تثير مشاريع استصلاح الأراضي الزراعية في موريتانيا غضب المزارعين والقبائل التي تسيطر على الأراضي وسط وجنوب البلاد، خاصة المشاريع الضخمة التي تنفذها الهيئة العربية للاستثمار الزراعي وشركة "الراجحي" السعودية، حيث لم تستطع هذه الأخيرة الاستمرار في تهيئة وزراعة أراض خصبة جنوب البلاد بسبب رفض المزارعين استغلال الأراضي من طرف المستثمرين الأجانب.
ويعاني سكان قرى دار البركة وولد بيرام ودار العافية وشمامة من وضعية صعبة بسبب الإجراءات المقام بها لتهيئة أراضيهم الزراعية، لتنفيذ مشروع مساحته 10 آلاف هكتار قررت الدولة تنفيذه في هذه المنطقة لصالح الهيئة العربية للاستثمار الزراعي.
ويطالب سكان هذه القرى بإلغاء هذا المشروع لأنه يؤثر سلباً على مشاريعهم الزراعية الحالية ويشكل خرقاً للنصوص التشريعية لمدونة الزراعة، كما أنه يتسبب في خنق الحياة البشرية والحيوانية في هذه المنطقة الغنية بمخزونها الرعوي، الذي يجذب مجموعات الرحل ومربي الماشية.
كما يواجه مشروع الراجحي صعوبات كبيرة بسبب رفض قبائل المنطقة التخلي عن أراض قامت الدولة بتوقيع عقد تأجيرها لمجموعة الراجحي السعودية، في ولايتي الترارزة والبراكنة جنوب البلاد لزراعة القمح والذرة الشامية وأنواع متعددة من الخضراوات، حيث تستثمر المجموعة السعودية بموجب هذه الصفقة مليار دولار في مشاريع زراعية وأخرى تهتم بتنمية الثروة الحيوانية والسمكية بأنواعها كالاستزراع المائي والصيد البحري.
ورغم مرور أربع سنوات على توقيع اتفاقية التعاون بين تحالف الراجحي والحكومة الموريتانية، بهدف تطوير القطاع الزراعي في منطقة شمامة باستخدام أساليب حديثة، إلا أن المشروع لم يتقدم بل توقف منذ الاحتجاجات التي قام بها السكان ورفضهم الترخيص لشركات أجنبية بالاستثمار في أراض تعود ملكيتها لفقراء يعملون في الزراعة وهذه الأرض هي مصدر دخلهم الوحيد.
وتعتبر بعض القبائل التي تستوطن منطقة شمامة ودار البركة أن هذه الأراضي ملك جماعي لا يمكن استغلاله من طرف مستثمرين أجانب، وتطالب السلطات بالتشاور مع السكان واستشارتهم في كافة الإجراءات المتعلقة بعقاراتهم، مما أثار جدلاً واسعاً في موريتانيا وطرح أسئلة حول أحقية السكان في منع مشاريع تعود بالنفع العام على البلاد، ومدى قانونية العقود الموقعة مع شركة "الراجحي" والهيئة العربية للاستثمار الزراعي.
ووجدت السلطات نفسها بين سندان الوفاء بتعاقداتها مع المستثمرين ومطرقة السيطرة على السكان الأصليين، الذين أصبحوا لا يبالون بتهديد السلطات لهم في سبيل وقف مشاريع استصلاح أراض عادت عليهم بالخسائر الكبيرة. ويقول أحمد ولد بازيد، أحد مزارعي منطقة شمامة أن هذه المشاريع أوقفت الحياة في المنطقة وفرقت العوائل ومنعت الفلاحين من الاستفادة من الأراضي الخصبة وأبعدت المراعي عن مربي الماشية الذين أصبحوا مضطرين إلى قطع مسافات كبيرة من أجل إيجاد مراع جديدة.
ويضيف أن أغلب هذه الأراضي تعود ملكيتها لفقراء يعملون في الزراعة وهذه الأرض هي مصدر دخلهم الوحيد، لذلك فهم لن يتوانوا عن تنظيم تحركات احتجاجية للتعبير عن رفضهم الترخيص لشركات أجنبية بالاستثمار في أراض انتزعت منهم بطرق غير قانونية.
