كثفت الحكومة الإسبانية من تحركاتها مع المسؤولين في المغرب، في الفترة الأخيرة، بهدف تشكيل مجموعة عمل، لإيجاد حل لمشكلة إغلاق الرباط للمعبر البري مع مدينة مليلية المغربية المحتلة، مؤكدة أنه بهدف محاربة التهريب، بينما تقول سلطات مليلية إن هذا الإجراء ألحق خسائر كبيرة باقتصادها.
وكان وزير الشؤون الخارجية الإسباني، جوزيف بوريل، قد أعلن عن تشكيل مجموعة عمل، على إثر لقاء عقد بين مديري الجمارك في البلدين بالرباط قبل أيام، وهو توجّه يُراد من ورائه تفادي التصعيد بين الطرفين في هذه القضية ومحاولة حل المشاكل التي ترتبت على قرار إغلاق المعبر.
ويتطلّع رجال الأعمال ومسؤولو مدينة مليلية المحتلة إلى انفراجة في الأزمة، التي ثارت منذ قرّر المغرب في نهاية يوليو/ تموز الماضي إغلاق المعبر بشكل أحادي، من أجل إنعاش الحركة التجارية في ميناء بني نصار بالناظور.
ويقع ميناء الناظور - بني نصار على البحر المتوسط، بالجهة الساحلية في أقصى الشمال الجنوبي على بعد نحو 70 كيلومتراً من الحدود الجزائرية.
ويراد من هذا القرار إعطاء دفعة جديدة لنشاط الميناء، ومحاربة التهريب، والقطاع غير الرسمي، والتهرب الضريبي.
وذهب الوزير مصطفى الخلفي، المكلّف بالعلاقات مع المجتمع المدني والناطق الرسمي باسم الحكومة، إلى أن "إغلاق بوابة مليلية قرار عادي وسيادي لإنعاش ميناء الناظور".
ولم يعط المغرب أية تفاصيل حول القرار الذي أفضى إلى التوقّف عن التحميل عبر المعبر التجاري لمليلية، كما لم تتواصل حول ذلك مديرية الجمارك المغربية.
ويعتبر مصدر مطلع، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن القرار الذي اتخذه المغرب لا رجعة عنه، فهو يأتي في سياق محاربة التهريب والقطاع غير الرسمي، خاصة مع تدهور عجز الميزان التجاري.
وأكد المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن اللقاء المرتقب بين مسؤولي الجمارك في البلدين له طابع تقني، في ظل تراجع التدخلات على المستوى السياسي، الأمر الذي يؤثر على المباحثات حول هذا الملف الحيوي الذي يهم البلدين.
وقد اعتبر رئيس مدينة مليلية، خوان خوصي إمبروبا، في تصريحات صحافية سابقة، أن الوضع لم يعد يحتمل منذ القرار المغربي، مؤكدا أن ذلك أدى إلى خسائر باهظة. وذهبت وسائل إعلامية محلية بمليلية إلى أن القرار بمثابة "موت معلن" للمدينة.
وشكّل صمت حكومة الاشتراكي، بيدرو سانشيز، حول القرار المغربي، سبباً لانتقاده من قبل رئيس الحزب الشعبي المعارض، بابلو كاسادو، الذي يتولّى أمر تسيير مدينة مليلية.
وذهب رئيس رجال الأعمال بمليلية، إنريكو ألكوبا، إلى أن نشاط السلع تقلّص بـ 50%، مقارنة بالعام الماضي، وهذا ما يبرر مطالبته الحكومة المركزية في إسبانيا بالتدخل.
ويعتبر رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بنعيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن منتجات تقدّر بأكثر من مليار دولار تعبر سنوياً عبر الأنشطة التجارية الرسمية وغير الرسمية من المغرب إلى المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية.
ويتصور أن تأثير القرار المغربي سيكون محدوداً على الحمالين الذين ينقلون السلع، فهم يعملون لفائدة لوبيات تستغلهم في القطاع غير الرسمي، معتبراً أنه يتوجب استعمال الإيرادات الناجمة عن الحركة التجارية بميناء بني نصار من أجل إنعاش الاستثمارات في منطقة الناظور وإتاحة فرص عمل جديدة تساهم في الحد من البطالة في البلاد.
ويشير رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، بوعزة الخراطي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى مخاطر التهريب الذي يتم عبر المدينتين، وهو ما يشكّل تهديداً لفرص العمل في المغرب، كما تضر بصحة المستهلك، كما هو الحال بالنسبة للملابس المستعملة، التي تصل إلى المملكة من أوروبا عبر المدينتين بمواصفات غير جيدة ومن دون أي رقابة.
وتربط بين المغرب وإسبانيا مصالح اقتصادية كبيرة، فالبلد الأوروبي يعتبر أول شريك تجاري للمغرب، فقد تجاوزت المبادلات بينهما 9 مليارات دولار سنوياً، حسب تقارير رسمية.
ويلاحظ مراقبون أن الحكومة الإسبانية لم تُثر الموضوع عبر وسائل الإعلام، إذ تتفادى أزمة مع المغرب، الذي يعتبر لاعباً رئيسياً في سياسة إسبانيا وأوروبا لمحاربة الهجرة غير الشرعية والتهديدات ذات الصلة بالإرهاب.
وقد أكد رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشير، قبل أيام، أن المغرب "بلد أساسي" بالنسبة إلى إسبانيا في ما يتعلّق بمراقبة الهجرة، مؤكداً أنه يتم التعاون بين البلدين في العديد من المجالات، علماً أن المغرب يحتضن فروعاً لنحو 800 شركة إسبانية.