أكثر من ثماني سنوات مرّت على احتجاجات الحركة الخضراء في إيران، وما زالت تبعاتها تتردد في الداخل. سنوات غاب فيها الإصلاحيون عن المشهد السياسي أحياناً، وابتعدوا متعمدين في أحيان أخرى، فيما يخضع رمزا الحركة مير حسين موسوي ومهدي كروبي للإقامة الجبرية، ويُمنع الرئيس الإصلاحي السابق، محمد خاتمي، من الظهور العلني ومن إبداء تصريحات تتبادلها وسائل الإعلام الرسمية. لكن المحسوبين على هذا التيار وبعض الداعمين له، بدأوا الترويج أخيراً لمشروع تحت عنوان "المصالحة الوطنية"، في محاولة ليكون مقدمة لإلغاء الأحكام بحق هؤلاء، وربما لمشاركة فاعلة في انتخابات الرئاسة المرتقبة في 19 مايو/أيار المقبل.
وطُرح المقترح بداية من طرف خاتمي ذاته، الذي رأى أنه يتناسب وظروف المرحلة، بوصول دونالد ترامب إلى الرئاسة في أميركا، وبدء إطلاقه تهديدات يؤيدها الجمهوريون والمتطرفون في واشنطن. وهو أمر يستدعي التقارب داخلياً في إيران، مؤكداً أن وجود مثل هذا التهديد ضد بلاده يعني أن الكل سيقفون صفاً واحداً للدفاع عنها وعن نظامها وعن ثورتها الإسلامية، حتى بوجود وجهات نظر مختلفة تتعلق بقضايا أخرى، كما قال.
تصريحات قد لا تكون جديدة بمضمونها على خاتمي بقدر ما هي موجهة بشكل مباشر إلى رموز التيارات السياسية، في وقت يستعد فيه الكل لخوض الاستحقاق الرئاسي. استحقاق قد لا ينجح الإصلاحيون مجدداً بتقديم اسم مرشح واحد ليمثلهم خلاله، بعد اختيارهم سابقاً دعم الرئيس الحالي، حسن روحاني. وهو ما ساعدهم على العودة تدريجياً إلى مراكز صنع القرار منذ أكثر من ثلاثة أعوام، والتي غابوا عنها في سنوات سابقة بسبب غياب رموزهم وتفرق كلمتهم.
شرح السياسي الإصلاحي، مصطفى تاج زاده، ما اقترحه خاتمي لوكالة "إيلنا"، معتبراً أنه "يهدف إلى حماية مستقبل إيران، ولا يعني أنه يجب أن تقدم بعض الأطراف اعتذارها، بل على الجميع قبول واقع وجود اختلاف في وجهات النظر". كذلك قال رئيس جبهة الأمل الإصلاحية في البرلمان، المرشح الرئاسي السابق محمد رضا عارف، إنه "تم تقديم مقترح لتشكيل لجنة حوار وطني، ضمن هذه الجبهة نفسها في وقت سابق، لكن المشروع الجديد يعني طرح الفكرة بجدية أكبر". في المقابل، احتج المحسوبون على المحافظين على الفكرة برمتها، معتبرين أن "تسميتها مصالحة وطنية لا تتناسب أساساً والواقع الموجود، كونه لا يوجد خلاف في الشارع الإيراني يحتاج إلى مصالحة وطنية".
أمر علق عليه المرشد الإيراني علي خامنئي بنفسه لاحقاً، وجدد التأكيد على أنه لا يوجد بين الإيرانيين شرخ لترميمه أصلاً، مضيفاً أن "المواطنين لن ينسوا من أهانوا ذكرى عاشوراء في عام 2009، وخرجوا للاحتجاج وضربوا وشتموا آخرين". والجدير بالذكر أن خروج المحتجين في ذلك اليوم بعد أن تطورت احتجاجات الحركة الخضراء، هو ما أثار حنق المحافظين، وغيرهم كذلك من الشارع الإيراني نفسه، وهو ما تسبب بشكل أو بآخر بإنهاء تلك المرحلة.
