صدمة كبيرة تسيطر على مجتمع الأعمال في مصر، بعد قرار رفع الفائدة الذي اتخذه البنك المركزي مساء أول من أمس الأحد، بعدما عمت الأسواق موجة ركود أوسع من ذي قبل، فيما يُصر القائمون على السياسة النقدية بالدولة على أن ثمة تضخماً في الأسعار مردّه السيولة الزائدة وارتفاع الإنفاق.
وكشف مسؤول مصرفي كبير لـ "العربي الجديد"، أمس، أن قرار رفع الفائدة بحدود مئتي نقطة (تعادل 2%) دفعة واحدة لن يكون الأخير، مؤكدا أن رفعا آخر في الفائدة بحدود مائة نقطة إضافية، سيجري تطبيقه في غضون أشهر قليلة.
ورفع البنك المركزي خلال اجتماع للجنة السياسة النقدية التابعة له سعر الفائدة على الودائع لأجل ليلة واحدة إلى 16.75% من 14.75% ورفع سعر فائدة الإقراض لليلة واحدة إلى 17.75% من 15.75%، وسط تكهنات بأن توصيات صندوق النقد الدولي الأخيرة كانت المحرك لإجراء كهذا، على الرغم من أن معطيات السوق والمراقبين المحليين تذهب إلى رؤية مخالفة تشدد على ضرورة أن يخفض البنك المركزي الفائدة لتشجيع الاستثمار والإنتاج المحلي دعما للأسواق التي تأثرت كثيرا منذ تحرير سعر الصرف.
وبهذا يكون البنك المركزي قد رفع أسعار الفائدة 500 نقطة أساس منذ نوفمبر/تشرين، وهي وتيرة متسارعة في رفع الفائدة لم يسبق أن مارسها البنك المركزي.
وقال مصدر مصرفي لـ "العربي الجديد" إن البنك المركزي كان يعتزم تحريك سعر الفائدة على مرحلتين كل واحدة منهما بحدود 0.5% إلى 1%، ثم تحريك آخر مماثل في الشهر المقبل، غير أن استنفاد كثير من الوقت في دراسة هذا الإجراء، دفع البنك المركزي إلى زيادة الفائدة 2% دفعة واحدة، ما أصاب السوق بإرباك شديد.
مواجهة التضخم
وعلل البنك المركزي المصري في بيان قرار الفائدة، الإجراء بأنه محاولة لمحاصرة معدلات التضخم الآخذة في الزيادة منذ أشهر، قائلا: "يتم استخدام أدوات السياسة النقدية للسيطرة على توقعات التضخم واحتواء الضغوط التضخمية والآثار الثانوية لصدمات العرض التي قد تؤدي إلى انحراف عن معدلات التضخم المستهدفة".
غير أن مراقبين أكدوا لـ "العربي الجديد" أن سلاح رفع سعر الفائدة لم يعد العلاج الناجح لاحتواء التضخم، ذلك لأن التضخم القائم يأتي بسبب زيادة تكلفة الاستيراد من الخارج الناجم عن تحرير العملة، فضلا عن رفع أسعار المنتجات البترولية، وليس بسبب زيادة السيولة النقدية.
ويرتفع معدل التضخم في مصر، شديدة الاعتماد على الواردات، منذ تحرير سعر صرف العملة في نوفمبر/ تشرين الثاني الذي أفقد الجنيه نحو نصف قيمته ليستقر عند نحو 18 جنيهاً للدولار في الأسابيع الأخيرة، مقابل 8.88 جنيهات للدولار قبل قرار التعويم الذي اتُّخذ في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وانتقد الخبير الاقتصادي، وائل النحاس قرار المركزي المصري بشدة، واصفا إياه في تصريح إلى "العربي الجديد"، بـ "عديم النفع وذي تأثير سلبي"، على اعتبار أنه يعطل أية محاولات جادة للنمو نتيجة العزوف المحتمل للمنتجين عن الاقتراض في ظل هذه المعدلات التاريخية من الفائدة، وفق تقديره.
