمد مرسي إلى السلطة تعبيرا عن الشرعية السياسية.
المؤسّسية في صنع القرار
صدر قرار مجلس شورى الإخوان في 31 مارس/ آذار 2012 بالتقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية، وتفويض مكتب الإرشاد، بالتنسيق مع المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة، باتخاذ الإجراءات التنفيذية ومتابعتها. وقد أسست هذه الصيغة لتداخل اختصاصاتٍ انعكس على المرحلة اللاحقة، ليس فقط لتسمية مرشحين لانتخابات رئاسية، ولكن لترشيح محمد مرسي عن الحزب، على الرغم من رفض هيئته العليا الدخول في هذا المضمار.
وهنا، يمكن القول إن البيان المشترك للحزب والجماعة (8 إبريل/ نيسان 2012) انعكاس لقرار مجلس الشورى، لكنه على الرغم من انضواء كيانات "الحرية والعدالة" تحت القرار، تظل عيوب المؤسسية في ترشيح رئيس الحزب قائمةً وبعيدة عن المعالجة على مدى الفترة اللاحقة، لعل هذا الجانب يثير مشكلةً لازمت مواقف جماعة الإخوان، حيث كانت أسيرةً لمركزية فردية، لم تمكّنها من مجاراة الأحداث، أو تخيل التداعيات السياسية.
انعكست هيمنة النمط الفردي على عملية بناء شبكات السلطة خلال عامي 2012 و2013، حيث تتضح علاقات القرابة وتشابك المصالح المالية والاقتصادية والولاء وغياب المؤسّسية، وهي حالة كانت في الطريق نحو تمديد علاقات السلطة والثروة بشكلٍ يعوق تطور الثورة أو النظام السياسي، وهو ما يعني أن السلطة وشبكاتها كانت في اتجاه إعادة إنتاج معضلات (واختلالات) العلاقة بين الدولة والمجتمع، والسلطة والثروة. وبالتالي، يمكن القول إن العوامل التي ساعدت على تباطؤ أداء السلطة وإزاحتها لا ترتبط بالقدرات الذاتية، بقدر ما هي انعكاس لتشوهات إداريةٍ، بشكل زاد من توقعات وضع التجربة على مسارٍ بعيد عن التحول والانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي.
وبغض النظر عن العيوب في قرار ترشيح محمد مرسي، فقد استند التداخل بين مكتب الإرشاد ورئاسة الدولة إلى تفويض "مجلس شورى الإخوان"، وليس عبر مؤسسات الحزب. وهنا يمكن تفسير الخلاف حول المطالبة بعودة الشرعية، تحمل في طياتها دعوة إلى عودة الجماعة إلى الحكم، وليس فقط عودة مرسي، وهو ما شكل قلقاً في السنوات الماضية، منع من تطوير التحالفات السياسية، وقلل من فرص الولوج إلى تهدئة الأزمة السياسية. فغياب التلاقي حول تعريف استعادة الشرعية أضعف احتشاد المعارضة واصطفافها، كما لم ينجح الاقتصار على العودة الرمزية في طمأنة الأطراف الأخرى.
حاولت جماعة الإخوان المسلمين توضيح الأبعاد القيمية لعودة الشرعية، بالتأكيد على أنه ليس سعياً إلى المناصب، غير أن عدم تلاقي المعارضة على معنىً واضح لها ساهم في تزايد الجدل حول تعريف أهمية العودة الرمزية والمؤقتة للشرعية. وهنا يمكن الإشارة إلى حدوث تحولٍ في الموقف من استعادة الشرعية، خلال الأربع سنوات الماضية، من كونه عامل تقاربٍ وتضامن إلى مسألة خلافية وغير شعبية، ما يطرح الثقة في سلامة تقييمات المعارضة في المنفى، وقدرتها على التعامل مع الوضع السياسي في مصر.