ما جاء على لسان المرشد يوم الأربعاء الماضي، تم تفسيره بطريقتين، فرأى المحافظون من ناحية أن كل فكرة المشروع قد انتهت بصدور رأي المرشد، وبأن اقتراحها غير منطقي من الأساس، معتبرين أن مسيرات إحياء ذكرى الثورة الإسلامية في 10 فبراير/شباط الحالي، أثبتت أن كلام مقترحي المشروع غير صحيح، إثر خروج الجميع من كل الأطياف لتجديد الدعم لبلادهم. وهو ما تكرر على لسان أئمة صلاة الجمعة في مدن إيرانية عدة خلال خطبتهم قبل ثلاثة أيام.
لكن من ناحية ثانية، فسّر الإصلاحيون كلام المرشد بطريقة أخرى، فرأوا أنه لا يعني حسم المقترح سلباً، فنقلت صحيفة "همدلي" عن السياسي المقرب من الإصلاحيين، أفشين علاء، قوله إن "ما يقصده المرشد بالقول إنه لا حاجة إلى مصالحة وطنية، يعني أنه متأكد من تقارب الجميع من بعضهم البعض، وهو ما يدل على رحابة وسعة صدره إزاء كل التيارات السياسية".
وأضاف علاء أن "تحفّظ المرشد ليس بالأمر الجديد، وقد اختلف في وجهات النظر أحياناً مع الرئيس السابق، أكبر هاشمي رفسنجاني، واختلافه مع خاتمي ليس بجديد أيضاً، لكن هذا لا يعني أن هذا الأخير سيحول الأمور إلى جلبة كبرى".
الإصلاحي صادق زيبا كلام قال للصحيفة عينها إن "تصريحات المرشد لا تعني إقفال الباب أمام المشروع المطروح، ولكن يبدو أنه يطلب من بعض الأطراف اتخاذ موقف واضح إزاء ما حدث في ذكرى عاشوراء بالذات عام 2009. وهو الأمر الذي أدى إلى تأجيج الأوضاع كونها فُسّرت كإهانة". واعتبر أنه "للمرة الأولى لم يستخدم المرشد مصطلح الفتنة، ولكنه فصل بين ما حدث من احتجاجات على نتائج الانتخابات، وبين المس بالعقائد الدينية للإيرانيين"، حسب تعبيره.
وفي وقت سابق، كان نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي مطهري، المعروف بتحفظاته إزاء المتشددين من المحافظين، والذي طالب علناً في المجلس بإلغاء الإقامة الجبرية عن كل من موسوي وكروبي، قد ذكر أن الإبقاء على هذا القرار لن يكون لصالح البلاد، مطالبا بمحاكمتهما قانونياً إن استلزم الأمر.
ووجّه، أمس السبت، رسالة إلى الادعاء العام في البلاد، مطالباً فيها بتطبيق العدالة، وانتقد ما جاء على لسان المدعي، جعفري دولت أبادي، الذي ذكر أن الإقامة الجبرية قرار وطني ورفض إبداء الآراء حولها. واعتبر مطهري أن قرار الإقامة الجبرية دون الخضوع لمحاكمة يخالف القانون، وأن إبداء وجهات النظر ليس ممنوعاً.
وجاء ذلك في وقتٍ استطاع فيه الإصلاحيون العودة تدريجياً إلى البرلمان الإيراني عقب الانتخابات التشريعية، التي جرت العام الماضي، وكان هذا بفضل تيار الاعتدال برئاسة روحاني، وهو التيار الذي يضم شخصيات معتدلة من الإصلاحيين والمحافظين على حد سواء. وتقدّم هؤلاء للانتخابات بلوائح مشتركة مع الإصلاحيين وهو ما ساعدهم على العودة. كما عقبت الخطوة وفاة الأب الروحي للاعتدال، هاشمي رفسنجاني، الذي استطاع تحقيق التوازن بين المحافظين والإصلاحيين، وخرج الملايين في جنازته من كافة الأطياف، ومن السياسيين المحسوبين على كل التيارات، ورفعوا بعض شعارات الإصلاحيين للتذكير بضرورة عودتهم بقوة، وهو ما يجعلهم يحاولون جاهدين عساهم ينعشون تيارهم، وهو ما قد توفره الظروف الراهنة.