في مدينة إدلب، قبل حوالى نصف قرن، كانت تحدثُ أشياء أقرب ما تكون إلى الكوميديا التي تجعل الإنسان يضحك، ليس بسبب روعة العرض المسرحي نفسه، بل بسبب الطريقة التي يُعَدُّ العَرْضُ بموجبها.
ففي تلك الأيام، بدأ شبانٌ من هواة المسرح غير المتخصصين يعملون على إيجاد حركة مسرحية في هذه المدينة الريفية. ولأجل ذلك، هرعوا إلى مكتبة المركز الثقافي، وشرعوا ينقبون عن أعمال مسرحية عالمية أو عربية ومصرية يُخرجونها على نحو بدائي، ويَدْعون الناس، بإلحاح للقدوم إلى مسرح الخنساء ومشاهدة العرض.
كان الناس يأتون مدفوعين بالفضول أو الخجل، لكنّهم يصابون بالخيبة عندما يرون أشياء لا تمت إلى الفن، ولا إلى واقعهم بصلة. وفي الندوة التي تعقب العرض يقولون للفريق المسرحي: "لم تقدموا لنا متعة ولا تسلية ولا فائدة، تباً لكم".
ذات يوم، خطرت لبعض أولئك الهواة فكرة جهنمية، وهي طلب النجدة من مدرسي اللغة العربية في كتابة نصوص مسرحية محلية، تلامس شغف قلوب أهل إدلب. من هنا، بدأت مرحلة العمل التي تحتشد فيه الأخطاء والمشاكل الفنية التي تُسمى، الـ "تخبيص". إذ أصبح "الهابوب" و"الدابوب" (أي من هبّ ودبّ) من الهواة يكتب، أو يُعِدُّ نصاً مسرحياً، ويزيد عليه ويُنقص أثناء البروفات، حتى يراوده الاعتقاد بأنه اكتمل. بعدها، يجمع الجمهور ويُريهم ما تفتقت عنه عبقريته، ليُفاجأ، كالعادة، باستيائهم، وتقريعهم، وأحياناً سبابهم!
ذات يوم، التقى رجل يَدَّعي العبقرية في الشعر والنثر والمسرح، برجل من هواة العمل المسرحي، وقال له: "أنا مستعد أن أكتب نصاً مسرحياً وأقدمه لك هدية، وأنت ضع اسمك عليه، وأخرجه، واحصدْ نجاحاته".
حصل الأمر، وقدّم الثاني النص المسرحي، وأصرّ على عقد ندوة جماهيرية بعد العرض لمناقشته. وقتها، حصد ما لا يحسب الحاسب من اللوم والتقريع والتوبيخ. وفي ذروة المهزلة، وقف كاتب النص الأصلي وقال للمخرج المزعوم: "الله يكسّر يديك على هذا العمل! والله لو أنّك تستحي، لخجلتَ من تأليفه وإخراجه وتقديمه! يا عيب الشوم عليك"!