يتصاعد الآن وأكثر من أى وقت مضى النقاش حول الحالة المزاجية للمصريين، عبر طرح أسئلة حول مؤشر الفرح والسعادة أو حول نمط الحياة التي يعيشها أغلب قطاعات المجتمع، وبات واضحا أن تكالب الأعباء والأزمات الاقتصادية بات أثره واضحا، تلك الأعباء تدفع الحزن للتمظهر كبديل للبهجة والحس الساخر المعهود لدي المجتمع المصري.
وهنا تحتل مؤشرات الاقتصاد وضعا مركزيا يمكن من خلاله قياس مدى حالة الرضا، وبالتالي انعكاس ذلك على تشكل حالة من الحزن أو السعادة، ولعل الاستناد إلى مؤشرات الاقتصاد وربطها بنمط حياة الناس ومدى تأثيره في منظور اقتصادي أكثر صدقا وموضوعية من الاتجاهات التي تستند إلى مؤشرات اقتصادية تخفي أكثر ما تظهر، وتطرح الأرقام بمعزل عن الاقتصاد المعاش أو الاقتصاد الاجتماعي بوصفه علما شديد الارتباط بحياة الناس.
والاستناد إلى مؤشرات الاقتصاد وكيف يشكل نمط الحياة، هو جوهر علم الاقتصاد، وحين يتعامل الاقتصاديون مع آثار السياسات الاقتصادية بوصفها عاملا مركزيا في تشكيل أمزجة الناس بجانب الثقافة، فإن ذلك أكثر إنسانية وعلمية أيضا، وهو طرح واتجاه مغاير عن ذلك الاتجاه الذي يري في النجاح الاقتصادي مؤشرات بحتة منفصلة عن أحوال الطبقات الاجتماعية.
هنا الاقتصاد لا يتوقف عند مؤشرات النمو وارتفاعها وانخفاضها وحسب، ولكن يقيس كيف أثر النمو على حياة البشر، وهل انعكست نتائجه على المجتمع بشكل إيجابي، أم إن عوائد هذا النمو تجنيه أقلية محدودة أو يتم تبديده بحيث لا يستفيد منه المجتمع.
على سبيل المثل ومنذ عام تعد الحكومة المصرية بتحسن الاقتصاد وتنشر مؤخرا أرقاما حول ارتفاع معدل النمو والاستثمارات والسياحة، فهل استفاد المواطنون من هذا الارتفاع، الإجابة ممكنة من خلال تحليل نمط الحياة والأنشطة اليومية لقطاعات من المجتمع، وبهذا التحليل الاجتماعي الاقتصادي يمكن فهم أوضاع الطبقات فى المجتمع.
يستطيع المتابع لحياة المصريين اليوم أن يكتشف نمط الحياة البائس بداية من معدلات التلوث بأنواعها وصولا إلى الزحام وصعوبة الموصلات، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم بشكل غير مسبوق، مما يعنى أن الحياة اليومية للمواطنين العاملين بأجر (25 مليون شخص) أوضاعهم بائسة بحكم انخفاض أجورهم بعد تعويم الجنيه، وبحكم ارتفاع مستوى الأسعار بشكل مؤلم وغير مسبوق ( 35%).
أما المعطلون والذين يقدرون حسب أرقام الحكومة بأربعة ملايين فحدث ولا حرج عن نوبات الإحباط وفقدان الأمل، ومن هذا المنطلق ليس مستغربا أن ترى البؤس في وجوه المصريين واضحا وكاشفا، وليس ما كشفه مؤشر البؤس العالمي مؤخرا عن ارتفاع مؤشرات البؤس في مصر أمرا صادما، فالكل يعلم كيف يسرق نمط الحياة البائس أعمار المصريين وفرصهم في البهجة، وكيف أصبحت الأيام ذات ظل ثقيل على كل عائل أسرة يستهدف في هذه الأيام توفير المصاريف الدراسية من أدوات مدرسية ارتفعت أسعارها ووصل بعضها إلى 200% حسب تقرير الغرفة التجارية.
