أثار ارتفاع أسعار الكشف الطبي في العيادات الخارجية في المستشفيات الحكومية والمركزية في مصر غضب الفقراء ومحدودي الدخل الذين يقصدونها يومياً لإجراء الكشف الطبي أو إجراء التحاليل وغيرها. وخلال السنوات الماضية، كان بدل الكشف الطبي ثلاثة جنيهات (نحو 0.20 دولار أميركي) كونه مدعوماً من قبل الحكومة، إلا أنّه بات يتراوح حالياً ما بين 10 و15 جنيهاً (نحو 0.60 - 0.95 دولار)، وقد تمّ تأهيل مباني بعض المستشفيات وأُطلق عليها اسم "المستشفيات النموذجية"، ووصل بدل الكشف فيها إلى 30 جنيهاً (نحو 1.90 دولار). وفي المساء، ترتفع إلى ما بين 40 و50 جنيهاً (نحو 2.50 - 3.15 دولارات) بحسب درجة الطبيب. أمّا أسعار الأشعة، فتتجاوز مائة جنيه (نحو 6.30 دولارات)، في خطوة غير مقبولة، كما يقول مواطنون كثر في البلاد.
ويكشف مصدر مسؤول في وزارة الصحة المصرية لـ"العربي الجديد" أنّ "الأطباء سواء في الفترة الصباحية أو المسائية هم بمعظمهم أطباء تخرّجوا حديثاً"، مؤكداً "عدم وجود التزام في المستشفيات الحكومية في ما يتعلق بالأسعار. فكل مستشفى حكومي يعمد إلى زيادة الأسعار بحسب ما يراه مناسباً، بحجة التجديد وشراء أجهزة وأسرّة جديدة، وضرورة مشاركة المواطن في تلك التجديدات. لكن العكس هو ما يحصل، إذ إنّ ثمّة مستشفيات في المحافظات تحولت إلى خرابة، ويتم تحويل جزء من تلك الأموال إلى خزانة الدولة، والجزء الآخر يذهب إلى جيوب المسؤولين في المستشفيات". ويشير إلى أنّ "الجهات المسؤولة في وزارة الصحة ترى أن زيادة الأسعار طفيفة، إلا أنّ المرضى الفقراء الذين يقصدونها يصفون ما يحدث بالخطير، خصوصاً أنّ ارتفاع الأسعار يؤثر سلباً على ظروفهم المعيشية"، متوقّعاً "مزيداً من ارتفاع الأسعار في خلال شهر يوليو/ تموز المقبل، بالتزامن مع إقرار الميزانية العامة الجديدة للدولة 2020 - 2021، من دون النظر إلى حال المواطنين وغلاء المعيشة المتزايد يوماً بعد يوم، بالإضافة إلى أعباء جديدة يتكبّدها محدودو الدخل".
وهذه الزيادة ليست الأزمة الوحيدة التي تواجه المرضى المصريين الفقراء، إذ تعاني تلك المستشفيات من مشاكل عدّة قد تهدّد حياتهم، في ظل غياب أطباء يعالجون الحالات الحرجة، بسبب ضعف الإمكانيات في داخل المستشفيات العامة وعدم توفّر أسرّة كافية، الأمر الذي يفاقم معاناتهم مع اضطرارهم إلى البحث عن مستشفيات أخرى لتلقي العلاج. وهذا يؤدّي إلى وفاتهم في النهاية. يضاف إلى ما سبق عدم توفّر أدوية وغرف عمليات مجهزة، إلى جانب زيادة أسعار الأدوية المستوردة من الخارج. والعوامل المذكورة كلها تؤدّي إلى زيادة الضغوط على المرضى في ظل الغلاء الذي يزداد يوماً بعد يوم.
ويسعى موظفون في المستشفيات الحكومية إلى إحالة المرضى إلى مختبرات خارجية لإجراء التحاليل والفحوصات في مقابل حصولهم (الموظفين) على رواتب شهرية أو نسبة من تكاليف الفحوصات، بحجّة تعطّل الأجهزة في المستشفيات الحكومية. والمرضى يُحالون عادة إلى مختبرات "بير سلّم"، فيما يحصل الموظفون المعنيون على مقابل مادي من دون أيّ اكتراث لآلام البسطاء. وهذا "عُرف سائد في المستشفيات الحكومية"، بحسب ما يفيد مصدر في أحد المستشفيات "العربي الجديد"، يُضاف إليه "الاتفاق مع بعض الأطباء لفحص المرضى في عياداتهم الخاصة أولاً، قبل تسهيل دخولهم إلى المستشفيات الحكومية وحجز سرير لإجراء عملية أو استكمال العلاج. بالتالي، يُستغلّ المرضى من أجل الحصول على عمولة، وسط صمت وصل إلى حدّ التواطؤ. وفي النهاية، الفقراء هم الذين يدفعون الثمن".
في السياق، يقول أحد أعضاء نقابة الأطباء الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد" إنّ "العيادات الخارجية في المستشفيات الحكومية تُعَدّ المخرج الوحيد للمواطن المصري للعلاج في ظلّ الغلاء. والمواطنون يُقبلون على المستشفيات الحكومية لأنّ بدل الكشف الطبي أو الفحوصات أقلّ كلفة"، رافضاً "تحميل الفقراء مشاكل المستشفيات". ويشدّد عضو النقابة نفسه على أنّ "المستشفيات تعاني من جرّاء قلة المستلزمات والأجهزة الطبية، ولم تعد لدى المواطن القدرة على تحمّل الغلاء"، مضيفاً أنّ "ارتفاع بدل الكشف الطبي يجب أن يقابَل بتطوّر في إمكانيات المستشفيات وتطويرها وتقديم خدمات صحية جيدة ومتطوّرة. كذلك لا بدّ من ضبط الأمر، ولا يحقّ للمستشفيات الحكومية زيادة أسعار الكشف إلا من خلال تعليمات واضحة من وزارة الصحة. وفي حال قيام المستشفيات بذلك، لا بدّ من إحالة القضية إلى التحقيق".