المطر الصيفي في موريتانيا، حاصر الأهالي ببرك انتشرت حول أحياء كثيرة. ففي مقاطعات عرفات وكارافور والميناء، تحولت حياة سكان العاصمة إلى جحيم، بسبب صعوبة التنقل، وانتشار البعوض. كما أنّ الأمر لم يخلُ من نفايات وأوساخ تراكمت في المياه، وجعلت مشهدها قبيحاً.
يخشى السكان من انتشار الأوبئة والأمراض بسبب تجمعات المياه الآسنة تلك. ورغم الشكاوى التي يقدمونها، فإنّ السلطات لم تتحرك لحلّ مشكلة تجمع مياه الأمطار. ويقول عبده ولد الشيخ، وهو أحد سكان حي البصرة الذي تضرّر كثيراً بسبب السيول التي غمرت بعض المنازل: "السلطات زارت المناطق المنكوبة وقامت بإحصاء الخسائر لكنها لم تساعد السكان في حل مشكلة تجمع المياه، ولا في ايواء المتضررين من السيول والبرك".
ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ المنطقة أصبحت شبه معزولة وهجرها سكانها بسبب برك المياه وحدوث تشققات في جدران بعض المنازل. ويطالب عبده السلطات بردم البرك والمستنقعات التي أصبحت تهدد صحة المواطنين، بسبب تكاثر البعوض والروائح المنفرة.
وفي ظل تجاهل السلطات لمعاناة سكان بعض أحياء العاصمة مع البرك المائية، بادرت بعض المجموعات الشبابية بحملات تطوعية لردم بعض البرك، وشفط المياه عن أخرى. وشارك حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" الإسلامي في الحملة التطوعية، من خلال شبيبة الحزب، في المقاطعات الأكثر تضرراً.
ويقول المشارك في الحملة عالي ولد خطري، إنّ معاناة السكان جراء تجمع مياه الأمطار أمام المنازل، دفعتهم الى التطوع وتنظيم حملة لردم المستنقعات في مقاطعة دار النعيم. ويضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "بعد نجاح الحملة انطلقت حملات اخرى إلى مناطق متفرقة في عرفات والزعتر وتوجنين. وهناك استطعنا ردم عدة مستنقعات كانت تحيط بالسكان، وفتحنا الطرق الرملية أمام السيارات والمارة".
تهديد الملاريا
رغم مرور أيام على تساقط الأمطار على نواكشوط، ما زالت البرك والمستنقعات تحاصر الشوارع والأحياء. ومع ارتفاع درجات الحرارة أصبحت هذه البرك تشكل خطراً حقيقياً بسبب انتشار البعوض، في بلد تسجل فيه الاصابة بالملاريا معدلات مرتفعة.
وتقول سعاد بنت امحيمد، وهي ربة بيت تسكن مقاطعة سوكوجيم، أرغمتها وضعية حيها على السكن مع عائلة زوجها في انتظار حل مشكل تجمعات مياه الأمطار: "هذه البرك خطيرة على البيئة وصحة الانسان وخاصة على حياة الأطفال". وتدعو البلدية الى التدخل سريعاً لردم المستنقعات، ورش المبيدات.
وهو الأمر نفسه في حي الميناء الفقير غرب العاصمة. هناك يعاني السكان من انتشار البعوض والروائح الكريهة بسبب البرك المائية. ويطالبون السلطات بوضع حلول عاجلة لمعالجة المياه السطحية وسحبها وفق جدول زمني عادل لا يظلم أحدا. ويتهم سكان الأحياء الفقيرة السلطات بإهمال أحيائهم في حملة ردم البرك والاهتمام بالأحياء الراقية بشفط المياه عنها بعد توقف الأمطار مباشرة ورش المبيدات. بينما تظل المستنقعات بالأحياء الفقيرة لفترات طويلة.
وتقول عائشة بنت تقي الدين، التي تسكن حي الميناء، إن المياه السطحية تبقى لفترات طويلة من الزمن قبل أن تقرر البلدية شفطها. وتطالب عائشة بإيجاد حلول عاجلة لردم كل المستنقعات حتى لا تصبح أرضاً خصبة لتكاثر الحشرات، وبؤرة لنشر الأوبئة والأمراض.
ومن أكثر المتضررين من الوضع الحالي، سائقو سيارات الأجرة الذين يجاهدون لكسب قوت يومهم، وتجنب الوقوع في مصيدة البرك المائية. ويقول السائق علي ولد شداد: "نحن نعاني بسبب البرك المائية الكبيرة والأوحال التي تؤثر على محرك السيارة، وحين نلجأ إلى الطرق الأخرى والمنافذ الجانبية لتجنب البرك، نواجه الاختناق المروري".
ورغم ان نواكشوط تضم نحو ثلث سكان البلاد، إلّا أنّ الحكومات المتعاقبة عجزت عن حل مشكلة الصرف الصحي للمدينة التي أنشئت في خمسينيات القرن الماضي. ويعتمد السكان على خزانات للصرف الصحي تبنى تحت المنازل وتفرّغ من حين لآخر. وهو ما جعل تربة العاصمة مشبعة بالمياه، وغير قادرة على امتصاص نسبة كبيرة من مياه الأمطار.
ويحذر العلماء من تجاهل العوامل المسببة في تآكل القشرة الجبسية الفاصلة بين التربة وبحيرات المياه الجوفية في الأعماق. وتقع نواكشوط على ساحل المحيط الأطلسي. وهي مشيّدة على أرض منخفضة تحت مستوى البحر. وبسبب عوامل التعرية، واستنزاف الحزام الرملي، وتشبع التربة بالمياه، باتت المدينة اليوم مهددة بالغرق.