وتوقع النحاس، ارتفاعاً جديداً في معدلات التضخم بسبب هذا الإجراء، لافتاً إلى أن لجوء المواطنين إلى إيداع السيولة التي بحوزتهم في البنوك للاستفادة من رفع أسعار الفائدة، هو أمر غير مُجدٍ ويؤثر في الأسعار، وهذه السيولة هي التي كانت تحرك الاقتصاد المصري الاستهلاكي بطبعه من خلال عمليات الشراء للعقارات أو المقتنيات وغيرها، وجذبها للبنوك دون استغلالها يحمل عواقب وخيمة على أداء الاقتصاد العام.
وقالت الخبيرة الاقتصادية وعضو مجلس النواب المصري بسنت فهمي، لـ "العربي الجديد": "القرار غير مدروس والزيادة كبيرة، ولن تخفض التضخم رغم أنها ستحد من عمليات الاستيراد بسبب ارتفاع سعر الفائدة"، مؤكدة أن التضخم في مصر ليس قائما على فائض السيولة النقدية في السوق، وإنما بسبب تراجع قيمة العملة وقلة المعروض من السلع وضعف الإنتاج.
وأشارت فهمي إلى أن ما تحتاجه مصر حاليا هو الاستثمار الذي يستلزم مناخا أكثر استقرارا في ما يتعلق بالسياسة المالية والنقدية للدولة.
وأشارت أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، عاليا المهدي، إلى أن توقعات ارتفاع التضخم لا تزال كبيرة رغم قرار زيادة الفائدة الذي يستهدف خفض التضخم.
وقالت المهدي عبر صفحتها بموقع التواصل فيسبوك: "إذا كان تأثير توقعات التضخم القادم أكبر من تأثير رفع سعر الفائدة، فإنه من المتوقع ألا يستجيب القطاع العائلي لرفع سعر الفائدة وأن يتجهوا لمزيد من الشراء وقاية من التضخم المتوقع".
وصعدت معدلات التضخم في مصر من 11% في 2011 إلى 32.5% في مارس/آذار الماضي، على أساس سنوي، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، ما يشير إلى أزمة اجتماعية ومعيشية خانقة يواجهها المواطنون المصريون بفعل ارتفاع الأسعار. وبذلك، سجّل التضخم في مصر، أعلى مستوى له منذ قرابة ثمانية عقود.
ودفعت نسب التضخم المرتفعة في البلاد، إلى تآكل القيمة الشرائية للنقود، وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين، وقفزات في الأسعار، خاصة في ظل نقص السيولة بالأسواق وليس زيادتها.
تحجيم الاستثمار
وتتابع الدوائر الاقتصادية في مصر حالياً الآثار المترتبة على قرار لجنة السياسات النقدية، خصوصا ما يتعلق بتراجع وتيرة الاستثمارات، إذ من المتوقع أن يتجه المستثمرون إلى ضخ ما بحوزتهم من سيولة نقدية إلى البنوك بغرض الاستفادة من معدلات الفائدة المرتفعة، ما يعني أن حصة كبيرة من الأموال التي كانت من المفترض أن تعزز مناخ الإنتاج ستتجه للإيداع في المصارف بدلا من استثمارها.
وقال الخبير الاقتصادي هاني توفيق، عبر منشور في صفحته على فيسبوك، تعليقا على قرار رفع الفائدة: "قرارات نقدية مُعلبة من القرن التاسع عشر. قلنا أكثر من مرة إنه ليس كل تضخم نرفع له سعر الفائدة. تضخمنا نشأ نتيجة زيادة سعر الدولار، وليس زيادة الطلب الناتج عن الانتعاش الاقتصادي والتشغيل".
وأضاف توفيق، أن رفع سعر الفائدة 2% يعني المضي قدماً في سياسات انكماشية في الوقت الذي من المفترض أن تسعى الدولة لاتباع سياسات توسعية لرفع معدلات التنمية والإنتاج والتشغيل، متوقعا أن يسجل عجز الموازنة زيادة فعلية نتيجة القرار بحدود 60 مليار جنيه (3.33 مليارات دولار).
ويرى توفيق، أن قرار البنك المركزي يقود إلى مزيد من التضخم بسبب زيادة تكلفة إنتاج السلع والخدمات كنتيجة حتمية لزيادة تكاليف الاقتراض، فضلا عن مزيد من الركود في الأسواق بسبب تشجيع الادخار بدلاً من الاستثمار، هذه عوامل يعتبر الخبير الاقتصادي أنها تُفضي إلى مزيد من البطالة وغلق مصانع.