المعارك الخاسرة للأزمة الدستورية
شهدت الأيام الأولى خلافاً مبكّراً بين سلطات الدولة، فقد استهل الرئيس محمد مرسي فترته بإصدار قرار جمهوري (11/2012) بعودة البرلمان، لكن تصدّي المحكمة له جعله يقبل باستمرار بطلان مجلس الشعب. وفي محاولة أخرى، عرض سعد الكتاتني، بصفته رئيس مجلس الشعب، النزاع على محكمة النقض، لتقضي بعدم الاختصاص. انتهت هذه المرحلة من النزاع في وقت قصير، بعد صدور ثلاثة قرارات في الفترة (8 ـ 11 يوليو/ تموز 2012)، حيث استطاع القضاء حسم الخلاف القانوني، فيما لم يتمكن الرئيس من تحقيق أهدافه.
ومع تقدم النزاع بشأن الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، اتجهت جماعة الإخوان المسلمين إلى اتخاذ إجراءين تجاه المحكمة الدستورية، الأول إصدار إعلان 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 لوقف نظر دستورية القانون رقم 79 (15 يوليو/ تموز 2012). والثاني حصار المحكمة الدستورية في أول ديسمبر/ كانون الأول إجراءً إضافيا لوقف نظر قضية حل مجلس الشورى.
وفي سياق تداعيات إعلان نوفمبر، دعت جماعة الإخوان المسلمين إلى مظاهرة تأييد للرئيس، عند القصر الجمهوري في 23 نوفمبر، لشرح أسباب إصدار الإعلان الدستوري. وخلال هذا التجمع، أوضح الرئيس أن هناك ممارسات تهدّد مسار الثورة، وتسعى إلى تقويض السلطة. وفي أول ديسمبر، شاركت مع الحركة السلفية في "مليونية الشريعة والشرعية" (ميدان جامعة القاهرة)، لتظهر حالة استقاطاب أيديولوجي إسلامي ـ علماني، تزيد من حدة الأزمة الدستورية.
ترافق الجدل حول الشرعية، لأول مرة، مع بدء حصار المحكمة الدستورية، فمع اشتداد النزاع بين السلطتين، التنفيذية والقضائية، اتجه محتجون إلى التظاهر والاعتصام أمام مقر المحكمة الدستورية، ما أدى إلى إصدار قضاة المحكمة بياناً يفيد بتعليق العمل حتى يتوفر المناخ النفسي والسياسي الملائم لنظر القضايا، وهو ما ترافق معه إغلاق المحاكم وامتناع نوادي القضاة عن الإشراف على الاستفتاء، بشكل يعبر عن عمق أزمةٍ سياسية ألقت بظلالها على مسار العلاقة بين سلطات الدولة. لم يتدخل رئيس الدولة لحماية المحكمة، ما ساعد على استمرار الأزمة حتى تعديل الإعلان الدستوري في 8 ديسمبر.
وبينما أدى صدور إعلان 12 أغسطس/ آب إلى ترتيب بعض الأوضاع داخل السلطتين التنفيذية والتشريعية، فإن صدور إعلان نوفمبر أثار أزمة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، حيث اتجهت المحاكم إلى تعليق العمل، ووقف انعقاد الجلسات، ما شكل تحدياً للسلطة التنفيذية، وأرسى لسلسلة من الأزمات الدستورية، ففي النصف الأول من 2013، نشأت أزمة أخرى، على خلفية إصدار الرئيس قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية (21 فبراير/ شباط 2013)، بعد مراجعة البرلمان مباشرة، ومن دون العودة إلى الدستورية، وقد استندت المحكمة الإدارية إلى المادة 177، الخاصة بالرقابة الدستورية السابقة، لوقف الدعوة إلى إجراء الانتخابات التشريعية، ليبدأ مجلس الشورى مناقشة مشروع قانون آخر في إبريل/ نيسان 2013، لينتهي به المآل بعدم الدستورية.
