لجأ حزب "مستقبل وطن" المدعوم من أجهزة الأمن المصرية، إلى استخدام سلاح "الرشى المالية والعينية" في اليوم الأخير من انتخابات مجلس الشيوخ (جولة الإعادة)، الأربعاء، في مواجهة حالة العزوف من الناخبين عن المشاركة في حسم 26 مقعداً في 14 محافظة، ما دفع بمرشح بارز في محافظة أسيوط إلى إعلان انسحابه من العملية الانتخابية، احتجاجاً على توزيع الحزب مواد غذائية لحشد المواطنين.
وشهد اليوم الثاني والأخير من جولة الإعادة لانتخابات مجلس الشيوخ إقبالاً ضعيفاً من الناخبين، الذين غابوا تماماً عن صناديق الاقتراع في كافة اللجان، والتي باتت خاوية من المواطنين أكثر من اليوم السابق، فيما حاول عدد من المرشحين وأنصارهم، كسر حالة غياب الإقبال بتوفير وسائل نقل متعددة لتوصيل الناخبين إلى لجانهم للإدلاء بأصواتهم ومن ثم إعادتهم مرة أخرى إلى منازلهم بالمجان.
ورصد "العربي الجديد" تورط أنصار حزب "مستقبل وطن" في توزيع مبالغ مالية على الناخبين، راوحت بين 50 جنيهاً و100 جنيه، من أجل التصويت لصالح مرشحي الحزب، إضافة إلى توزيع "كراتين" تحوي بعض المواد الغذائية على البسطاء للحصول على أصواتهم، فضلاً عن تنظيمهم حملات طرق على الأبواب لتهديد المواطنين بـ"الغرامة المالية" في حال عدم التصويت، لا سيما من كبار السن والسيدات.
رصد "العربي الجديد" تورط أنصار حزب "مستقبل وطن" في توزيع مبالغ مالية على الناخبين، راوحت بين 50 جنيهاً و100 جنيه
وارتفعت قيمة الرشوة الانتخابية في بعض المناطق إلى 200 جنيه كثمن للصوت الواحد، في محاولة للتأثير على إرادة الناخبين ودفعهم إلى التصويت لصالح مرشحي حزب "مستقبل وطن"، من خلال نقل أنصار الحزب المواطنين إلى اللجان، والتفاوض معهم على ثمن الصوت أمام أبوابها صراحة، وسط مباركة من قوات الجيش والشرطة المسؤولة عن تأمين اللجان.
كما وفر أنصار الحزب وجبات ساخنة ومياها معدنية للناخبين في بعض الدوائر بمناطق الأرياف والصعيد، إضافة إلى منحهم عدداً من زجاجات الكحول والمطهرات والكمامات الطبية للحماية من فيروس كورونا، كنوع من الدعاية الانتخابية، علاوة على توزيع أكياس فاكهة على المواطنين، ومطبوع عليها اسم المرشح ورمزه ورقمه الانتخابي. وإمعاناً في خرق العملية الانتخابية، تورط بعض المرشحين في استغلال الأطفال في الدعاية الانتخابية مقابل مئة جنيه في اليوم الواحد.
وقال عضو في اللجنة القانونية لأحد الأحزاب المصرية، رفض الكشف عن اسمه، إن ظاهرة الرشى المالية انتشرت بشدة في مرحلة الإعادة لانتخابات مجلس الشيوخ، مشيراً إلى أن تقديم تلك الرشى بات علناً، وعلى مسمع ومرأى من الجميع، سواء كانت مالية أو عينية، بما يؤكد أن ظاهرة المال السياسي لا تزال هي المسيطرة على المشهد السياسي في مصر.
وأضاف أن استخدام الرشى المالية مثل سبباً كبيراً في ضعف نسبة الإقبال على انتخابات مجلس الشيوخ، الأمر الذي يستلزم تدخل الهيئة الوطنية للانتخابات، وتوقيع العقوبة المقررة قانوناً ضد كل من استخدم المال السياسي في الاستحقاق الانتخابي، خصوصاً أن "تلك الخروقات موثقة لدى منظمات المجتمع المدني"، على حد تعبيره.
وكانت منظمات حقوقية مستقلة قد رصدت عدداً من وقائع الرشى الانتخابية في جولة الإعادة لانتخابات مجلس الشيوخ، كان لحزب "مستقبل وطن" نصيب الأسد منها.
إلى ذلك، أعلن المرشح المستقل منتصر العمدة انسحابه من جولة الإعادة لانتخابات مجلس الشيوخ، احتجاجاً على المخالفات الجسيمة لمرشحي حزب "مستقبل وطن"، التي تحدث على مرأى ومسمع من الجميع، ويعلمها القاصي والداني، وسط صمت مطبق من الهيئة الوطنية للانتخابات إزاء هذه الانتهاكات.
وقال العمدة، في تدوينة له على موقع "فيسبوك": "الانسحاب جاء لانتهاج بعض المنافسين أساليب تُهدد الحياة السياسية المصرية، والقوى المتنافسة استبدلت الأساليب الديمقراطية العريقة بالمواد الغذائية (الكرتونة)، وهو ما صنع فارقاً جوهرياً بين الممارسة الديمقراطية الشريفة وغير الشريفة لانتخابات مجلس الشيوخ".
أعلن المرشح المستقل منتصر العمدة انسحابه من جولة الإعادة، احتجاجاً على المخالفات الجسيمة لمرشحي حزب "مستقبل وطن"
وسبق أن وثق "العربي الجديد" توزيع أنصار حزب "مستقبل وطن" مبلغ 50 جنيهاً، مع كارت أصفر دُون عليه "انزل شارك" في العاصمة القاهرة، مقابل تصويت المصريين في الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ، وهي الانتخابات المحسومة سلفاً لمرشحي الحزب بعد استبعاد جميع منافسيه تحت ضغوط من أجهزة أمنية.
ولم تسمح هيئة الانتخابات في مصر سوى لأربع منظمات أجنبية فقط بالإشراف على انتخابات مجلس الشيوخ، وهي منتدى "جالس" من أوغندا، ومنظمة "إيكو" من اليونان، ومنظمة "متطوعون بلا حدود"، والبرلمان العربي، فيما قبلت الهيئة إشراف 37 منظمة محلية، ليس بينها أي منظمة حقوقية مستقلة، مستبعدة كل المنظمات التي توجه انتقادات في ملف حقوق الإنسان للنظام المصري.
وفازت قائمة "من أجل مصر" التي يقودها حزب "مستقبل وطن"، بجميع مقاعد القائمة المغلقة في الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ، البالغ عددها 100 مقعد، بالإضافة إلى 73 مقعداً من أصل 74 مقعداً حُسمت في الانتخابات التي جرت على الدوائر الفردية، مقابل فوز مرشح مستقل وحيد، هو هادي لويس مرجان، عن دائرة القاهرة.
وبلغ عدد الذين أدلوا بأصواتهم في الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ 8 ملايين و959 ألفاً و35 ناخباً، من مجموع 62 مليوناً و940 ألفاً و165 ناخباً مقيداً بقاعدة بيانات الناخبين، بنسبة مشاركة محدودة لم تتجاوز 14.23%، في حين بلغ عدد الأصوات الصحيحة منها 7 ملايين و577 ألفاً و741 صوتاً، بنسبة 84.58%، مقابل عدد أصوات باطلة بلغ مليوناً و381 ألفاً و294 صوتاً، بنسبة 15.42%.