ربما تُعرف الإشاعات بالسلاحِ غير النزيه، ولكنه الأكثر فعاليةً لحسم الجولة الأخيرة بأي منافسة يطول أمدها في مجتمع الأعمال، كما تؤدي الإشاعات إلى ضرب قطاعات اقتصادية كاملة، وطبعاً تطال تداعياتها جيب المواطن.
سلاح الإشاعات
"حين تدخل في منافسة شرسة، فكل الوسائل تكون متاحة على الطاولة لحسم المعركة"، وفقاً لخبير إدارة مخاطر الاستثمار أيمن إسماعيل، الذي يشير لـ"العربي الجديد" إلى أن سلاح الإشاعات ترتفع أهميته حين تصل المنافسة إلى طريق مسدود.
ويضيف إسماعيل أن الشائعة تكتسب قوتها من عاملين رئيسيين، الأول أن يكون موضوع الشائعة محط اهتمام الجماهير، أما الثاني فهو افتقار هذا الموضوع للمعلومات اللازمة لتوضيحه وكشف حقيقته.
إذ كلما تشابكت المصالح وارتفعت وتيرة الأحداث، كلما وجدت الشائعات تربة خصبة لرواجها. ينطبق ذلك الوضع تماماً على البورصة المصرية، التي تشهد تشابك علاقات بين المستثمرين وشركات الوساطة في الأوراق المالية وصناديق استثمار وإدارات الشركات، ما يمنح الشائعة مجالاً أكثر للانتشار، وكذلك التصديق سعياً لتحقيق أرباح من ورائها.
إشاعات اقتصادية مدروسة
ولعل أبرز وسائل نشر الشائعات في البورصة تتمثل في التنسيق بين إدارات الشركات وفئة مستثمرين لنشر شائعة تستهدف رفع سعر السهم أو خفضه. ويقول العضو المنتدب لشركة القاهرة للوساطة في الأوراق المالية، أحمد أبو حسين، إن "هذه الإشاعات تكبّد صغار المستثمرين خسائر فادحة، حيث تنتشر إشاعة ما عبر المنتديات أو السماسرة عن نية الشركة توزيع أرباح ضخمة، ما يدفع المستثمرين إلى الشراء بقوة، وخلال هذه الفترة يقوم أصحاب الإشاعة ببيع أسهمهم تدريجياً، قبل أن يكتشف بقية المستثمرين زيف هذه المعلومة".
ويُكمل أبو حسين، لـ"العربي الجديد"، أنه ينبغي على المستثمر قبل الإقبال على الشراء بقوة لأي سهم، التأكد من المعلومة من خلال مخاطبة الشركة نفسها والتعرف على المركز المالي للشركة لتدقيق درجة صحة المعلومة المتداولة بشأن الشركة.
من جهة أخرى، يقول المحاسب المالي، ماهر سالم، إنه "إذا أراد وسطاء تسويق العقارات رفع الأسعار، عليهم فقط الترويج في الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي عن ارتفاع الطلب بصورة تفوق الوحدات المعروضة. فبرغم معرفة الجميع بأن هذا غير حقيقي لكن الأسعار ترتفع أيضاً".
ويشرح سالم لـ"العربي الجديد"، أن السماسرة نشروا إشاعة في 2010 عن وصول أسعار الشقق إلى 15 ألف جنيه للمتر في كورنيش الاسكندرية رغم أن السعر حينها لم يتجاوز 5 آلاف جنيه للمتر. وبعد أشهر قليلة أتت الإشاعات بثمارها وارتفعت أسعار بيع الشقق إلى 7 آلاف جنيه للمتر.
وللشائعات أشكالاً أخرى تستهدف المواطنين مباشرة، فعندما يضرب الركود إحدى المنتجات، قد لا يجد صاحبها سوى اختلاق الأكاذيب لإثارة خوف المواطنين حتى تحظى بضاعته برواجٍ. هذا ما حدث بالفعل في فبراير/ شباط 2006، عندما انتشرت إشاعة تحذر من شُرب مياه نهر النيل بدعوى تلوثها بفيروس أنفلونزا الطيور، وهو ما أصاب المواطنين بالهلع، واضطروا لشراء المياه المعدنية. بعد مرور أكثر من أسبوع، تحركت الحكومة لتكذيب هذا الخبر، وأرجعته إلى رغبة بعض شركات المياه المعدنية في خلق رواج لمنتجاتها.
وفي ندوة علمية عن الإشاعات في جامعة المنصورة، حدد أستاذ علم الاجتماع مصطفى إبراهيم، وسائل نقل الشائعات في النكات الساخرة ووسائل الإعلام الرسمية بشرط عدم نسبها إلى مصادر محددة، والرسائل النصية عبر الهاتف، وأخيراً شبكات التواصل الاجتماعي. وخلصت الندوة إلى أن أبرز عوامل انتشار الشائعات، هي ارتفاع نسبية الأمية بين السكان إلى أكثر من 50%، فضلاً عن تجاهل الحكومة أو الجهة المختصة توضيح حقيقة الإشاعة. وأوصت الندوة بمحاربة الإشاعات عبر تحري مصداقية مصدرها.
إقرأ أيضاً: شاب يرسم بالرصاص يوميات فلسطين ووجوهها