31 مايو 2015
مشهد (ثقافي) تقودُه الشلليّة
حين يدور الحديث عن المشهد الثقافي العربي بعامّة، والفلسطيني خصوصاً، ودور المؤسسات الثقافية، فإن هذا المشهد، للأسف الشديد، يبدو قاتماً ومأسوياً وضعيفاً جداً، ويغلب عليه طابع المجاملة والنفاق والتملّق والتحيّز، بعيداً عن الجديّة والموضوعيّة، سواء في النشر الإلكتروني أو النشر في الصحف أو على مستوى طباعة الكتب، والترشيح للمشاركة في النشاطات والفعاليات المحلية والخارجية. ويسود طابع المصالح المشتركة والعلاقات العامة على هذا المشهد الذي باتت تقوده الشلليّة، وهذا يُنذرُ بكارثة، إن لم يتم تدارك الأمر، وتصحيح المسار، ووقف هذه المهازل.
قبل سنوات، حين كانت تتولى حقيبة الثقافة في الحكومة الفلسطينية، الوزيرة تهاني أبو دقة، قرعت جدران الخزان، بعد أن شخّصت الواقع تماماً، فبدا لها وجود "دكاكين ثقافية"، على حدّ قولها، وغياب للمثقفين والمؤسسات الثقافية. ولكن، ذهبت الوزيرة، ولم يحدث التطوير والتغيير!
وباختصار، بات هذا المشهد عربياً وفلسطينياً، يتلخص بما يلي: "اكتب عني حتى أكتب عنك، وانشر لي حتى أنشر لك، وكرّمني حتى أكرمك، ورشّحني حتى أرشحك"، فهل يمكن لمثل مشهدٍ كهذا أن ينتج أدباً رفيعاً، أو يقود الأمة نحو الانعتاق والتحرر؟
والمثقف بات في وضع صعب، لا يُحسد عليه، في ظل مثل مشهد مؤلم وجنائزي، وحالة سياسية في أسوأ أوضاعها وانحدارها، وانقسام داخلي، وصل حتى النخاع، وثقافة سياسية لُطّخت بالدماء، ويجري الحوار عبرها بالحراب والبنادق، وغياب قاتل للأطر النقابية التي كان من المفروض أن تتولّى زمام المبادرة، فتأخذ بيده وتنهض بواقعه، والتي هي في حالة بيات شتوي رهيب، منذ سنوات، ولم تفلح كل المحاولات في إعادة إحيائها حتى اللحظة، وبات المثقفون منقسمين إلى شيع وأحزاب. لقد بات المثقف تابعاً، وغاب عن الصدارة، ولم يعد ذلك القائد والمحرّك، رافع لواء النهضة والتطوير.
ولا أحد ينكر أن رام الله تستحوذ في فلسطين على اهتمام خاص دون سواها، حتى بين المدن قريناتها في الضفة كنابلس والخليل مثلاً. ولهيمنة رام الله أسبابها المتعددة سياسياً واجتماعياً وجغرافياً.. وما من شك في أن الانقسام وتداعيات الانقلاب والحسم العسكري بقوة السلاح، وتداعيات ما حدث بعد ذلك، كل هذه الأمور جعلت من الاستحالة أن تنظم مهرجانات أو أمسيات ثقافية أو فنية في غزة التي باتت تطحن حتى مقاهي الإنترنت. وإن حدث وتم تنظيم فعالية، فهي ذات لون واحد.
تبقى الثقافة بخير، ما ابتعدت عن السياسة، ويبقى المثقف قوياً ومحترماً ما لم تلحق به شبهة السياسي، فإذا صار المثقف تابعاً للسياسي، فاقرأ عليه وعلى ثقافته السلام. لأنه بذلك يدخل في مرحلة الاستلاب الفكري والذهني، ويصبح ليس تابعاً فقط، بل هو بوق مأجور يُغنّي لمن يدفع أكثر، ويبقى "مضبوعاً" أبد الدهر، وهذا ما لا نتمنّاه لأحد. فعلى المثقّف أن يترفّع، وأن ينزّه نفسه، لكي يظل قلمه سلاحاً مشرعاً ضد الفساد وأعوانه. ألم يبتعد الراحل الكبير، محمود درويش، ويهجر عضوية اللجنة التنفيذية، عندما شعر أن السياسة ستطيح به؟ هكذا هو المثقف، وإلّا فلا.
هناك مثقفون حقيقيون يجري تهميشهم وإقصاؤهم، لصالح أناس يتقنون التزلّف والتملّق ومسح الجوخ والدهلزة الثقافية والتغزّل بكتابات "سنسكريتية خُنثى"، لا هي بالشعر ولا بالنثر، وترويجها على أنها إبداع وتجريب وحداثة. نتمنى أن تزول حالة الاغتراب هذه، وألا يستمر الوهن الثقافي، ونتمنى انتهاء عهد الأوصياء والشللية، ليتسلّم الراية مثقفون حقيقيون.