وأضاف: "البنك المركزي والحكومة كان لديهما من أدوات السياسة النقدية والمالية ما يمكنهما من خفض السيولة بالسوق بدلاً من هذا القرار الكارثي، المُعلب والمعد سلفاً"، في إشارة –على ما يبدو- إلى صندوق النقد الدولي.
وفي السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي محمد رضا، رفع الفائدة، بداية جديدة لسياسة انكماشية كبيرة خلال الفترة المقبلة، حيث سيقلل هذا الإجراء من الاستثمارات والتوسعات المتوقعة بعد ارتفاع تكلفة الإقراض، وفق رأيه.
وقال رضا لـ "العربي الجديد": "هناك تخبط في القرارات. فكيف تسعى الحكومة إلى إصدار قوانين وحوافز للاستثمار، في الوقت الذي تقوض حركة الاستثمارات عبر زيادة تكلفة الإقراض؟"، متوقعا أن يكون للقرار آثار وخيمة على الاقتصاد، بخاصة أنه يتزامن مع مساعي مصر للانفتاح على العالم عبر مبادرات استثمارية مهمة.
امتثال للصندوق
وينتقد محللون قرار البنك المركزي برفع الفائدة من جهة أنه ليس قرارا سياديا خالصا، إنما جاء بتوجيه من صندوق النقد الدولي الذي يشرف على برنامج اقتصادي تعهدت مصر بتنفيذه على مدى 3 سنوات.
وقال مصدر حكومي مسؤول لرويترز (لم تذكر اسمه) أمس: "القرار متوقع منذ فترة. إنها توصيات صندوق النقد للسيطرة على التضخم".
وشدد رئيس بعثة صندوق النقد لدى مصر، كريس غارفيس، في بيان صحافي للصندوق في وقت سابق هذا الشهر على ضرورة كبح التضخم في مصر قائلا: "أعود وأشدد على ضرورة احتواء التضخم".
وقال اقتصادي في أحد بنوك الاستثمار لرويترز: "القرار كارثة وامتثال واضح لطلب صندوق النقد... ما حدث غلطة كبيرة لكن لا أحد يريد الاستماع. لا أجد أي سبب مقنع لما حدث".
وزار وفد من صندوق النقد القاهرة في الفترة من 30 أبريل/ نيسان إلى 11 مايو/ أيار الجاري، لإجراء مراجعة لتقييم جهود الإصلاح. وأصدرت البعثة تقريراً قالت فيه إن "فريق البعثة توصل إلى اتفاق مع السلطات المصرية بشأن المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي لمصر، ويدعمه الصندوق من خلال قرضه البالغ 12 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات".
كما نقلت رويترز أمس عن رجل الأعمال علاء سبيع، قوله إن "القرار يعالج التضخم بالتضخم. ما يحدث تهريج. الأسعار ستتضخم مرة أخرى. لا أعلم كيف يقبلون على مثل هذه الخطوة؟ كيف يمتثلون لكل طلبات الصندوق؟ الاقتصاد قد يتوقف. إذا أردت الاقتراض حالياً سيكون بأكثر من 18%. هذا رقم خيالي سيضاف إلى أسعار المنتجات والسلع".
ارتفاع العجز
وتوقع محمد فؤاد، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن يكلف قرار المركزي موازنة السنة المالية المقبلة 2017-2018 ما بين 30 و32 مليار جنيه زيادة في تكلفة خدمة الدين بالموازنة.
وقال لرويترز: "كل زيادة في سعر الفائدة بواقع 100 نقطة أساس ترفع أعباء خدمة الدين بالموازنة حوالي 15 مليار جنيه، وهو تأثير بالغ الخطورة على السياسة المالية. القرار سيؤدي لتضخم انكماشي. وجاء استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي".
وتستهدف موازنة السنة المالية المقبلة 2017-2018 المعروضة على مجلس النواب إنفاق 380.986 مليار جنيه على مصروفات الفوائد.
ويتخوف مراقبون من أن تحمل الموازنة العامة عبء مصروفات الفوائد الجديدة بعد زيادة الفائدة، الأمر الذي قد يُجبر الحكومة على التعجل في اتخاذ قرارات زيادة أسعار الطاقة والمياه والكهرباء مع بداية السنة المالية الجديدة مطلع يوليو/تموز المقبل، ما يعني زيادة حتمية في معدلات التضخم.
