يبدو أن الخلافات والصراعات بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس حزب "الحركة الوطنية"، المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، انتقلت من مرحلة ما يمكن تسميته "الحرب الباردة" إلى المواجهة المباشرة. وتحوّلت الخلافات التي كانت تدور عبر وسطاء بين الطرفين ورسائل تحذيرية من نظام السيسي إلى شفيق، إلى ردّ مباشر من الأخير حول ما أثير عن رسالة إليه مفادها "انسَ"، في إشارةٍ إلى انتهاء أي دور له في الحياة السياسية خلال الفترة المقبلة.
بيد أن جوهر الصراع بين الرجلين، لم يكن خافياً على أحد، وخصوصاً خلال الأشهر القليلة الماضية، مع تمنّي شفيق العودة إلى مصر وقيادة حزبه وفلول نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، لكنّ الصراع بدأ يظهر بشكل كامل إلى العلن. ويعتبر كثيرون من رموز نظام مبارك أن شفيق هو الأولى بقيادتهم خلال الفترة المقبلة، بخلفياته السابقة، باعتباره أحد أركان نظام المخلوع على مدار سنوات طويلة.
ويقود المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس المعزول محمد مرسي، حزب "الحركة الوطنية" جنباً إلى جنب مع بعض الأحزاب التي خرجت من رحم الحزب الوطني المنحل، في تحالف انتخابي لمجلس النواب المقبل تحت اسم "الجبهة المصرية". ويخشى السيسي من إجراء الانتخابات المقبلة، خوفاً من سيطرة فلول نظام مبارك على مجلس النواب، ومن ثم تعطيل ما يريده من قوانين وقرارات، وبالتالي منازعته في السلطة.
شفيق الذي لم تطأ قدمه أرض مصر منذ هروبه من تحقيقات معه في قضايا تتعلق بالفساد، عقب خسارته في الانتخابات الرئاسية أمام مرسي عام 2012، أراد أن يرد على الرسائل التي يرسلها السيسي إليه، فاستعان بأحد أعوانه، وهو عبدالرحيم علي، الملقّب في أوساط الشباب بـ"ملك التسريبات" (يُقصد بها المكالمات الهاتفية التي سجّلتها أجهزة أمنية لنشطاء وسياسيين إبان ثورة 25 يناير وما أعقبها).
اقرأ أيضاً عام على السيسي: أوضاع متدهورة ومعارضة متصاعدة
بيد أن رسالة شفيق إلى السيسي لم تصل في موعدها، خصوصاً مع منْع عرض حوار الإعلامي سيد علي مع شفيق، وسافر الأول إلى الإمارات حيث يختبئ الرجل، لإجراء حوار مطول حول ما يثار عن خلافات وصراعات مع النظام الحالي. وفوجئ الجميع بمنع عرض حوار شفيق على قناة "العاصمة" الفضائية، على الرغم من إصدار تنويه على موعد الحوار. وبحسب الإعلان الترويجي، فإن شفيق تحدث صراحة عن رسائل السيسي إليه منفعلاً في حديثه عن أجهزة الأمن المصرية: "معلوماتي كثيرة، كل واحد يتلم عنّي، أتركوني ساكت". وأضاف شفيق: "من يجرؤ على القول ألا أترشح في مجلس الشعب؟ أنا حر". وبسؤاله عما اعتبره عبدالرحيم علي مؤامرة على مصر، أجاب: "أعرف حجم المؤامرة، ولدي من المعلومات ما ليس لديه هو أو غيره. الدولة تقول انسَ يا أحمد يا شفيق، الأمور هانت إلى هذا الحدّ".
وتدخلت أجهزة سيادية وأمنية في مصر، لمنع حوار شفيق من العرض عبر فضائية "العاصمة"، لما يحتويه من تلميحات عن الأجهزة الأمنية والرئيس المصري الحالي. حاول السيسي قطع الطريق على شفيق ومناصريه، رداً على ما يُقال بأن الرجل كان أحق بالرئاسة من مرسي، عقب تزوير الانتخابات، إذ قال خلال المؤتمر الصحافي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إنّ "الانتخابات الرئاسية كانت نزيهة وفاز مرسي بالأغلبية".
