دعا رئيسا حكومة سابقان في الجزائر، علي بن فليس ومقداد سيفي، إلى تجاوز مرحلة المطالب المتشددة، وإتاحة المجال لحوار يؤدي إلى تنازلات متبادلة تتيح التقدم على صعيد حل الأزمة، وتشكيل وفد يضم شخصيات وطنية تتولى إدارة الحوار والوساطة السياسية بين كتلة الحراك الشعبي والمعارضة، والمؤسسات الرسمية ممثلة برئاسة الدولة والجيش.
ونشر المرشح الرئاسي السابق وثيقة مقترحات سياسية، أكد فيها أن "الحوار الوطني يشكل الخيار المفضل والأداة الأكثر فاعلية ونجاعة لحل الأزمة"، مشيرا إلى أنه بات "من الحتمي أن تفسح مرحلة المغالاة والطلبات التي تحتاج تلبيتها المجال أمام مرحلة التنازلات والحلول الوسطى خدمة للمصلحة الحيوية للوطن"، مشيرا إلى أن "البلد لا يمكنه أن يتحمل أزمة يطول مداها دون الخروج منها مستنزف القدرات والمقومات في وجه التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرعبة التي ستعتري سبيله على مدى أقصر مما يمكن تصوره أو توقعه".
وفي السياق، انتقد بن فليس عجز رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، في خطابه الأخير، عن تقديم تنازلات مرحلية، وقال إن "ضرورة التنازلات المتبادلة برزت، وكذا قيام كل الأطراف بالخطوات المطلوبة قصد التقرب من نقطة التلاقي التي تسمح بتجاوز الانسداد الحاصل راهنا، ومن هذا المنظور كان من المناسب أن يقدم الخطاب للأمة عربون تفتح ليثبت أن طريق الحوار طريق ذو اتجاهين وليس اتجاها واحدا"، موضحا أنه "لا يصلح ولا يجدي الذهاب إلى الحوار دون الاستعداد إلى تقديم التنازلات وإبداء الرغبة في الوصول إلى الحلول الوسطى، وأكثر من هذا وذاك، لا يصلح ولا يجدي الذهاب إلى الحوار على أساس قناعة بأن لا رابح دون خاسر وبذهنية الغالب والمغلوب".
وطالب رئيس الحكومة الأسبق (2001-2003) بالإسراع في تحديد الطرف الداعي للحوار والأطراف المدعوة إليه، مشيرا إلى أن ذلك مفتاح مركزي في مصداقية الحوار، ورفض أن يكون الطرف الداعي إلى الحوار من رموز نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، وقال إنه "من البديهي أنه لا يمكن إطلاقا أن تتشكل من وجوه ورموز نظام سياسي يصر الشعب على التخلص منه في أقصر الآجال، وعلى محوه نهائيا من الذاكرة الوطنية الجماعية، وهو النظام الذي بقيت رموزه ووجوهه هذه إلى حد الساعة في قيادة أهم المؤسسات الدستورية للبلد"، واقترح بن فليس للخروج من هكذا مأزق "أن تتشكل الأطراف الداعية للحوار من شخصيات وطنية تتمتع بثقة الشعب وتحظى برضاه".
وكان رئيس الدولة عبد القادر بن صالح قد جدد، الخميس الماضي، دعوته إلى القوى السياسية والمدنية والشخصيات المستقلة في الجزائر إلى حوار وطني وتواتفق على المسار السياسي المؤدي إلى انتخابات رئاسية مقبلة، لم يحدد تاريخها بعد.
وحذر بن فليس من "تعويم الحوار عبر استدعاء الكيانات السياسية والمدنية التي كان لها التزام سياسي مع الرئيس بوتفليقة لترشيحه لعهدة خامسة"، واعتبر أن "اليقظة القصوى مطلوبة في وجه خطر وارد لا يُسمح غض الطرف عنه: وهو خطر سقوط الحوار الوطني رهينة في يد القوافل من الأحزاب والجمعيات والحركات التي تميزت أيما ميزة طيلة عقدين من الزمن بخدمتها غير المحدودة وغير المشروطة للنظام السياسي الممقوت، والتي لا يخادع ولا يغر تقلبها وتلونها أحدًا".
وشدد بن فليس، وهو أبرز منافس رئاسي لبوتفليقة في انتخابات 2004 و2014، أن الحوار المرتقب يجب أن يؤدي إلى تحقيق المطالب المركزية للشعب في تغيير النظام، وأبدى قبوله لأن يؤدي "إلى إجراء انتخابات رئاسية في آجال معقولة ومقبولة؛ وإذا كان هذا الخيار واضحا، فإن شروط وظروف وضعه حيز التنفيذ تبقى مفتوحة للنقاش؛ وفي قلب هذا النقاش فرضت نفسها الشروط السياسية والمؤسساتية والقانونية الواجب توفيرها بغية إجراء انتخابات رئاسية".
من جهته، دعا رئيس الحكومة الأسبق مقداد سيفي إلى الإسراع في وضع تصور وأجندة للحوار السياسي لحل الأزمة. واقترح سيفي في وثيقة مقترحات نشرها اليوم أن تتم المبادرة إلى إعلان تدابير التهدئة والتوافق، تتضمن تغيير الحكومة، على أن يرتكز الحوار في المرحلة الأولى على إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، وتدابير تشريعية وتنظيمية إضافية، وتحديد المواعيد النهائية لتنظيم الانتخابات الرئاسية.
واقترح سيفي تشكيل وفد وساطة يضم مجموعة أو لجنة من الشخصيات الوطنية المستقلة، والمقبولة من طرفي الأزمة: السلطة والحراك الشعبي والمعارضة، تكون وسيطا في الحوار بين مؤسسات الدولة وممثلي الحراك الشعبي، مع التشاور أيضا مع الأحزاب السياسية القائمة، خارج ما يسمى بأحزاب التحالف الرئاسي السابق، مشيرا إلى أن "مؤسسات الدولة مقصود بها كل من رئيس الدولة وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي، ونعترف كممثلين عن الحراك الشعبي بكل من مسؤولي النقابات المستقلة الــ41، وجمعيات ممثلي المجتمع المدني الجزائري من أجل انتقال ديمقراطي وسلمي الـ28، وكذا ممثلي المنتدى المدني للتغيير".
وأكد سيفي أن "هذا الحوار يجب أن يكون صريحًا وصادقًا وقائما على التزامات وتنازلات متبادلة، ويساهم، أولاً وقبل كل شيء، في الحفاظ على المصالح العليا لأمتنا، على المستوى الاقتصادي والأمني والجيو إستراتيجي، مع السماح في الوقت نفسه بإعادة بناء دولة قوية وديمقراطية تأخذ بعين الاعتبار كل مطالب الحراك الوطني".