مسابقة وظيفية خاصة بأبناء المسؤولين

30 مارس 2018
+ الخط -
قبل انطلاق شرارة الربيع العربي بعامين، على وجه التحقيق، الذي أصابت نيرانه عددا من الدول والمدن والقرى العربية، ومن بينها مدينة الرّقة التي نالت نصيبها من الحرائق والدمار والتهجير القسري الذي لحق بها وبأهلها، أسوة بأخواتها المدن العربية، أعلنت وزارة الإدارة المحلية لصالح البلديات والدوائر المنقولة، في الرّقة، وللفئة الثانية حصرياً، مسابقة وظيفية خاصة بأبناء المسؤولين، وحرم من الفوز بمقاعدها أبناء الطبقة الفقيرة من العمال والفلاحين!

وظل التساؤل: ما الداعي أصلاً لإجراء المسابقة التي أفضت إلى عددٍ من التساؤلات، وبالتالي، فوز أبناء أصحاب النفوذ بأغلب مقاعدها الشاغرة؟! وما هو نصيب البقية التي خرجت "بخفّي حُنين" بعد طول عناء وانتظار وتوسّط، حتى توصّل الحال إلى "بوس الذقون"؟! وما هي حقيقة الأضابير، والكثير من الأوراق التي أحضرها المتقدمون لإجراء الفحص النظري والعملي "الشكلي" المعدّ للمسابقة؟!

هذا كلّه، وغيره، وأخيراً بقاء أمثال هؤلاء الناجحين في الشواغر المحدّدة ضمن دائرة حمراء لا يمكن بأيّ حالٍ منَ الأحوال لأحد الدخول إليها مهما كانت خبرته وإمكانياته وقدراته العقلية المتميّزة، باستثناء أبناء الموظفين الذين نذروا أنفسهم حيال أبنائهم للفوز بهذه المسابقة، مهما كلفهم من ثمنٍ وجهد!!

المسابقة التي نحن بصددها، وأعلن عنها في حينها لصالح البلديات والدوائر المنقولة، وانهال عليها الشباب، وما أكثرهم، العاطلون من العمل، حيث صارت حديث الشارع في "درّة الفرات"، بعد أن وصل عدد المتقدمين إلى أكثر من (1600) متقدّم، وللجنسين، في حين أنَّ الوظائف الشاغرة بحدود الـ(40) وظيفة فقط!!

المشكلة لم تكن هنا، بل أن تتحوّل هذه المسابقة إلى وسيلة لتعيين أبناء المسؤولين في المحافظة، وكأنها فرصتهم الأخيرة، بعد أن فوجئنا بالكم الهائل من المتقدمين، حيث أدرجت أسماء أبنائهم وأقاربهم، وأبناء وأصحاب المناصب وأقاربهم أيضاً، وصولاً إلى الوساطات الملحّة!

هذا ناهيك عن زيد وعمر من الناس، وما يقال هنا وهناك عن ماهية المسابقة المعلنة، وكيف تمكنت هذه الأسماء ـ تحديداً ـ من نيل قصب النجاح المنشود، بالرغم من أن الأسماء الباقية التي سقطت سهواً، وعلى ما يبدو، ورغم إجاباتها التي خرجت بها بكلّ ثقة، لم تحظَ بما يُؤهلها للفوز بكرسي المسابقة ــ اللعنة! وإلا ما معنى إبعاد من هم جديرون بالنجاح بذريعة الإجابات الشفهية التي لم يجب عنها المتقدمون بالشكلِ الصحيح، وهذا ما يُبّرر رسوبهم بقناعة لجنة المسابقة، وإعطاءهم كل الحقّ في ما وصلت إليه حال النتائج التي ما زالت سرّية حتى هذه اللحظة، ولم يُعلن عنها بشكلٍ صريح وواضح، في لوحة الإعلانات، كما عودتنا على ذلك أمانة سرّ المحافظة المعنية بهذا الإجراء المعمول به، ما يدفع هؤلاء المتقدمين المبعدين من جدولة النجاح للاعتراض عليها، أقلّه، باللوّم والعتب!

وبدورنا نقول، لمن غاب ضميرهم: إن الوظيفة أمانة وليست امتيازاً لكي ينقلوها لأبنائهم وأقاربهم.. والناس تتساءَل: كيف سُمح لأمثال هؤلاء بتمرير هذه المخالفات التي لا تحتاج إلى دليل، بقدر ما هي بحاجة إلى ضمير حي، واستقطاب الشباب من ذوي الفاقة، ونحن لا نقول إن المطلوب هو أن تتدخل الجهات الرقابية لتضع الأمور في نصابها الصحيح، ولكن كنا نتمنى على الجهات المعنية حينها إعادة النظر بهذه المسابقة، وتشكيل لجنة محايدة للبتَّ فيها.. حيث صَارت عِبارة عن "سَالِفَة" يتناقلها أهل الرّقة في أمسياتهم!!

الغريب في الأمر أنَّ هنالك عدد من الناس لمْ يَفُته إلا أن يشكر اللجنة الفاحصة، المنتقاة، على ما أبدته من ذكاء حاد عندما اختارت الـ:(315) ناجحاً حتى تُرضي جميع الأطراف، بينما وقع اختيارها في المحصّلة على ما يُناسبها ضمن الـ:(40) المبشّرين "بالوظائف" وليس غيرهم!!

وبعد انتظار طويل ملّه هؤلاء الشباب الذين خاضوا غمار هذه المسابقة، فوجئوا أخيراً بإلغائها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الكثير من التساؤلات التي تحتاج لإجابة مقنعة حيال ما حدث!
هذه التساؤلات تركت ردود فعل متباينة، تمنينا على الجهات المسؤولة أن تضع الأسس الكفيلة بتبرير ما جرى! وإلا ما هي الأسباب الحقيقية وراء إلغائها؟ ومن المتضرّر من إلغائها أصلاً ليس فقط هؤلاء الذين تقدموا لها، بل المسؤولين أنفسهم، المشرفين عليها، بدليل الكثير من التساؤلات التي قيلت وما زالت تُقال، وبصورةٍ خاصة بعد إلغائها!!

ما نريد قوله: لماذا أقيمت المسابقة، ولماذا ألغيت، ما دام أنَّ المتسابقين ــ كما يقول المعنيون في الإدارة المحلية في الرّقة ــ بحاجة ملحّة إلى خدماتهم، بدليل توفّر الشواغر في الدوائر المعنية التي كانت تنتظر وتترقب التحاقهم بها؟!
ما يهمنا، بعد كل هذا التخبّط، وهدر الوقت الذي عايشه المتقدمون للمسابقة والقائمون عليها، هو العمل على اختيار العناصر المشرفة النزيهة القادرة فعلاً على اختيار الشباب المتقدمين للمسابقة الوظيفية بحيادية تامّة، بعيدين في ذلك عن اختيارهم لأبناء المسؤولين الذين، وللأسف، هم من كانوا وراء فشلها الذريع، ولا سيما أن الاختيار بالدرجة الأولى شمل أبناءَهم وحدهم، دون سواهم، وآخرين ممن حاولوا تعيينهم تحت ذرائع معروفة، ومنهم ممن تجاوز العرف بهدف الوصول إلى غايته.. وأولاً وأخيراً إجراء المسابقة بعيداً عن مكتب التشغيل الذي ظل دوره هامشياً، وهكذا دواليك!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.