للعام الثالث على التوالي يقدم الكاتب محمد أمين راضي والمخرج خالد مرعي عملاً "مختلفاً" عن السائد في الدراما المصرية، الاختلاف خطوة أولى جيدة ولكنه لا يعني تميّزاً في حد ذاته.
في أول مسلسلات ثنائية راضي ومرعي، "نيران صديقة" عام 2013، كان الارتكاز على صنع مسلسل تشويقي بخلفية تاريخية واجتماعية للعقود الثلاثة الأخيرة في مصر.
كان عملاً قوياً، فيه عيوب ومبالغات، لكنه يبقى مشدود الوتر عبر حلقاته كلها. في المسلسل الثاني قدموا "السبع وصايا"، مشكلته الحقيقية والجوهرية أنه ظل يحاول توصيف نفسه على اعتباره عملاً فيه عناصر "فوق واقعية/ ميتافيزيقية"، حيث تبدأ الأحداث كلها من اختفاء "جثة"، وحين يحاول في الحلقة الأخيرة أن "يلوي عنق" الدراما ويفسّر الماء بالماء على طريقة "لا نعرف أين ذهبت الجثة" ـ رغم أن كل الأحداث والتفاعلات طوال 29 حلقة انطلقت من كونها اختفت بشكل ميتافيزيقي ـ فإن المسلسل يفقد أي مصداقية أو تراكم، لا يكون هناك مساحة للتصالح مع عيوبه حتى. هذا العام جاء مسلسلهما الثالث، "العهد: الكلام المباح"، فانتازيا غرائبية تحاول إعادة تشكيل التراث العربي من سِيَر وحكايات في صورة درامية جديدة، عن قصة الصراع على عروش ثلاثة كفور.
الشيء الجيد مبدئياً أن المسلسل يتحرك في مساحة مختلفة فعلاً عن السائد، الكاتب محمد أمين راضي لديه موهبة مهمة في جذب انتباه المشاهد، وهو في السنوات الثلاث يذهب لنقاط غير معتادة، وهذا مهم، كما أنه يعيد، إلى جانب مريم نعوم تحديداً وعدد آخر من كتّاب الدراما، فكرة "بريق الكاتب" وليس الممثل، أن يتابع المتفرجون "عملاً" وليس "نجماً".
اقرأ أيضاً: انتهى رمضان... وعادت الحياة إلى استديوهات السينما
كذلك، فإن "الطموح" أمر مهم، طموح الفنان والصانع في أن يخلقا عملاً ملحمياً وتاريخاً خيالياً ممتداً لسنين طويلة، تلك الأرضية خصبة ومن الجيد التحرك فيها بعد انقطاعنا عنها. لكن بعد ذلك، فإن المسلسل فيه من العيوب ما قلّل وقوَّضَ كثيراً من جدية الملحمة، نطرحها هنا كملاحظات في الأساس كان يمكن لها أن تجعل "العهد" أفضل.
من ناحية الكتابة
أمين راضي يتهرَّب بوضوح من مسألة "بطء" الدراما التلفزيونية، لذلك فهو يحاول دائماً أن "يلهث" بالحكاية، ولكن هذا "اللهث" أيضاً... عيب! ليس عيباً في ذاته، لكن لأنه لا يجعل الأحداث تتشكل بهدوء و"حقيقية" وعلى مهل.
السيناريو يبدو طوال الوقت كـ"درافت" أوّلي يحتاج لإعادة الكتابة؛ الأشياء لا "تتأسس".. بل تحدث فجأة، لأن الكاتب يريديها أن تحدث، ما يخلق شعوراً بالتقافز، ويضر بالإيقاع أيضاً وإن كان بشكل عكسي.
ثم إن الشخصيات أحادية جداً، لا يوجد عمق حقيقي في بنائها، هناك خير أو هناك شر، وهناك شخصيات تتنقل هنا وهناك كنتيجة مباشرة لحدث واحد، وليس كتراكم بطيء لوقائع صغيرة كما يحدث للبشر. لا يفسِّر هذا أن العمل "فانتازيا"، لأن أفراده هم "بشر" طبيعيون، والبشر لا يتبدّلون بين ضغطة أزرار وأزرار كما يحدث مع "مهيب" مثلاً، وليسوا شياطين مطلقة الشر كـ"ضوي".
