ولم ترشح معلومات مؤكدة عن مجريات الاجتماعات المتواصلة، منذ عدة أيام في مدينتي جنيف وفيينا، بين مسؤولين روس وأميركيين، بينهم خبراء عسكريون، من أجل بلورة اتفاق بين الطرفين حول التنسيق العسكري والاستخباراتي في سورية لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وجبهة النصرة، التي غيّرت اسمها منذ أيام إلى جبهة فتح الشام.
ويبدو أن دي ميستورا ينتظر نتائج اجتماعات جنيف كي يحسم موقفه من مسألة تحديد موعد جولة جديدة للمفاوضات السورية، ويتوقع مراقبون أن يتم عقدها خلال شهر أغسطس/آب الجاري، في حال لم يعصف بها ما جرى ولا يزال يجري في مدينة حلب المحاصرة. ومن غير المستبعد أن يتعثر استئناف مفاوضات جنيف نتيجة حصار حلب وقصفها. فقد حذرت الولايات المتحدة من إيقاف التعاون مع روسيا الاتحادية، أبرز حلفاء نظام الأسد، في حال اكتشافها أنها تعرضت لما سماه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بـ"الخدعة" من قبل الروس.
وريثما تأتي اجتماعات جنيف بجديد، راح دي ميستورا يجس نبض طهران عبر زيارة، استهلها أمس الأحد، باجتماع عقده مع رئيس الدائرة العربية والأفريقية في الخارجية الإيرانية، حسين جابري أنصاري، لبحث تطورات الملف السوري.
اللافت أن جميع الأنظار تتجه سياسياً إلى حلب، التي يرى مراقبون أن مستقبل سورية يُرسم الآن فيها. وتحاول فصائل المعارضة "امتصاص الصدمة" والاستعداد لشن هجوم "معاكس" في حلب، وفق مصادر في "جيش الفتح"، الذي يضم أكبر فصائل المعارضة السورية المسلحة. ومن شأن هجوم كهذا، إنْ نجح، أن يؤثر جدياً على المزاج السياسي العام الذي يسعى الأميركيون والروس والإيرانيون وكل حلفائهم إلى فرضه على المعارضة بهدف إنهاء الثورة السورية.
واستبعدت مصادر في المعارضة إمكانية العودة القريبة إلى طاولة التفاوض في جنيف، كاشفة في حديث مع "العربي الجديد" عن أن دي ميستورا عرض على الأمم المتحدة مشروع حل سياسي للمرحلة الانتقالية، يتضمن بقاء الأسد في السلطة لمدة عام ونصف العام، مع نقل بعض صلاحياته إلى ما يُسمى "حكومة وحدة وطنية"، أو هيئة حكم منقوصة الصلاحيات، مع "تحديد شروط تمنعه من الترشح في انتخابات رئاسية تعقب المرحلة الانتقالية". وأضافت المصادر، التي وصفت هذا الاقتراح بـ"الخطير"، أنه ربما يكون هذا "العرض" هو ما أوصل نائب مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، رمزي عز الدين رمزي، إلى دمشق أمس الأحد، لأخذ الضوء الأخضر من قيادة النظام السوري قبل طرحه رسمياً، مثلما كان يفعل فريق دي ميستورا منذ عامين، لناحية التنسيق الكامل مع النظام بشكل تأتي مشاريع حلوله في خدمة هذا المعسكر.
وفي السياق نفسه، أعلن رئيس هيئة التنسيق الوطنية، حسن عبد العظيم، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن المعارضة السورية ناقشت خلال اجتماع الهيئة العليا للمفاوضات، في مقرها في العاصمة السعودية الرياض، منتصف الشهر الماضي، مشروع اتفاقية إطار تنفيذي للعملية السياسية التفاوضية بجميع مراحلها، بما في ذلك الانتقال السياسي، وهيئة الحكم الانتقالي، والمؤسسات التنفيذية، والتشريعية واﻹدارية، ومجلس القضاء الأعلى، والمجلس العسكري. وأشار عبد العظيم إلى أن المعارضة "اتفقت على استئناف المشاركة في العملية التفاوضية في مؤتمر (جنيف3) بدون شروط مسبقة، كما نص بيان (جنيف1) والقرار 2118 والقرار 2254 والقرارات الدولية ذات الصلة، ومتابعتها دون توقف حتى إنجاز الحل السياسي قبل نهاية شهر سبتمبر/أيلول المقبل"، وفق قول عبد العظيم.
من جانبه، اعتبر الائتلاف الوطني السوري إعلان روسيا عن فتح "ممرات آمنة" في حلب "مخالف لقرار مجلس الأمن 2254 بخصوص الحل السياسي في سورية"، محذرا على لسان نورا الأمير، وهي عضو هيئته السياسية، مما سماها بـ"الخديعة السياسية" التي "تحاول أن تقوم بها روسيا لتثبيت حكم نظام الأسد، ومنع انهياره".
وأشارت الى أن "واشنطن تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية بسبب مواقفها الرخوة تجاه النهج العسكري الروسي بحق الشعب السوري، وعمليات التهجير القسري المستمرة منذ عام 2012".
ويستبعد مراقبون أن يوافق النظام المدعوم من روسيا وإيران على تحقيق انتقال سياسي يمكن أن يؤدي إلى إزاحة الأسد عن السلطة، راهنا أو مستقبلاً، وأن إعلانه استعداده للعودة غير المشروطة إلى طاولة التفاوض ما هو إلا مناورة سياسية جديدة، وشراء للوقت فيما يعمل على قضم المزيد من الجغرافيا السورية من المعارضة مع حلفائه الروس والإيرانيين، لفرض حلول تُبقي الأسد في السلطة مع مشاركة هامشية للمعارضة في إدارة البلاد.
وأكد بسام العمادي، وهو سفير الائتلاف الوطني السوري في العاصمة الإيطالية روما، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "بقاء بشار الأسد في السلطة ولو لشهر واحد يعني انتهاء الثورة، والعودة إلى ما كنا عليه من احتلال داخلي من فئة ظالمة للشعب السوري بأكمله ".
وتابع: "الشعب السوري الثائر لن يقبل بأنصاف الحلول، ويرفض بالمطلق أي حل سياسي لا يزيح الاسد، وأركان حكمه عن السلطة بعد سنوات مارس فيها الأسد كل فنون الإجرام بحقهم، وعرّض بلادهم لاحتلال مزدوج (روسي وإيراني)، وجعلها عرضة للتقسيم والتشظي".