وخرجت حملات للمطالبة بعودة شفيق إلى مصر على مدار الشهرين الماضيين، وهو ما استدعى تدخلاً من النظام الحالي وإيصال رسالة بعدم وجود مجال لشفيق في المستقبل القريب في الحياة السياسية. وكانت آخر تلك الحملات، تلك التي ظهرت في القاهرة، والتي تدعو لعودة المرشح الرئاسي الأسبق بعنوان "عايزين شفيق يرجع مصر" و"متى يرجع الفريق إلى بلده؟"، و"متى يرجع الرئيس؟". وانتشرت كتابات وعبارات عن الحملة في العديد من مناطق القاهرة، أبرزها في ميداني التحرير وعبدالمنعم رياض، مع آلاف الملصقات في القاهرة والمحافظات المصرية تحمل صورته مكتوباً عليها "أنت الرئيس".
اقرأ أيضاً: شفيق يناور السيسي بحملة جديدة
في هذا السياق، يوضح مصدر في حزب شفيق، أن "الفريق لا يريد تصعيد الأزمة مع السيسي، ولكن الرسائل التي أرسلها الرئيس المصري إليه شديدة". ويضيف المصدر لـ"العربي الجديد"، أن "النظام الحالي يقوم على الإقصاء، وإلا، لماذا يخشى عودة الفريق إلى مصر؟" متابعاً، "هناك محاولات لتهدئة الموقف بين الطرفين خلال الفترة المقبلة، حتى انتهاء انتخابات مجلس النواب، وبعدها سيتم النظر في عودة الرجل إلى مصر أو عدمها".
ويشدد المصدر، على أن "شفيق يدرك تماماً حجم الرفض لناحية العودة إلى مصر، لخوف السيسي ونظامه من شعبية الفريق". وعن موقف حزب شفيق من الأزمة، يؤكّد المصدر أنّ "شفيق يتجنب الحديث عن تفاصيل هذا الأمر في الإعلام واتخاذ موقف منها، لأن هناك ترتيبات للانتخابات ولا يجب أن يتم الانشغال عنها".
في المقابل، يقول الخبير السياسي، محمد عز، إن "الأزمة بين السيسي وشفيق بدأت تأخذ منحى آخر وشديد الخطورة، وقد يكون الأخير يسعى لإزاحة الرئيس الحالي عن طريقه إلى كرسي الرئاسة". ولم يستبعد عز، في حديثه لـ"العربي الجديد"، "قيادة شفيق حملات للهجوم على السيسي خلال الفترة المقبلة، وتعمّد إبرازه في مظهر المرتعش والفاشل، بالتنسيق مع مؤسسات في الدولة، التي يسيطر عليها فلول نظام مبارك"، مضيفاً أنّ "المانع الوحيد الذي قد يسهم في تراجع الهجوم علناً على السيسي من قبل شفيق وفلول مبارك، هو سند السيسي الوحيد المتمثل في المؤسسة العسكرية".
ويشير الخبير السياسي، إلى أن "الفترة المقبلة ستشهد صراعاً خفيّاً بين فلول مبارك والسيسي، خصوصاً مع إجراء انتخابات مجلس النواب، وفي الغالب، وفقاً للقوانين الحالية، ستعيد رموز نظام المخلوع إلى المشهد بقوة مجدداً".
ويلفت عز إلى أن "شفيق يجيد اللعب من خلف الستار، وهو ما يريد القيام به من خلال محاولة السيطرة على مجلس النواب المقبل بالتعاون مع رجال الأعمال ورموز مبارك مثل أحمد عز وآخرين"، مبيّناً، أنّ "السيسي لن يقف مكتوف الأيدي، وقد يلجأ إلى القضاء في تحريك بلاغات ضد رجال أعمال ورموز نظام مبارك تتعلق بالفساد، أو حملات اعتقالات بتهمة التآمر أو أي تهمة كالتي وُجّهت إلى مؤيدي مرسي".
اقرأ أيضاً: صراع الفلول وأجنحة النظام ورجال الأعمال يعصف بالسيسي