غداً، في الثاني من سبتمبر/أيلول، ينطلق العام الدراسي 2018 - 2019 في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام، مع ما يحمله من تحديات.
لم يكد السوريون ينتهون من أعباء عيد الأضحى، حتى رأوا أنفسهم غارقين في تهيئة أبنائهم للالتحاق بالعام الدراسي الجديد. ومع عودة الحركة إلى السوق بعد عطلة العيد، احتلت الألبسة المدرسية بقوة واجهات محلات الألبسة الجاهزة، في حين عرضت المكتبات تشكيلات واسعة من الحقائب والقرطاسية. لكنّ كثيرين من أصحاب الدخل المحدود - غالبية الشعب السوري - رأوا أنّ الأسعار مرتفعة في المجمل.
أبو وضاح، أب لأربعة أولاد (ابنان وابنتان) في المرحلتَين الإعدادية والثانوية، يقول إنّه موظف منذ نحو 25 عاماً، غير أنّ راتبه لا يتجاوز 40 ألف ليرة سورية، أي نحو 90 دولاراً أميركياً. ويخبر "العربي الجديد" أنّه راح، في الأيام الماضية، يتجوّل في الأسواق منذ الصباح الباكر، من الصالحية إلى الحميدية إلى الحريقة وباب الجابية، بحثاً عن ألبسة مدرسية لأبنائه، مشيراً إلى أنّ "الألبسة المدرسية لم تعد ألبسة تقليدية بالقماش نفسه مثلما كانت على أيامنا. اليوم، ما يدلّ على وحدة الزيّ هو لونه وإن تعدّدت درجاته. ولكلّ واحد سعره الخاص، لذا اخترت ما يناسب ميزانيتنا، إلا أنّ أولادي راحوا يعترضون لألف حجة وحجة". ويوضح أبو وضاح أنّ "راتبي لا يكفي ثمن لباسَين لاثنين من الأولاد، لذا دخلت في جمعية بمبلغ خمسة آلاف ليرة (نحو 11.5 دولاراً) شهرياً، واشترطت على أصدقائي أن أتسلمها قبل الموسم الدراسي لأتمكن من تأمين بعض احتياجات الأولاد. كل واحد منهم في حاجة إلى ما بين 20 ألفاً و25 ألف ليرة (نحو 45 - 57 دولاراً) على الأقل لتأمين اللباس المدرسي مع حقيبة وقرطاسية، من دون أن نتحدث عن مصروفهم اليومي".
من جهتها، تقول أم عبدو، وهي أم لثلاثة أولاد في مرحلة التعليم الأساسي، لـ"العربي الجديد": "لا أشعر بأنّ الوضع اختلف كثيراً منذ كنت أنا في المدرسة. الأهالي في سورية، بمعظمهم، لا يستطيعون الحصول على أيّ شيء إلا بصعوبة، حتى الأطفال يشعرون بأنّ الاستعداد للمدرسة صار عبئاً لا يطاق من دون أيّ فرحة تذكر". تضيف أنّ "الراتب لا يكفي، ولولا أنّني وزوجي نعمل في وظيفتَين، لما تمكّنا من تأمين الحد الأدنى من احتياجات أولادنا"، مشيرة إلى أنّ "زوجي يخرج من المنزل في الثامنة صباحاً ولا يعود قبل منتصف الليل". وتتابع أم عبدو: "وقد تقدّم زوجي للحصول على قرض القرطاسية الذي أقرته الحكومة، الأمر الذي يسهّل علينا تأمينها لهذا العام. لكنّ ثمّة عائلات قريبة لنا محرومة من هذا القرض، لأنّ أياً من أفرادها ليس موظفاً في الدولة". وتوضح أنّ "هذا القرض يُسدّد خلال 10 أشهر، وكل دفعة قيمتها خمسة آلاف ليرة (نحو 11.5 دولاراً). وهو مبلغ ليس باليسير بالنسبة إلى عائلات بالكاد تستطيع أن تؤمّن احتياجاتها. ونعرف عائلات استطاعت الحصول على قرض القرطاسية وهي لا تضمّ عدداً كبيراً من التلاميذ، لذا تقاسمت القرض مع عائلات أخرى". يُذكر أنّ ما توفره المؤسسات الاستهلاكية خيارات محدودة.
هو يومهم الدراسي الأوّل (أنور عمرو/ فرانس برس) |
في السياق، صرّح معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، جمال شعيب، الأربعاء الماضي، بأنّ القرض الوظيفي الممنوح للعاملين في الدولة والخاص بالقرطاسية يلزمهم بالشراء من القطاع العام حصراً، أي من المؤسسة السورية للتجارة ومنافذ بيعها المختلفة الموزعة في المحافظات، وذلك حتى يستفيد المواطن قدر الإمكان من القرض البالغ سقفه 50 ألف ليرة (نحو 115 دولاراً)، إذ إنّ أسعار المؤسسة مدروسة وأقل من السوق". ولفت شعيب إلى أنّ قيمة القرض اعتُمِد بعد دراسة أسعار القرطاسية والمستلزمات المدرسية المعروضة في صالات المؤسسة السورية للتجارة، حتى يتمكن المواطن من شراء كل مستلزماته، مع الإشارة إلى أنّ فرق الأسعار بين المؤسسة والسوق وصل إلى 50 في المائة. وأوضح أنّ الوزارة حددت سقف القرض (50 ألف ليرة) بعد تقدير المبلغ الذي تحتاجه عائلة مؤلفة من أربعة تلاميذ كمتوسط، على أن يُسدَّد القرض في 10 دفعات من دون حاجة إلى كفلاء. وذكر شعيب أنّ الأدوات المدرسية تباع بسعر التكلفة حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول الجاري فقط، لافتاً إلى أنّ الوزارة أقامت مهرجانات عدّة للقرطاسية قبل العيد في مختلف المحافظات لخدمة المواطنين، وأنّ العمل جار لتتوزع منافذ البيع التابعة للمؤسسة في كل حيّ شعبي.
أمّا أبو زاهر، وهو موظف وأب لخمسة أولاد، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدولة لا يمكن أن تتغير، ولا يمكن أن تكون إلى جانب المواطن، فقد خدعتنا في الأشهر القليلة الماضية بتصريحاتها حول زيادة الرواتب، والمضحك المبكي أنّ حكومتنا تعلم أنّنا لا نستطيع شراء دفاتر وأقلام لأبنائنا، فبدلاً من أن يمنحونا مبلغاً مالياً يعيننا خلال فترة العيد والمونة الشتوية والمدارس، أعطونا سلفة على رواتبنا وبخديعة مكشوفة". يضيف: "يوهموننا أنّها سلفة من دون فوائد، وعندما نقصد المؤسسة نجد أسعارها أغلى من السوق بنسبة تتراوح ما بين 20 و25 في المائة". ولا يخفي أبو شادي، وهو موظف في وزارة الدفاع وأب لثلاثة أولاد، امتعاضه وسخطه إزاء قرار حكومة النظام، "فهو لم يشمل العسكريين الذين يتذمرون كذلك من تدهور وضعهم الاقتصادي وسوء رواتبهم".