قانون السلطة القضائية والمواءمة السياسية
وعلى الرغم من تفاقم الأزمات السياسية، وتعطل انتخابات مجلس النواب، بدأ مجلس الشورى فى إجراءات مناقشة قانون السلطة القضائية (مايو/ أيار 2013)، ما أحدث أزمة بين سلطات الدولة. وهنا، يمكن ملاحظة مدى انعزال مجلس الشورى عن السياق العام للدولة، وتصرف بشكلٍ لا يراعي حالة النزاع بين السلطات، في ظل غياب السلطة التشريعية الأصيلة، ليأخذ النزاع منحىً جديداً في 2 يونيو/ حزيران 2013، عندما أصدرت المحكمة الدستورية حكما ببطلان عضوية ثلث أعضاء مجلس الشورى المنتخبين، وتأجيل حله إلى حين انتخاب مجلس النواب، وفق المادة 230 من الدستور، وهو ما يجعله من دون صلاحيات حقيقية، وبحاجة لإعادة تشكيل. وأدت هذه التطورات إلى إضعاف مجلس الشورى باعتباره سلطة تشريعية، بما لا يمكّنه من إصدار تشريعاتٍ تغير الوضع السياسي.
أدى قرار المحكمة الدستورية ضد "الشورى" إلى غل يده عن النظر في التشريعات فعلياً، فعلى الرغم من ورود مشاريع القانون بالمراحل الشكلية، أعلن وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية، حاتم بجاتو، فى بداية يونيو/ حزيران 2013، عن تأجيل مشروع قانون السلطة القضائية. وبهذا المعنى، يعكس وقف مناقشة مشروع القانون رغبةً في تجنب الجدل بشأن مشروعية المجلس.
ثمة وجهتا نظر بخصوص التعامل مع قانون السلطة القضائية، فبينما يرى القضاة أن تعديل القوانين المكملة للدستور يتطلب وجود المجلسين التشريعيين، باعتبار مجلس النواب صاحب الاختصاص الأصيل، فيما دور مجلس الشورى يقتصر على القوانين المتعلقة بحالات الضرورة لتسيير شؤون الدولة، وأن الاقتراح يكون من الأفضل من رئيس الدولة أو مجلس الوزراء، وليس من أعضاء تشريعيين، فيما تراه الأحزاب السياسية الداعمة للتعديل اختصاصا أصيلا للسلطة التشريعية. وبغض النظر عن حجّية أي من الطرفين، كانت الظروف السياسية غير ملائمة لتناول التشريعات المتعلقة بهيكل الدولة، وخصوصاً أن الدعاية المرافقة لتعديل القانون روّجت لعزل القضاة عبر خفض السن، وإحالة بضعة آلاف من القضاة إلى المعاش.
من الملاحظ أنه على الرغم من بدئها النزاع الدستوري، فإن الحكومة خسرت كل المنازعات القانونية، حيث يشير الاتجاه العام إلى وجود نقص واضح بإلمام السلطتين، التنفيذية والتشريعية، بالمبادئ الدستورية للعلاقة بين السلطات، وهو ما اتضح في عدة حالات: صدور قانون الجمعية التأسيسية (79) بعد تشكيلها ومباشرة عملها، تجاوز حكم بطلان مجلس الشعب، أو في إحالته إلى محكمة النقض، إصدار قانون الانتخابات، فهذه التصرفات تعكس جانبين. الأول أنها تثير الجدل بشأن نقص القدرات القانونية للحكومة وجماعة الإخوان المسلمين. والثاني أنها تتعلق بالانعكاسات السياسية لمخاطر تنازع سلطات الدولة، وتأثيره على تفكك السلطة التنفيذية وانقسام التشريعية. فعلى الرغم من إلغاء القانون (79) في 2 يونيو/ حزيران 2013، فإنه كان خطوةً لإضعاف حجية دستور 2012، وتصعيد الجدل حول تعديله.