اقــرأ أيضاً
وكشف مسؤول مصرفي كبير لـ "العربي الجديد"، أمس، أن قرار رفع الفائدة بحدود مئتي نقطة (تعادل 2%) دفعة واحدة لن يكون الأخير، مؤكدا أن رفعا آخر في الفائدة بحدود مائة نقطة إضافية، سيجري تطبيقه في غضون أشهر قليلة.
ورفع البنك المركزي خلال اجتماع للجنة السياسة النقدية التابعة له سعر الفائدة على الودائع لأجل ليلة واحدة إلى 16.75% من 14.75% ورفع سعر فائدة الإقراض لليلة واحدة إلى 17.75% من 15.75%، وسط تكهنات بأن توصيات صندوق النقد الدولي الأخيرة كانت المحرك لإجراء كهذا، على الرغم من أن معطيات السوق والمراقبين المحليين تذهب إلى رؤية مخالفة تشدد على ضرورة أن يخفض البنك المركزي الفائدة لتشجيع الاستثمار والإنتاج المحلي دعما للأسواق التي تأثرت كثيرا منذ تحرير سعر الصرف.
وبهذا يكون البنك المركزي قد رفع أسعار الفائدة 500 نقطة أساس منذ نوفمبر/تشرين، وهي وتيرة متسارعة في رفع الفائدة لم يسبق أن مارسها البنك المركزي.
وقال مصدر مصرفي لـ "العربي الجديد" إن البنك المركزي كان يعتزم تحريك سعر الفائدة على مرحلتين كل واحدة منهما بحدود 0.5% إلى 1%، ثم تحريك آخر مماثل في الشهر المقبل، غير أن استنفاد كثير من الوقت في دراسة هذا الإجراء، دفع البنك المركزي إلى زيادة الفائدة 2% دفعة واحدة، ما أصاب السوق بإرباك شديد.
مواجهة التضخم
وعلل البنك المركزي المصري في بيان قرار الفائدة، الإجراء بأنه محاولة لمحاصرة معدلات التضخم الآخذة في الزيادة منذ أشهر، قائلا: "يتم استخدام أدوات السياسة النقدية للسيطرة على توقعات التضخم واحتواء الضغوط التضخمية والآثار الثانوية لصدمات العرض التي قد تؤدي إلى انحراف عن معدلات التضخم المستهدفة".
غير أن مراقبين أكدوا لـ "العربي الجديد" أن سلاح رفع سعر الفائدة لم يعد العلاج الناجح لاحتواء التضخم، ذلك لأن التضخم القائم يأتي بسبب زيادة تكلفة الاستيراد من الخارج الناجم عن تحرير العملة، فضلا عن رفع أسعار المنتجات البترولية، وليس بسبب زيادة السيولة النقدية.
ويرتفع معدل التضخم في مصر، شديدة الاعتماد على الواردات، منذ تحرير سعر صرف العملة في نوفمبر/ تشرين الثاني الذي أفقد الجنيه نحو نصف قيمته ليستقر عند نحو 18 جنيهاً للدولار في الأسابيع الأخيرة، مقابل 8.88 جنيهات للدولار قبل قرار التعويم الذي اتُّخذ في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وانتقد الخبير الاقتصادي، وائل النحاس قرار المركزي المصري بشدة، واصفا إياه في تصريح إلى "العربي الجديد"، بـ "عديم النفع وذي تأثير سلبي"، على اعتبار أنه يعطل أية محاولات جادة للنمو نتيجة العزوف المحتمل للمنتجين عن الاقتراض في ظل هذه المعدلات التاريخية من الفائدة، وفق تقديره.
وتوقع النحاس، ارتفاعاً جديداً في معدلات التضخم بسبب هذا الإجراء، لافتاً إلى أن لجوء المواطنين إلى إيداع السيولة التي بحوزتهم في البنوك للاستفادة من رفع أسعار الفائدة، هو أمر غير مُجدٍ ويؤثر في الأسعار، وهذه السيولة هي التي كانت تحرك الاقتصاد المصري الاستهلاكي بطبعه من خلال عمليات الشراء للعقارات أو المقتنيات وغيرها، وجذبها للبنوك دون استغلالها يحمل عواقب وخيمة على أداء الاقتصاد العام.