ويمكنك أيضا تتبع ارتفاع أسعار الملابس والتي وصلت نسبة ارتفاع بعضها إلى 100% منذ شهر مارس الماضي حسب بيانات غرفة الملابس الجاهزة، أما أسعار الغذاء وخاصة اللحوم فقد أخذت في الارتفاع بشكل متواتر كانت آخر موجاتها خلال الأضحى، ناهيك عن زيادة أسعار الأضاحي هذا العام.
كشف عيد الأضحى الماضي عن مؤشرات تظهر تراجع الإنفاق على الترفيه والتنزه، ودلت صور الشوارع والمتنزهات على ميل المصريين إلى السكون فى بيوتهم خلال أيام العيد، فغابت الحركة وساعات الفرحة الموسمية تحت اعتبارات تكلفة التنزه، وحل الحزن الظاهر أو المستتر مكان مساحات السعادة، أوقف العوز والعجز عن تدبير مصاريف التنزه الانطلاق والبهجة.
وهذا مشهد للاقتصاد الاجتماعي الذي لا يريد البعض الحديث عنه ويكتفون بالحديث عن مؤشرات وأرقام تحاول إقناع البعض بصحة السياسات الاقتصادية التي يطبقها النظام، وهذه الأرقام الدعائية منفصلة عن نمط الحياة، يحدثونك مثلا عن ارتفاع عوائد السياحة إلى 170%، لكن لا يحدثونك عن عدد المتعطلين في قطاع السياحة، وهل أرقامهم المعلنة تعني زيادة نسب التشغيل!!
هناك مؤشرات أخرى دلت على احتجاب الاحتفال بالعيد، فعلى سبيل المثل تراجع عدد زوار المتنزهات والحدائق كحديقة الحيوان (40 ألفا خلال اليوم الأول) والقناطر الخيرية، كما تراجع عدد مشاهدي السينما قياسا بالعام الماضي، حيث تراجعت عائدات مجمل الأفلام المعروضة حتى انتهاء أيام العيد (42 مليون جنيه).
وتراجع أيضا عدد زوار المتنزهات بالمحافظات، كمحافظة أسوان التي زار السد العالي خلال أول أيام العيد أقل من ألف زائر، أغلبهم من الأجانب، بينما انخفض زوار الحدائق العامة بالمحافظة التي شهدت القبض على 24 شابا نوبيا بسبب تغنيهم بكلمات عن النوبة القديمة وحنينهم إلى قراهم التي هجروا منها.
مشهد آخر حزين، قبل عيد الأضحى لم تصرف المعاشات، وتعللت الحكومة بتطبيق القانون فقضى 9 ملايين مواطن العيد بلا رواتب، رغم أن أموال المعاشات هي بالأساس أموالهم المودعة لدى الحكومة، بينما تفصل الحكومة قوانين خصيصا لخدمة فئات محددة، فتمنح الأراضي وتعفى من الضرائب تحت بنود حفز الاستثمار.
ونسيت الحكومة أن قانون المعاشات رقم 79 لعام 1957 تلزم مادته 255 أن تصرف أموال المعاشات في اليوم الأول من الشهر الذي تصادف مع أول أيام العيد، بينما تم صرف المعاشات بعدها بأربعة أيام، لكنْ للحقيقة أوجه أخرى، فالحكومة تودع أموال المعاشات من المسنين والأرامل والأيتام فى بنوك استثمارية لا تستطيع تحريكها بسهولة، وربما كانت تستهدف من تأخير المعاشات تحصيل الفوائد البنكية على الأموال المودعة.
كل التفاصيل السابقة ربما تشكل لنا صورة عن المصريين، كيف يعيشون في ظل الأزمات وكيف تخطف منهم الفرحة ويسرقها اللصوص حتى كادت تحتجب حتى في العيد.