كذلك، فإن العالم الخيالي مرتبك: في حكايات التراث، أو حتى في أي "ريفرانس" حديث من أفلام أو مسلسلات.. جزء من قيمة العمل الفانتازي هو خلقه لعالمه، وفرض قوانينه الخاصة على المشاهد، عالم الأراضي الوسطى مثلاً في "سيد الخواتم" أو عالم ويستروس في "صراع العروش"، أخلاقيات وأديان وأفكار وأحياناً لغات مختلفة. أمين راضي هنا كان مرتبكاً طوال الوقت بين تجريد العالم وبين الاستعانة بسمات واقعية، مثل اللغة (العامية بشكل فج أحياناً)، أو وجود دين إسلامي، بما يشمل أن الحكاية بكل غرائبيتها جرت في آخر 1400 سنة فقط وفي مكانٍ قريب أو مشابه للجغرافيا هنا. هذا الارتباك يحد ويقلّل جداً من خيال المتفرج. خصوصاً مع محاولة الكاتب الدائمة خلق الرمز أو التماس مع الواقع. طيلة الحلقات والمشاهد يحاول إجراء إسقاطات على الأحداث: "فلان هو رمز الإخوان" و"علّان هو شباب الثورة" و"العهد مقصود به الكتب السماوية".. وهذا فشل كبير بالنسبة لعمل يفترض فيه تحرير خيال الناس وليس تقييده برموز وإحالات.
من ناحية التنفيذ
هناك فقر واضح ومحبط جداً في الإنتاج، وفي الخيال الذي يجعلك تتجاوز قلّة الموارد. مشهد الثورة في حلقة 12 مثلاً كارثي، عوضاً عن ضعف الديكور في الكفور الثلاثة، وعدم خلق تباين بصري بينهم، والفشل في خلق "وعي" للمشاهد بأماكنهم وعلاقاتهم ببعضهم.. فإن المجاميع كارثية جداً، عدد قليل للغاية حتى في المشاهد التي تحتاج لوجود حشود، كأن من يعيش في الثلاثة كفور 50 شخصاً على الأكثر في حين يتصارع 15 تقريباً على حكمهم!
اقرأ أيضاً: ثنائيات الأعمال الدرامية 2016
كذلك، هناك مشاكل كارثية في المكياج، العمر لا يمر على أحد، شخصية "سكينة" مثلاً عاشت لقرابة 40 عاماً ـ بحساب الفلاش باك مع "استمنوها" في الحلقة 22 ـ من دون أن يتغيّر شكلها إطلاقاً. ثم إن تنفيذ مشاهد القتل ركيك وضعيف جداً، منذ مشهد قتل سجاج لأمها في الحلقة 2 مثلاً حتى قتلها لـ"ضوي" في حلقة 25 ـ كمثالين كبيرين. جزء من "مهابة الموت" في مسلسل "لعبة العروش" مثلاً هو في الطريقة التي يموت بها الناس، والمشهدية التي يُنقل بها موتهم على الشاشة، وهو ما ينقص "العهد".
ركاكة التنفيذ أيضاً تندرج على الكثير من التفاصيل، حتى البسيط جداً منها، مثل تنكّر سحر في زي رجل، أو الوشم الساذج على خد سوسن، أو المشاهد القتالية لسندس، أو حركة المجاميع بشكل عام.. وعشرات التفاصيل الأخرى.
إضافة إلى كل ما سبق، هناك ضعف في إدارة وتصميم "المشهد" بشكل عام، سواء من ناحية الإضاءة أو حركة الممثلين أو أدائهم للحوار، هناك شكل "مسرحي". "مسرحي" بما لا يليق مع روح الحكاية كعمل فانتازي خيالي يحرر العقل.
