عادت أزمة المصارف الإيطالية المثقلة بالديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها إلى دائرة الأضواء مجدداً، وعاد معها السؤال: هل تدخل منطقة اليورو في أزمة مالية جديدة بسبب تفاقم الأزمة المصرفية والتغيرات الأخيرة التي طرأت على المشهد السياسي الإيطالي؟
السؤال بات ملحاً مع صعود تحالف حركة "فايف ستار" أو "5 نجوم" الشعبوية وحزب ليغا اليميني للحكم في روما، واللذين يسعيان إلى الحصول على موافقة الرئيس الإيطالي على رئيس وزراء يقود حكومة جديدة أثارت خططها الخاصة بزيادة الإنفاق العام قلقا في الأسواق المالية العالمية.
واقترح التحالف السياسي الصاعد الذي هزم الأحزاب التقليدية على الرئيس تعيين رئيس وزراء غير معروف لدى المجتمع السياسي، وهو ما طرح الكثير من الشكوك حول مستقبل إيطاليا الاقتصادي.
ومنذ إعلان النتيجة في مارس/ آذار الماضي بدأ المستثمرون يهربون من شراء الديون الإيطالية، أي السندات السيادية التي تصدرها وزارة المالية في روما.
كما شهدت الأيام الأخيرة عمليات بيع كثيفة للسندات الحكومية التي ارتفع عائدها إلى 2.35%، وانعكس ذلك على العملة الأوروبية حيث تدهور سعر صرف اليورو من 1.25 دولار في فبراير/ شباط الماضي إلى 1.74 في نهاية تعاملات يوم الاثنين.
وسجلت الأسهم الإيطالية الجمعة الماضي أكبر خسارة أسبوعية منذ أوائل مارس/ آذار بسبب القلق من أن الحكومة الجديدة قد تخفف انضباط المالية العامة.
ويقوم برنامج التحالف "اليميني اليساري"، على زيادة الإنفاق في الميزانية، وبالتالي الإخلال بمبدأ النسبة التي حددتها المفوضية الأوروبية لنسبة العجز الاقتصادي في ميزانيات الأعضاء إلى الناتج المحلي.
وتتركز مخاوف المستثمرين من احتمال انهيار عدد من البنوك الإيطالية في حال دخول الحكومة الجديدة في خلافات مع المفوضية الأوروبية، أو أصرت على طلبها الخاص بإلغاء دون سيادية تقدر بحوالى 250 مليار يورو، وذلك ببساطة، لأن هذه البنوك هي الحامل الأكبر لسندات الدين الحكومي والمشتري لها.
وحتى الآن، ابتعد العديد من كبار المستثمرين عن شراء أسهم المصارف الأوروبية، كما لاحظ مصرفيون في لندن، زيادة في مبيعات السندات الإيطالية، وهو ما أدى إلى زيادة الفارق بين العائد على السندات القياسية في ألمانيا التي يصدرها البنك المركزي الألماني "بندسبانك"، والتي تصدرها إيطاليا، وهو ما يهدد تقييم السوق لموجودات البنوك الإيطالية التي تشكل السندات السيادية الإيطالية أكثر من 10% من موجوداتها.
وتحمل البنوك الإيطالية في محفظة الديون، حوالى 350 مليار يورو من السندات السيادية الإيطالية، ولدى المصارف الإيطالية نسبة متدنية جداً، من حيث مقارنة القيمة الحالية لسعر الموجودات بالقيمة الدفترية. كما أن التصنيف الائتماني الضعيف للبنوك الإيطالية يضع علامات استفهام أمام كبار المستثمرين حول جدوى شرائها أو حتى الاحتفاظ بها في ظل تدهور الأداء الاقتصادي الأوروبي.
وتعاني أوروبا حالياً من تدهور علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، وهو ما قد يعني أن البنك المركزي الأميركي " الاحتياط الفيدرالي"، ربما لا يكون متحمساً للمشاركة في عملية إنقاذ كبيرة للمصارف الإيطالية، كما حدث في العام 2010 عقب اندلاع أزمة المال العالمية.
وخرجت البنوك الإيطالية من الركود الذي انتهى في عام 2014 مثقلة بـ349 مليار يورو (400 مليار دولار) من الديون المتعثرة، وهو ما يساوي ثلث مجموع الديون الأوروبية المتعثرة.
ومن العوامل الأخرى التي تزيد من عمليات بيع الموجودات الإيطالية في الوقت الراهن، إعلان بعض أعضاء مجلس إدارة المركزي الأوروبي، أن سعر الفائدة سيستمر على مستواه المنخفض، كما أن سياسة "التيسير الكمي" ستتواصل وإن كانت عند مستوى منخفض عما كانت عليه في السابق، وهو ما يعني أن الفارق بين العائد على السندات الأميركية وسندات اليورو سيواصل الارتفاع.
كما أن الدولار سيواصل الارتفاع أمام اليورو، في ظل الفائدة المرتفعة في أميركا وبقاء الفائدة على اليورو على مستوياتها المنخفضة في أوروبا.
وهذا العامل، وحسب مراقبين، سيدفع كبار المستثمرين للهروب أكثر من دول أوروبا الضعيفة اقتصادياً وعلى رأسها إيطاليا، إلى أميركا، ويلاحظ أن المخاوف من "الركود التضخمي"، بات تعود في بعض دول منطقة اليورو.
وفي هذا الصدد، وصف مدير البنك المركزي الفرنسي، فرانسوا فيلليروا دي غالو، التباطؤ الحالي في معدلات التضخم بأنه "أمر مؤقت بكل تأكيد"، مشيراً إلى أن توقيت الخروج من سياسة التيسير الكمّي قد اقترب، لكن خلافاً لهذه التصريحات فإن أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي لم يناقشوا في اجتماعهم في شهر إبريل/ نيسان كيفية تقليص برنامج التحفيز الكمي.
ومن غير المعروف، عما إذا كانت عمليات شراء الأصول الصافية التي أنفق فيها البنك المركزي الأوروبي، أكثر من تريليون يورو سوف تنتهي في سبتمبر/ أيلول أم في ديسمبر/ كانون الثاني.
لكن خبراء أوربيون يقولون، إن هناك دلائل تشير إلى أن عملية شراء السندات، أي استمرار عملية "التيسير الكمّي"، هي السبيل الوحيد للاستقرار، وربما أيضاً لبعض النمو الذي يتمتع به الاقتصاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، فانخفاض معدل التضخم أمر مرعب لمنطقة اليورو، لأنه قد يؤدي إلى انكماش مالي، ما يعني هبوط الأسعار، وبالتالي ربما تواجه أوروبا أزمة مصرفية في حال انهيار بعض البنوك الإيطالية، لأن إيطاليا ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، ولن يكون من السهل إنقاذها مثلما حدث بالنسبة لليونان أو قبرص.
وما يخيف المستثمرين في أدوات المال الأوروبية، تزايد الإحصائيات الاقتصادية السلبية الصادرة مؤخرا، حيث انخفض مؤشر مديري المشتريات المركب (بي أم آي) لـ19 دولة في منطقة اليورو من 55.2 نقطة في شهر مارس/آذار إلى 55.1 نقطة في شهر أبريل/ نيسان، ليصل بذلك إلى أدنى مستوياته في 15 شهراً، كما أنخفض كذلك مؤشر (سينتكس) من 19.6 نقطة إلى 19.2 نقطة في أبريل/ نيسان، وذلك وفقاً للبيانات التي نشرتها شركة "آي إتش إس ماركت" للبيانات الاقتصادية.