وقالت الخبيرة الاقتصادية وعضو مجلس النواب المصري بسنت فهمي، لـ "العربي الجديد": "القرار غير مدروس والزيادة كبيرة، ولن تخفض التضخم رغم أنها ستحد من عمليات الاستيراد بسبب ارتفاع سعر الفائدة"، مؤكدة أن التضخم في مصر ليس قائما على فائض السيولة النقدية في السوق، وإنما بسبب تراجع قيمة العملة وقلة المعروض من السلع وضعف الإنتاج.
وأشارت فهمي إلى أن ما تحتاجه مصر حاليا هو الاستثمار الذي يستلزم مناخا أكثر استقرارا في ما يتعلق بالسياسة المالية والنقدية للدولة.
وأشارت أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، عاليا المهدي، إلى أن توقعات ارتفاع التضخم لا تزال كبيرة رغم قرار زيادة الفائدة الذي يستهدف خفض التضخم.
وقالت المهدي عبر صفحتها بموقع التواصل فيسبوك: "إذا كان تأثير توقعات التضخم القادم أكبر من تأثير رفع سعر الفائدة، فإنه من المتوقع ألا يستجيب القطاع العائلي لرفع سعر الفائدة وأن يتجهوا لمزيد من الشراء وقاية من التضخم المتوقع".
وصعدت معدلات التضخم في مصر من 11% في 2011 إلى 32.5% في مارس/آذار الماضي، على أساس سنوي، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، ما يشير إلى أزمة اجتماعية ومعيشية خانقة يواجهها المواطنون المصريون بفعل ارتفاع الأسعار. وبذلك، سجّل التضخم في مصر، أعلى مستوى له منذ قرابة ثمانية عقود.
ودفعت نسب التضخم المرتفعة في البلاد، إلى تآكل القيمة الشرائية للنقود، وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين، وقفزات في الأسعار، خاصة في ظل نقص السيولة بالأسواق وليس زيادتها.
تحجيم الاستثمار
وتتابع الدوائر الاقتصادية في مصر حالياً الآثار المترتبة على قرار لجنة السياسات النقدية، خصوصا ما يتعلق بتراجع وتيرة الاستثمارات، إذ من المتوقع أن يتجه المستثمرون إلى ضخ ما بحوزتهم من سيولة نقدية إلى البنوك بغرض الاستفادة من معدلات الفائدة المرتفعة، ما يعني أن حصة كبيرة من الأموال التي كانت من المفترض أن تعزز مناخ الإنتاج ستتجه للإيداع في المصارف بدلا من استثمارها.
وقال الخبير الاقتصادي هاني توفيق، عبر منشور في صفحته على فيسبوك، تعليقا على قرار رفع الفائدة: "قرارات نقدية مُعلبة من القرن التاسع عشر. قلنا أكثر من مرة إنه ليس كل تضخم نرفع له سعر الفائدة. تضخمنا نشأ نتيجة زيادة سعر الدولار، وليس زيادة الطلب الناتج عن الانتعاش الاقتصادي والتشغيل".
وأضاف توفيق، أن رفع سعر الفائدة 2% يعني المضي قدماً في سياسات انكماشية في الوقت الذي من المفترض أن تسعى الدولة لاتباع سياسات توسعية لرفع معدلات التنمية والإنتاج والتشغيل، متوقعا أن يسجل عجز الموازنة زيادة فعلية نتيجة القرار بحدود 60 مليار جنيه (3.33 مليارات دولار).
ويرى توفيق، أن قرار البنك المركزي يقود إلى مزيد من التضخم بسبب زيادة تكلفة إنتاج السلع والخدمات كنتيجة حتمية لزيادة تكاليف الاقتراض، فضلا عن مزيد من الركود في الأسواق بسبب تشجيع الادخار بدلاً من الاستثمار، هذه عوامل يعتبر الخبير الاقتصادي أنها تُفضي إلى مزيد من البطالة وغلق مصانع.
