تعود بنا نادين أبو زكي، مخرجة وكاتبة عرض "يوميات توتة"، إلى أيام البابليين. تُخرِج "تيسبه" و"بيرام" من صفحات الميثولوجيا العريقة، وتضعهما شاهدين، في سياق زمني لا أزلي، على حروب الإنسان ضد الإنسان مهما كبرت أو صغرت. حوّلت بيرام إلى شجرة توت، وتيسبه إلى شجرة زنزلخت، وحملتهما عبء أسئلتها: "هل للأشجار ذاكرة؟ هل تتواصل مع محيطها وتشم وتشعر؟ كيف تتفاعل عاطفيّاً مع البشر؟ هل تتألم، تفرح، تحزن؟". نقلت قصتهما، التي استوحى شكسبير منها حكاية روميو وجولييت، من مقام الحب إلى مقام فلسفي روحاني.
بيرام (ضنا مخايل)، شجرة توت تسجّل على خشبة مسرح المدينة يومياتها وتسائل برفقة تيسبه (جان بول ميهانسيو) الصامت، شجرة الزنزلخت، السلوكَ البشري عما ارتكب الإنسان سابقاً، أو ما زال يرتكب بحق نفسه وبحقها. في ملصق العرض، لا تنفصل الشجرة والإنسان عن بعضهما البعض. جذور شجرة نابعة من قدم رجل، الرجل في الأسفل والجذور في الأعلى في فضاء برزخي الطابع. من هنا بدأت نادين بقلب المعايير، كما لو أنها تقول لهذا البشري الذي غزت قدماه أصقاع الأرض والذي شكل تكاوين هذه البسيطة، أينما حل أن خطواتك لن تلقى ثباتها إلا إذا نبتت جذورٌ في مكان آخر.
هنا ماهية العرض بأكمله الذي بُني نصه على شخصيتي الشجرتين اللتين تعرضتا لأذى الإنسان؛ الشاهدتين على حكايا أم حليم (رويدا الغالي) وابنها حليم الذي أحب ليلى، والتي وقعت تحت إغراء رجل آخر. وقصص الجراد الذي يقتحم البيوت، ويجتاح المحاصيل، وشفيق وابنه راغد الذي أودى بحياة الشجرة تيسبه، وحكايا حرب، ومجزرة أودت بحيوات نساء ورجال كثر. لم يحتمل راغد المجزرة التي ارتكبت في قريته. فتراه قتل نفسه أم قتل الشجرة؟
تلك المضامين الكونية كانت تظهّرها نادين أبو ذكي، مازجةً بين أدوات متعددة. تستحضر لغة الجسد والرقص المعاصر وتوازيها بلغة شاعرية ثم تكسرهما بتصميم صوتي يعتمد على كل ما هو إلكتروني، وبحضور كتلة بشرية تقوم بأداء أشبه بالكلاسيكي ضمن إطارٍ قروي.
أما العرض فكان محمّلاً بعناصر غنية جداً، بدءاً من الأداء الراقص أو التمثيلي مع الثلاثي، جان بول ميهانسيو وضنا مخايل ورويدا الغالي، وصولاً إلى السينوغرافيا وتصميم الملابس مع علاء ميناوي وبشارة عطالله. إلا أن العرض، رغم الجماليات الموجودة، ورغم الجهود المبذولة والواضحة من قبل نادين وفريقها، افتقد ألقاً كان يتوقعه المشاهد بعد بداية العرض الآسرة. الكوريغراف والراقص ميهانسيو يؤدي سولو يحوّل جسده إلى كتلة جامدة تتحرك فيها أصغر عضلة كما لو أنها منحوتة خشبية تتبدل وتثور على نفسها شيئاً فشيئاً. ثم تظهر بيرام بصوتها وأدائها الأخاذين حتى تأتي بصمت أم حليم المحنية الظهر، وتحكي حكايتها بعد أن لملمت أوراق الشجر المتساقطة. هنا تظهر الفاصلة الأولى التي بدأت تجتزئ تدريجياً من متعة التلقي.
قد تحتاج "يوميات توتة" إلى ورشة إخراجية إضافية تساعد في تكثيف المضمون بدل تشظيه إلى سلسلةٍ من تكرارات لا تضيف الكثير على العرض. ولكن ما لا شك فيه أن المشهدين الأول والأخير، وأداء الثلاثي ميهانسيو ومخايل والغالي، والنص الأدبي، يشكلون كلٌ على حدة جمالية جديرة بالاكتشاف.
اقــرأ أيضاً
هنا ماهية العرض بأكمله الذي بُني نصه على شخصيتي الشجرتين اللتين تعرضتا لأذى الإنسان؛ الشاهدتين على حكايا أم حليم (رويدا الغالي) وابنها حليم الذي أحب ليلى، والتي وقعت تحت إغراء رجل آخر. وقصص الجراد الذي يقتحم البيوت، ويجتاح المحاصيل، وشفيق وابنه راغد الذي أودى بحياة الشجرة تيسبه، وحكايا حرب، ومجزرة أودت بحيوات نساء ورجال كثر. لم يحتمل راغد المجزرة التي ارتكبت في قريته. فتراه قتل نفسه أم قتل الشجرة؟
تلك المضامين الكونية كانت تظهّرها نادين أبو ذكي، مازجةً بين أدوات متعددة. تستحضر لغة الجسد والرقص المعاصر وتوازيها بلغة شاعرية ثم تكسرهما بتصميم صوتي يعتمد على كل ما هو إلكتروني، وبحضور كتلة بشرية تقوم بأداء أشبه بالكلاسيكي ضمن إطارٍ قروي.
أما العرض فكان محمّلاً بعناصر غنية جداً، بدءاً من الأداء الراقص أو التمثيلي مع الثلاثي، جان بول ميهانسيو وضنا مخايل ورويدا الغالي، وصولاً إلى السينوغرافيا وتصميم الملابس مع علاء ميناوي وبشارة عطالله. إلا أن العرض، رغم الجماليات الموجودة، ورغم الجهود المبذولة والواضحة من قبل نادين وفريقها، افتقد ألقاً كان يتوقعه المشاهد بعد بداية العرض الآسرة. الكوريغراف والراقص ميهانسيو يؤدي سولو يحوّل جسده إلى كتلة جامدة تتحرك فيها أصغر عضلة كما لو أنها منحوتة خشبية تتبدل وتثور على نفسها شيئاً فشيئاً. ثم تظهر بيرام بصوتها وأدائها الأخاذين حتى تأتي بصمت أم حليم المحنية الظهر، وتحكي حكايتها بعد أن لملمت أوراق الشجر المتساقطة. هنا تظهر الفاصلة الأولى التي بدأت تجتزئ تدريجياً من متعة التلقي.
قد تحتاج "يوميات توتة" إلى ورشة إخراجية إضافية تساعد في تكثيف المضمون بدل تشظيه إلى سلسلةٍ من تكرارات لا تضيف الكثير على العرض. ولكن ما لا شك فيه أن المشهدين الأول والأخير، وأداء الثلاثي ميهانسيو ومخايل والغالي، والنص الأدبي، يشكلون كلٌ على حدة جمالية جديرة بالاكتشاف.