بالمجمل هناك "الطموح"، وشد الدراما لأماكن جديدة؛ في العمق.. هناك الكثير من المشاكل، سيكون من المفيد تداركها أو التعلّم منها في الفصل الثاني من الحكاية.
في أول مسلسلات ثنائية راضي ومرعي، "نيران صديقة" عام 2013، كان الارتكاز على صنع مسلسل تشويقي بخلفية تاريخية واجتماعية للعقود الثلاثة الأخيرة في مصر.
كان عملاً قوياً، فيه عيوب ومبالغات، لكنه يبقى مشدود الوتر عبر حلقاته كلها. في المسلسل الثاني قدموا "السبع وصايا"، مشكلته الحقيقية والجوهرية أنه ظل يحاول توصيف نفسه على اعتباره عملاً فيه عناصر "فوق واقعية/ ميتافيزيقية"، حيث تبدأ الأحداث كلها من اختفاء "جثة"، وحين يحاول في الحلقة الأخيرة أن "يلوي عنق" الدراما ويفسّر الماء بالماء على طريقة "لا نعرف أين ذهبت الجثة" ـ رغم أن كل الأحداث والتفاعلات طوال 29 حلقة انطلقت من كونها اختفت بشكل ميتافيزيقي ـ فإن المسلسل يفقد أي مصداقية أو تراكم، لا يكون هناك مساحة للتصالح مع عيوبه حتى. هذا العام جاء مسلسلهما الثالث، "العهد: الكلام المباح"، فانتازيا غرائبية تحاول إعادة تشكيل التراث العربي من سِيَر وحكايات في صورة درامية جديدة، عن قصة الصراع على عروش ثلاثة كفور.
الشيء الجيد مبدئياً أن المسلسل يتحرك في مساحة مختلفة فعلاً عن السائد، الكاتب محمد أمين راضي لديه موهبة مهمة في جذب انتباه المشاهد، وهو في السنوات الثلاث يذهب لنقاط غير معتادة، وهذا مهم، كما أنه يعيد، إلى جانب مريم نعوم تحديداً وعدد آخر من كتّاب الدراما، فكرة "بريق الكاتب" وليس الممثل، أن يتابع المتفرجون "عملاً" وليس "نجماً".
اقرأ أيضاً: انتهى رمضان... وعادت الحياة إلى استديوهات السينما
كذلك، فإن "الطموح" أمر مهم، طموح الفنان والصانع في أن يخلقا عملاً ملحمياً وتاريخاً خيالياً ممتداً لسنين طويلة، تلك الأرضية خصبة ومن الجيد التحرك فيها بعد انقطاعنا عنها. لكن بعد ذلك، فإن المسلسل فيه من العيوب ما قلّل وقوَّضَ كثيراً من جدية الملحمة، نطرحها هنا كملاحظات في الأساس كان يمكن لها أن تجعل "العهد" أفضل.
من ناحية الكتابة
أمين راضي يتهرَّب بوضوح من مسألة "بطء" الدراما التلفزيونية، لذلك فهو يحاول دائماً أن "يلهث" بالحكاية، ولكن هذا "اللهث" أيضاً... عيب! ليس عيباً في ذاته، لكن لأنه لا يجعل الأحداث تتشكل بهدوء و"حقيقية" وعلى مهل.
السيناريو يبدو طوال الوقت كـ"درافت" أوّلي يحتاج لإعادة الكتابة؛ الأشياء لا "تتأسس".. بل تحدث فجأة، لأن الكاتب يريديها أن تحدث، ما يخلق شعوراً بالتقافز، ويضر بالإيقاع أيضاً وإن كان بشكل عكسي.
ثم إن الشخصيات أحادية جداً، لا يوجد عمق حقيقي في بنائها، هناك خير أو هناك شر، وهناك شخصيات تتنقل هنا وهناك كنتيجة مباشرة لحدث واحد، وليس كتراكم بطيء لوقائع صغيرة كما يحدث للبشر. لا يفسِّر هذا أن العمل "فانتازيا"، لأن أفراده هم "بشر" طبيعيون، والبشر لا يتبدّلون بين ضغطة أزرار وأزرار كما يحدث مع "مهيب" مثلاً، وليسوا شياطين مطلقة الشر كـ"ضوي".