وأضاف: "البنك المركزي والحكومة كان لديهما من أدوات السياسة النقدية والمالية ما يمكنهما من خفض السيولة بالسوق بدلاً من هذا القرار الكارثي، المُعلب والمعد سلفاً"، في إشارة –على ما يبدو- إلى صندوق النقد الدولي.
وفي السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي محمد رضا، رفع الفائدة، بداية جديدة لسياسة انكماشية كبيرة خلال الفترة المقبلة، حيث سيقلل هذا الإجراء من الاستثمارات والتوسعات المتوقعة بعد ارتفاع تكلفة الإقراض، وفق رأيه.
وقال رضا لـ "العربي الجديد": "هناك تخبط في القرارات. فكيف تسعى الحكومة إلى إصدار قوانين وحوافز للاستثمار، في الوقت الذي تقوض حركة الاستثمارات عبر زيادة تكلفة الإقراض؟"، متوقعا أن يكون للقرار آثار وخيمة على الاقتصاد، بخاصة أنه يتزامن مع مساعي مصر للانفتاح على العالم عبر مبادرات استثمارية مهمة.
امتثال للصندوق
وينتقد محللون قرار البنك المركزي برفع الفائدة من جهة أنه ليس قرارا سياديا خالصا، إنما جاء بتوجيه من صندوق النقد الدولي الذي يشرف على برنامج اقتصادي تعهدت مصر بتنفيذه على مدى 3 سنوات.
وقال مصدر حكومي مسؤول لرويترز (لم تذكر اسمه) أمس: "القرار متوقع منذ فترة. إنها توصيات صندوق النقد للسيطرة على التضخم".
وشدد رئيس بعثة صندوق النقد لدى مصر، كريس غارفيس، في بيان صحافي للصندوق في وقت سابق هذا الشهر على ضرورة كبح التضخم في مصر قائلا: "أعود وأشدد على ضرورة احتواء التضخم".
وقال اقتصادي في أحد بنوك الاستثمار لرويترز: "القرار كارثة وامتثال واضح لطلب صندوق النقد... ما حدث غلطة كبيرة لكن لا أحد يريد الاستماع. لا أجد أي سبب مقنع لما حدث".
وزار وفد من صندوق النقد القاهرة في الفترة من 30 أبريل/ نيسان إلى 11 مايو/ أيار الجاري، لإجراء مراجعة لتقييم جهود الإصلاح. وأصدرت البعثة تقريراً قالت فيه إن "فريق البعثة توصل إلى اتفاق مع السلطات المصرية بشأن المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي لمصر، ويدعمه الصندوق من خلال قرضه البالغ 12 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات".
كما نقلت رويترز أمس عن رجل الأعمال علاء سبيع، قوله إن "القرار يعالج التضخم بالتضخم. ما يحدث تهريج. الأسعار ستتضخم مرة أخرى. لا أعلم كيف يقبلون على مثل هذه الخطوة؟ كيف يمتثلون لكل طلبات الصندوق؟ الاقتصاد قد يتوقف. إذا أردت الاقتراض حالياً سيكون بأكثر من 18%. هذا رقم خيالي سيضاف إلى أسعار المنتجات والسلع".
ارتفاع العجز
وتوقع محمد فؤاد، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن يكلف قرار المركزي موازنة السنة المالية المقبلة 2017-2018 ما بين 30 و32 مليار جنيه زيادة في تكلفة خدمة الدين بالموازنة.
وقال لرويترز: "كل زيادة في سعر الفائدة بواقع 100 نقطة أساس ترفع أعباء خدمة الدين بالموازنة حوالي 15 مليار جنيه، وهو تأثير بالغ الخطورة على السياسة المالية. القرار سيؤدي لتضخم انكماشي. وجاء استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي".
وتستهدف موازنة السنة المالية المقبلة 2017-2018 المعروضة على مجلس النواب إنفاق 380.986 مليار جنيه على مصروفات الفوائد.
ويتخوف مراقبون من أن تحمل الموازنة العامة عبء مصروفات الفوائد الجديدة بعد زيادة الفائدة، الأمر الذي قد يُجبر الحكومة على التعجل في اتخاذ قرارات زيادة أسعار الطاقة والمياه والكهرباء مع بداية السنة المالية الجديدة مطلع يوليو/تموز المقبل، ما يعني زيادة حتمية في معدلات التضخم.