الشاعر الراحل محمود درويش في ما يرويه عنه الصحافي عبد الباري عطوان، كان يخشى هؤلاء، ويبتعد عن الصدام معهم، فهم (مراكز قوى مُدجّجة بالأسلحة، أو "مافيا" تهيمن على الصفحات الثقافية في الصحف والمجلات العربية، ويجاملون بعضهم، ويكرهون بعضهم، وإذا تصالحوا فلفترة قصيرة، كان يسميها "تحالفات الدقائق الخمس").
قبل سنوات، حين كانت تتولى حقيبة الثقافة في الحكومة الفلسطينية، الوزيرة تهاني أبو دقة، قرعت جدران الخزان، بعد أن شخّصت الواقع تماماً، فبدا لها وجود "دكاكين ثقافية"، على حدّ قولها، وغياب للمثقفين والمؤسسات الثقافية. ولكن، ذهبت الوزيرة، ولم يحدث التطوير والتغيير!
وباختصار، بات هذا المشهد عربياً وفلسطينياً، يتلخص بما يلي: "اكتب عني حتى أكتب عنك، وانشر لي حتى أنشر لك، وكرّمني حتى أكرمك، ورشّحني حتى أرشحك"، فهل يمكن لمثل مشهدٍ كهذا أن ينتج أدباً رفيعاً، أو يقود الأمة نحو الانعتاق والتحرر؟
والمثقف بات في وضع صعب، لا يُحسد عليه، في ظل مثل مشهد مؤلم وجنائزي، وحالة سياسية في أسوأ أوضاعها وانحدارها، وانقسام داخلي، وصل حتى النخاع، وثقافة سياسية لُطّخت بالدماء، ويجري الحوار عبرها بالحراب والبنادق، وغياب قاتل للأطر النقابية التي كان من المفروض أن تتولّى زمام المبادرة، فتأخذ بيده وتنهض بواقعه، والتي هي في حالة بيات شتوي رهيب، منذ سنوات، ولم تفلح كل المحاولات في إعادة إحيائها حتى اللحظة، وبات المثقفون منقسمين إلى شيع وأحزاب. لقد بات المثقف تابعاً، وغاب عن الصدارة، ولم يعد ذلك القائد والمحرّك، رافع لواء النهضة والتطوير.
ولا أحد ينكر أن رام الله تستحوذ في فلسطين على اهتمام خاص دون سواها، حتى بين المدن قريناتها في الضفة كنابلس والخليل مثلاً. ولهيمنة رام الله أسبابها المتعددة سياسياً واجتماعياً وجغرافياً.. وما من شك في أن الانقسام وتداعيات الانقلاب والحسم العسكري بقوة السلاح، وتداعيات ما حدث بعد ذلك، كل هذه الأمور جعلت من الاستحالة أن تنظم مهرجانات أو أمسيات ثقافية أو فنية في غزة التي باتت تطحن حتى مقاهي الإنترنت. وإن حدث وتم تنظيم فعالية، فهي ذات لون واحد.
تبقى الثقافة بخير، ما ابتعدت عن السياسة، ويبقى المثقف قوياً ومحترماً ما لم تلحق به شبهة السياسي، فإذا صار المثقف تابعاً للسياسي، فاقرأ عليه وعلى ثقافته السلام. لأنه بذلك يدخل في مرحلة الاستلاب الفكري والذهني، ويصبح ليس تابعاً فقط، بل هو بوق مأجور يُغنّي لمن يدفع أكثر، ويبقى "مضبوعاً" أبد الدهر، وهذا ما لا نتمنّاه لأحد. فعلى المثقّف أن يترفّع، وأن ينزّه نفسه، لكي يظل قلمه سلاحاً مشرعاً ضد الفساد وأعوانه. ألم يبتعد الراحل الكبير، محمود درويش، ويهجر عضوية اللجنة التنفيذية، عندما شعر أن السياسة ستطيح به؟ هكذا هو المثقف، وإلّا فلا.
هناك مثقفون حقيقيون يجري تهميشهم وإقصاؤهم، لصالح أناس يتقنون التزلّف والتملّق ومسح الجوخ والدهلزة الثقافية والتغزّل بكتابات "سنسكريتية خُنثى"، لا هي بالشعر ولا بالنثر، وترويجها على أنها إبداع وتجريب وحداثة. نتمنى أن تزول حالة الاغتراب هذه، وألا يستمر الوهن الثقافي، ونتمنى انتهاء عهد الأوصياء والشللية، ليتسلّم الراية مثقفون حقيقيون.
الشاعر الراحل محمود درويش في ما يرويه عنه الصحافي عبد الباري عطوان، كان يخشى هؤلاء، ويبتعد عن الصدام معهم، فهم (مراكز قوى مُدجّجة بالأسلحة، أو "مافيا" تهيمن على الصفحات الثقافية في الصحف والمجلات العربية، ويجاملون بعضهم، ويكرهون بعضهم، وإذا تصالحوا فلفترة قصيرة، كان يسميها "تحالفات الدقائق الخمس").