كذلك، فإن العالم الخيالي مرتبك: في حكايات التراث، أو حتى في أي "ريفرانس" حديث من أفلام أو مسلسلات.. جزء من قيمة العمل الفانتازي هو خلقه لعالمه، وفرض قوانينه الخاصة على المشاهد، عالم الأراضي الوسطى مثلاً في "سيد الخواتم" أو عالم ويستروس في "صراع العروش"، أخلاقيات وأديان وأفكار وأحياناً لغات مختلفة. أمين راضي هنا كان مرتبكاً طوال الوقت بين تجريد العالم وبين الاستعانة بسمات واقعية، مثل اللغة (العامية بشكل فج أحياناً)، أو وجود دين إسلامي، بما يشمل أن الحكاية بكل غرائبيتها جرت في آخر 1400 سنة فقط وفي مكانٍ قريب أو مشابه للجغرافيا هنا. هذا الارتباك يحد ويقلّل جداً من خيال المتفرج. خصوصاً مع محاولة الكاتب الدائمة خلق الرمز أو التماس مع الواقع. طيلة الحلقات والمشاهد يحاول إجراء إسقاطات على الأحداث: "فلان هو رمز الإخوان" و"علّان هو شباب الثورة" و"العهد مقصود به الكتب السماوية".. وهذا فشل كبير بالنسبة لعمل يفترض فيه تحرير خيال الناس وليس تقييده برموز وإحالات.
من ناحية التنفيذ
هناك فقر واضح ومحبط جداً في الإنتاج، وفي الخيال الذي يجعلك تتجاوز قلّة الموارد. مشهد الثورة في حلقة 12 مثلاً كارثي، عوضاً عن ضعف الديكور في الكفور الثلاثة، وعدم خلق تباين بصري بينهم، والفشل في خلق "وعي" للمشاهد بأماكنهم وعلاقاتهم ببعضهم.. فإن المجاميع كارثية جداً، عدد قليل للغاية حتى في المشاهد التي تحتاج لوجود حشود، كأن من يعيش في الثلاثة كفور 50 شخصاً على الأكثر في حين يتصارع 15 تقريباً على حكمهم!
اقرأ أيضاً: ثنائيات الأعمال الدرامية 2016
كذلك، هناك مشاكل كارثية في المكياج، العمر لا يمر على أحد، شخصية "سكينة" مثلاً عاشت لقرابة 40 عاماً ـ بحساب الفلاش باك مع "استمنوها" في الحلقة 22 ـ من دون أن يتغيّر شكلها إطلاقاً. ثم إن تنفيذ مشاهد القتل ركيك وضعيف جداً، منذ مشهد قتل سجاج لأمها في الحلقة 2 مثلاً حتى قتلها لـ"ضوي" في حلقة 25 ـ كمثالين كبيرين. جزء من "مهابة الموت" في مسلسل "لعبة العروش" مثلاً هو في الطريقة التي يموت بها الناس، والمشهدية التي يُنقل بها موتهم على الشاشة، وهو ما ينقص "العهد".
ركاكة التنفيذ أيضاً تندرج على الكثير من التفاصيل، حتى البسيط جداً منها، مثل تنكّر سحر في زي رجل، أو الوشم الساذج على خد سوسن، أو المشاهد القتالية لسندس، أو حركة المجاميع بشكل عام.. وعشرات التفاصيل الأخرى.
إضافة إلى كل ما سبق، هناك ضعف في إدارة وتصميم "المشهد" بشكل عام، سواء من ناحية الإضاءة أو حركة الممثلين أو أدائهم للحوار، هناك شكل "مسرحي". "مسرحي" بما لا يليق مع روح الحكاية كعمل فانتازي خيالي يحرر العقل.
بالمجمل هناك "الطموح"، وشد الدراما لأماكن جديدة؛ في العمق.. هناك الكثير من المشاكل، سيكون من المفيد تداركها أو التعلّم منها في الفصل الثاني من الحكاية.