وسط أصوات القذائف والدمار التي تعصف بمعظم أنحاء سورية، يتابع سكان العاصمة السورية دمشق مباريات مونديال البرازيل، ليكون متنفساً على حساب المعارك الجارية على تخوم دمشق، فتمتلئ المقاهي عند عرض المباريات بعشاق الرياضة الذين هربوا من الحرب وأخبارها.
الكرة جمعت من تفرقوا
نور، (22 عاماً) يتابع المونديال في أحد مقاهي العاصمة، قال لـ"العربي الجديد": متابعة المباريات سمحت للناس بالاجتماع بهذه الكثافة ولأوقات متأخرة من الليل، الأمر الذي افتقده سكان العاصمة منذ بداية الحرب، وعند بدء المباراة يتناسى الناس جميع الخلافات السياسية، وتُلغى الفروق بين موالين ومعارضين، بين النازحين وسكان دمشق، ينقسم الجميع بين الفريقين المتنافسين، وتكون قلوبهم وأنظارهم مشدودة إلى الكرة، فانتباههم ينحصر، خلال وقت المباراة، حول هوية الفائز والخاسر فقط.
المونديال أفضل من الأخبار
يقول جميل (23 عاماً) ساخراً: أفضّل متابعة المونديال على مشاهدة الأخبار، ففي المباراة هناك وقت محدد لكي ينتصر أحد الفريقين، أما في سورية فثلاث سنوات ونحن نموت ولم ينتصر أحد، سئمنا مشاهد الحرب والدمار، أجمل ما في الرياضة أن النصر يكون بلا دماء أو قتل وفي النهاية يتصافح الفريقان، بعكس عقلية الانتقام والتشفي التي تسيطر على عقلية المتصارعين في سوريا".
الميول السياسية تقحم نفسها
بالرغم من أن الرياضة شغلت معظم الناس، وخصوصاً فئة الشباب لكن في كثير من الأحيان تتداخل الميول السياسية بالتشجيع الرياضي، فكان تشجيع المعارضين للنظام منسجماً مع موقفهم السياسي في الوقوف ضد منتخبي روسيا وإيران، فما أن خسرت إيران أمام الأرجنتين حتى بدأت التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
كتب أحدهم، "ميسي المنتظر"، في إشارة إلى "الإمام المهدي المنتظر"، بينما علّق آخر متهكماً: الحرس الثوري الإيراني سيقوم باغتيال النجم ميسي، صاحب الهدف، بتهمة العمالة لإسرائيل، كما رفع ناشطون سوريون علم الثورة السورية في مباراة إيران والبوسنة والتي خرجت على إثرها إيران من المونديال.
فيما يقول عمار (32 عاماً) معارض ومعتقل سابق: لا يمكن أن أنظر الى المنتخب الإيراني مثلما كنت أنظر إليه سابقاً، في السابق كنا نتعاطف مع الفرق الصغيرة التي تنافس المنتخبات الكبيرة، أما الآن فلا يمكنني أن أتعاطف مع المنتخب الإيراني، لقد كان خروجه من المسابقة بمنزلة انتصار كروي للمعارضين".
أجواء المونديال اختلفت عما كانت عليه قبل الحرب الدائرة في البلاد، غابت عن دمشق في هذا المونديال، أعلام فرق الدول المشاركة في النهائيات، بناء على تعليمات أمنية صارمة بمنع رفع أي علم باستثناء علم النظام، باعتبار أن هناك دولا كانت ضد النظام وهي التي منعت إجراء الانتخابات الرئاسية على أراضيها.
البحث عن البث
أعاد المونديال الناس إلى متابعة القنوات الأرضية التي كادت أن تنقرض بعد ثورة "الستالايت" والمحطات الفضائية، فبدأ سكان العاصمة يبحثون عن الهوائيات اللاقطة للترددات الأرضية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها، فالهوائي الصغير قفز سعره من 250 ليرة سورية إلى 600 ليرة أي ما يقارب الـ 4 دولارات.
قناة "الدنيا" الخاصة المقربة جداً من النظام، وجدت في كأس العالم فرصة للانتقام فقامت بقرصنة بث قنوات "بي إن سبورتس" القطرية التي يتطلب الاشتراك فيها ما يقارب من 350 دولاراً، ونقلت بذلك المباريات مجاناً عبر قناة حملت اسم "سوريا المونديال" التي أطلقتها أخيراً.
وكانت قناة "الدنيا" الفضائية، قد توقفت عن البث عبر قمري "عربسات ونايلسات" بفعل قرارات جامعة الدول العربيّة في معاقبة النظام السوري وبعض من يدور في فلكه.
يقول عمار (19 عاماً): أنا لا أبالي إذا كانت المباراة التي أشاهدها مقرصنة أم لا، كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية وخصوصاً بين الفقراء، يجب أن تكون مشاهدتها متاحة للجميع، وأعتقد أن احتكار بثها هو أمر غير أخلاقي.
مضيفاً: بث مباريات المونديال على القناة الأرضية مجاناً خفف علينا عبء دفع الاشتراك، أو ارتياد المطاعم والمقاهي لحضور المباريات، الآن أستطيع متابعة المباريات من دون أي مصاريف، لكن في كثير من الأحيان فإن انقطاع التيار الكهربائي يحول دون ذلك.
"تنسجم سرقة بث المباريات، مع أخلاق النظام ومن يواليه، فهو لا يحترم أي قوانين". هذا ما قاله الإعلامي السوري (أبو الهدى). ويضيف: أعتقد أن هذه كانت محاولة تلميع صورة النظام وكسب ود جمهوره وإلهائه عما يدور في سوريا، وزجهم في الحرب الكروية عوضاً عن بقائهم في مدار الحرب السياسية والعسكرية.
لقد شكل المونديال فرصة للسوريين للابتعاد عن السياسة، لكنه كان أيضاً، في كثير من الأحيان، مساحة عكست التجاذبات السياسية الحاصلة على الأرض السورية.