قد تتردد لوهلةٍ وأنت تخطو على أطراف ميدان التحرير، إذ تقف متسائلاً "هل هذا ميدان التحرير أم ضللت الطريق"؟، وحدها بعض المشاهد البارزة مثل سور الجامعة الأميركية، أو شارع محمد محمود أو مجمع التحرير، قد تجيب عن سؤالك، الذي طرحته وأنت على عتبات ثكنة عسكرية، "نعم.. إنّه ميدان التحرير".
عشرات الدبابات والأسلاك الشائكة، أحاطت بالميدان من كافة الاتجاهات والنواحي، فقط بعض الممرات الضيقة بين هذه الأسلاك، تسمح بمرور السيارات، واحدة تلو الأخرى، مع تواجد كثيف لجنود وضباط وزارة الداخلية. هكذا بدا الميدان، قبل ساعات قليلة من التظاهرة المرتقبة اليوم الجمعة 28 نوفمبر/تشرين الثاني.
وكانت مصادر في وزارة الصحة المصرية قد كشفت لـ"العربي الجديد" عن "صدور تعليمات بإخلاء عدد من المستشفيات في نطاق محافظتي القاهرة والجيزة قبل تظاهرات اليوم، تحسباً لعدد كبير من الإصابات خلال هذه التظاهرات"، مضيفة "أن هذا الإجراء لم يحدث منذ حرب 6 أكتوبر التي انتصرت فيها مصر على الكيان الصهيوني".
وأعادت قوات الجيش المصري انتشارها على كافة الطرق والمحاور المرورية المهمة في مختلف محافظات الجمهورية، في الوقت الذي استمر فيه التلفزيون المصري في إذاعة فواصل منذ الأمس، حول استعدادات قوات الصاعقة والمظلات والشرطة العسكرية لمواجهة التظاهرات. كما منعت إدارات السجون المختلفة الزيارة عن المساجين، واتخذت وزارة الشباب والرياضة قراراً بمنع أي أنشطة أو تجمعات رياضية في النوادي، وتأجيل مباريات الدوري العام المقررة اليوم.
"لا أحد يعلم من دعا إلى هذه المليونية، وماذا يريدون، البلد تبدو فارغة، الناس خائفون، في حالة رعب"، يقول سائق تاكسي أثناء عبوره الميدان. ويبدو حديث ذلك السائق، منطقياً بالنظر لحجم التضخيم الإعلامي الذي رافق الدعوة إلى هذه التظاهرات، تحت شعار "الحفاظ على الهوية الإسلامية".
وعن قضية الهوية تلك، يقول محمد عوض، شاب عشريني لـ"العربي الجديد": "العسكر ارتكبوا كل الانتهاكات والجرائم، من قتل وسحل وتنكيل وسجن، ولكنهم لم يمسوا الهوية بشيء"، سؤال استنكاري، لم يجد له إجابة، ويضيف "معظم زملائي في الجامعة من "الإخوان"، والرافضين لحكم العسكر في مصر، نفوا مشاركتهم في هذه التظاهرات، وأعلنوا رفضهم للانسياق وراء دعوات، لا تؤدي إلا إلى المزيد من إراقة الدماء والخسائر في الأرواح".
وكانت الجبهة السلفية في مصر، قد دعت للمرّة الأولى منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز من العام الماضي، إلى تلك التظاهرات، التي "ثمّنتها" جماعة "الإخوان المسلمين" في بيانٍ رسمي لها.
من جهةٍ أخرى، هذه الحالة من الرعب أو "الهلع"، تحدّثت عنها صحيفة فورين بوليسي الأميركية، التي أشارت في تقريرِ لها أمس، إلى أن "تظاهرات يوم الجمعة تعدّ تحدياً للحكومة المصرية، خصوصاً أنها الأولى التي يقوم بها السلفيون بعد عزل الرئيس محمد مرسي". وحذّرت الصحيفة الحكومةَ المصرية من استخدام، ما وصفته بـ"القوة المميتة" بحق المتظاهرين، مما قد ينذر بالأسوأ في مصر، خصوصاً في ظل الانقسامات العميقة بين الحكومة العسكرية التي تحكم البلاد، والإسلاميين".
واعتبرت الصحيفة أنّ الأوضاع في مصر تدهورت بشكل خطير، وبات القمع هو اللغة السائدة، وأنّ ما يزيد من المخاوف مما قد تسفر عنه تظاهرات اليوم، هو أن واشنطن فشلت في إقناع نظام السيسي بتخفيف القمع الذي يمارسه ضد معارضيه.