ويشتكي سكان القرى المحاذية للمنطقة المخصصة لمشاريع الاستصلاح الزراعي التي تنفذها شركة الراجحي أو الهيئة العربية للاستثمار الزراعي من تسييج الأراضي وقطع الطرق بين القرى دون أن يتمكن المزارعون من الاستفادة من استصلاح الأراضي بسبب توقف أغلب المشاريع، مما أرخى بظلاله على اقتصاد المنطقة الجنوبية وتنميتها.
ويرى الخبراء أن بعض الصفقات التي وُقعت مع شركات سعودية كانت بدافع استغلال ظرف سياسي أو لمجاراة تقارب بين قيادتي البلدين، في انتظار أن تكشف الخبرة عن مدى النجاعة الاقتصادية لهذه المشاريع، فإذا لم تستطع الشركات تنفيذها يتم تعويضها بمشاريع أقل قيمة اقتصادية أو بالتبرع بالأموال.
ورغم الهالة الإعلامية التي ترافق المشاريع السعودية التي توقعها الحكومة الموريتانية، إلا أن أغلب هذه المشاريع لا يتم تنفيذها في النهاية لأسباب متعددة أهمها توقيع هذه المشاريع تحت ضغط ظرف سياسي قاهر.
ويقول الباحث الاقتصادي، أحمد ولد محمد إبراهيم، إن كل الدلائل تشير إلى أن هناك صعوبات تواجه مشروع الراجحي الذي لم يتقدم منذ انطلاقته، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل هذا المشروع الضخم.
ويضيف الباحث أن استصلاح أرض "متنازع عليها" سيواجه عدة مشاكل رغم حاجة البلاد إلى زيادة الأراضي الصالحة للزراعة وجذب الاستثمارات الأجنبية، ويعتبر أن السلطات أخطأت حين غامرت بتوقيع اتفاقية تأجير الأراضي بسبب عدم قانونية العقود وعدم وضوح بنود العقد.
ويطالب الباحث الحكومة بالبحث عن مستثمرين قادرين على الوفاء بالتزاماتهم، حتى لا يتكرر ما حدث وتبقى عشرات الآلاف من الهكتارات وقفا على مستثمرين لا يفون بعهودهم.
وكانت الحكومة الموريتانية قد وقعت اتفاقية عام 2013 مع شركة الراجحي لاستصلاح أراض جنوب البلاد وزراعة القمح والذرة الشامية وأنواع متعددة من الخضراوات. وتستثمر المجموعة السعودية بموجب هذه الصفقة مليار دولار في مشاريع زراعية وأخرى تهتم بتنمية الثروة الحيوانية والسمكية بنوعيها الاستزراع المائي والصيد البحري.
كما وقعت الحكومة مع الهيئة العربية للاستثمار الزراعي مشروعاً يتعلق بـ 10 آلاف هكتار ستخصص منها 3200 هكتار لزراعة الخضراوات، من خلال عقد إيجار لمدة 25 سنة أراضي منطقة دار البركة. وتقول الحكومة إنها لاحظت غياب أي استغلال حالي أو أي آثار مترتبة عن استغلال سابق لهذه الأراضي، مؤكدة أنها تتفهم الحيازة التقليدية للأراضي وتعترف بالملكية العقارية الخصوصية وتحميها، لكنها في نفس الوقت لا تتقبل منطق ملكية المجموعة الاجتماعية في ظل الدولة المركزية الموحدة، معتبرة أن بإمكان الدولة نزع الملكية الفردية عن أي عقار شخصي، إذا اقتضى ذلك تنفيذ مشاريع ستساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد.
وكانت الحكومة تعوّل على تطوير القطاع الزراعي، الذي تعتبره طوق نجاة ينقذها من استيراد 67% من حاجيات البلاد الغذائية، ويشغل اليد العاملة ويسمح باستغلال الأراضي الزراعية الشاسعة غير المستغلة في البلاد.
وتقدر الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة في موريتانيا بنصف مليون هكتار، منها 137 ألف هكتار تروى بمياه نهر السنغال، وهي أراض خصبة جداً وتضم أراضي منطقة شمامة، ونحو 240 ألف هكتار تروى بمياه الأمطار، أما الباقي فيروى بمياه السدود. وتعوّل موريتانيا على هذه الأراضي بشكل كبير في المساهمة بصفة فعالة في محاربة الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي خاصة في الوسط الريفي.