اهتزاز مرجعية دستور 2012
ظلت مسألة الدستور تشكل محور الاهتمام السياسي للإخوان المسلمين، وبعض الأحزاب الإسلامية، حيث انشغلت في الفترة، سبتمبر/ أيلول - ديسمبر/ كانون الأول 2012، بالانتهاء من صياغة الدستور، على الرغم من عقباتٍ عديدة واجهت الجمعية التأسيسية. وبعد صدور الإعلان الدستوري، انصب دور الجمعية على إنجاز مشروع الدستور، وتسليمه إلى رئيس الدولة قبل انعقاد جلسة المحكمة الدستورية في 2 ديسمبر/ كانون الأول لطرحه للاستفتاء الشعبي، لتفادي صدور قرار بحل الجمعية.
لا يمكن فهم الأزمة بين المحكمة الدستورية والسلطة التنفيذية بمعزلٍ عن مسار صياغة الدستور، فقد دخلت الجمعية التأسيسية، ومنذ تكوينها، في أزمة سياسية، حيث أعلنت أحزاب عن الانسحاب من الجمعية، ثم توالى إعلان هيئات أخرى كالأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية والمحكمة الدستورية وشخصيات مستقلة والكنائس الانسحاب. وفي التشكيل الثاني، تكرّرت حالات الانسحاب، ما شكّل الجذر الأساسي للخلاف بشأن الدستور، على الرغم من حصول الاستفتاء على موافقة 64% من الأصوات، فقد ارتبط الخلاف بكيفية صياغة الدستور ومسارها، وليس بمعدل تأييده الانتخابي، وهي المشكلة التي ترجع إلى الخلاف بشأن التفاهم على المبادئ فوق الدستورية في 2011. وبهذا المعنى، لم تتوفر القوى الدافعة لتحويل
وبشكل عام، ورث دستور 2012 مؤسساتٍ لم تنشأ في ظله، حيث رئاسة الدولة والجهة التشريعية (مجلس الشورى)، وهي ليست مؤسساتٍ هامشية، بل تشكل جزءاً مهماً من السلطات الدستورية في الدولة، وهذا ما دفع إلى تمديد الخلاف إلى فترة ما بعد الدستور. وقد ساهمت هذه الصيغة، إلى جانب أنها عزّزت النزاع الدستوري في الفترة اللاحقة، في اهتزاز شرعية السلطات.
لعل أهم نتائج هذه الأزمة تمثل في ظهور الجدل حول شرعية الرئيس مرسي، حيث انتقل الخلاف بين الحكومة والمعارضة على قضايا فرعية إلى المطالبة بإسقاط الحكومة، ما أثار النقاش بشأن إعادة تأسيس السلطة، والتفاوض حول مرحلة انتقالية جديدة، وهي حالة لم يحسمها صدور الدستور الجديد، فقد ظهرت سريعاً مطالب تعديله، ولعل قبول الحكومة مناقشة هذه المطالب عبر الحوار الوطني كان يعكس إدراكها لطبيعة الأزمة السياسية، لكنها، من جانب آخر، قللت من مركزية دستور 2012 في الحياة السياسية.
وعلى الرغم من إدراك أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تعمل في بيئةٍ غير مواتية، فإن سياساتها ساهمت في دفع الأطراف الأخرى إلى تبني مواقف أكثر حدّة، خصوصاً بعد صدور الإعلان الدستوري، حيث انسحبت من كل المؤسسات السياسية، والدعوة إلى إسقاطها والدعوة إلى تشكيل مجلس رئاسي. وقد مثلت الاحتجاجات حول قصر الاتحادية في 5 ديسمبر/ كانون الأول ذروة المعارضة للرئيس، وفتحت الطريق للاقتراب من التفكير الجدي في إطاحة السلطة، وظهور توجهات عنفية ضد الإخوان المسلمين/ الحرية والعدالة، على مستوى الدولة، ولم يسلم منها المقر الرئيسي للجماعة، وهي أحداث لم يكن ملائماً معها مشاركة كل الأطراف في الحوار السياسي.