يثير اجتماع رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب بمستشاره للأمن ووزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، عقب اجتماع مماثل مع مستشار الرئيس المصري للشؤون الأمنية اللواء أحمد جمال الدين، علامات استفهام كثيرة.
ولا يمكن عزل اجتماع محلب مع إبراهيم وجمال الدين، عن صراع الأجنحة داخل النظام المصري الحالي الذي يترأسه عبد الفتاح السيسي، خصوصاً أن وزيري الداخلية السابقين، معروف عنهما الخلافات الكبيرة وعدم الوفاق، وهو ما ينعكس سلباً بلا أدنى شك على الحالة الأمنية في مصر.
والغريب في الأمر، أن اجتماع محلب وإبراهيم يُعدّ الظهور شبه الرسمي الأول لوزير الداخلية السابق عقب عزله من منصبه، وقد يمكن اعتباره طبيعياً نظراً لأنه مستشار رئيس مجلس الوزراء، أما لقاء محلب وجمال الدين، فيمثل علامة استفهام كبيرة، خصوصاً أن الرجل مستشار الرئيس المصري ولا دخل له بمجلس الوزراء.
ويبدو أن تضحية السيسي بشريكه في الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي، وهو إبراهيم، لا تزال آثارها عالقة في ذهن الرجل، وخصوصاً أن الموالين له لا يزالون في مناصب قيادية داخل الوزارة.
وانعكس غضب إبراهيم من التضحية به، على رجاله في الوزارة، وبالتالي العمل بشكل محدود مع الوزير الجديد اللواء مجدي عبد الغفار، وعدم تنفيذ تعليماته بشكل جيد، وهو ما ينعكس بشكل كبير على الأداء الأمني للوزارة خلال الفترة الحالية وربما المستقبل القريب.
وبحسب مراقبين، فإن وزير الداخلية الجديد لا يجد ولاء كاملاً من المحيطين حوله، على الرغم من إحداث حركة تغييرات وتنقلات في القيادات التي تعمل معه، بيد أنه لم يتمكن من إحاطة نفسه برجاله، نظراً لأنه بعيد عن دائرة الأمن العام، ولا يعرف الكثير عن الأمور داخل باقي إدارات الوزارة بخلاف جهاز الأمن الوطني.
اقرأ أيضاً: "جواسيس الداخلية": سيف النظام المصري المسلط على رقاب المعارضين
ولا يمكن إغفال مشهد إقالة إبراهيم من منصبه، في أوائل مارس/آذار الماضي، والذي كان في خلفيته جمال الدين. وعلى مدار الأشهر التي سبقت إقالة وزير الداخلية السابق، تصاعدت حدة الخلافات والصراعات بين جمال الدين وإبراهيم، وهي تفاصيل باتت تتداولها بعض الأوساط، ولكنها لم تخرج إلى الإعلام.
وعلى ما يبدو فإن جمال الدين أراد إطاحة الرجل على خلفية اعتراضات على أدائه وسياساته، وفضّل أن يأتي بدلاً منه بشخصٍ يدين بالولاء له، ولا يُخفى على أحد أن وزير الداخلية الحالي جاء باختيار مستشار الرئيس ذاته.
ويمكن فهم طبيعة الصراعات بين الطرفين خلال الفترة الماضية، في ضوء الصراعات داخل أجنحة النظام الحالي، والرغبة في تمكين بعض الأشخاص بتوطيد وضعهم في النظام الوليد، باعتبارهم مراكز قوى وثقل داخل أروقته.
ولعب إبراهيم دوراً خفيّاً في الترتيب للاطاحة بالسيسي والمجلس العسكري، فالرجل يُعدّ "صندوقاً أسود" للفترة التي سبقت إطاحة مرسي، فضلاً عن الفترة التي تلي ذلك.
ويُعدّ وزير الداخلية السابق، العقل المدبر لجرائم وانتهاكات جهاز الشرطة في مواجهة معارضي النظام الحالي. وعلى الرغم من حالة الغضب من إبراهيم وإقالته من منصبه، بدا أن شريكه مضطر لتعيينه في منصب مستشار رئيس الوزراء، بدرجة نائب رئيس وزراء، وهو منصب شرفي من دون صلاحيات.
وكان محلب قد التقى الخميس الماضي إبراهيم في إطار الجهود التي تقوم بها الدولة لمكافحة الإرهاب، بحسب ما أُعلن رسمياً، من دون ذكر تفاصيل ما جاء في الاجتماع أو إلى ماذا انتهى. وسبق اجتماع محلب وإبراهيم لقاء جمع الأول مع جمال الدين ومستشارة الرئيس المصري للأمن القومي فايزة أبو النجا.
وفي إطار بحث الوضع الأمني الهش، اجتمع الرئيس المصري أخيراً، بعدد من القيادات الأمنية والعسكرية، لـ"مواجهة خطط الأعمال الإرهابية"، في نهاية أسبوع شهد أعمالاً طالت مراكز وأقسام الشرطة، وتفجيراً لبرجي الكهرباء، في مدينة الإنتاج الإعلامي.
وبحسب بيان للرئاسة المصرية، عقد السيسي اجتماعاً ضم كلاً من عبد الغفار، ورئيس الاستخبارات العامة اللواء خالد فوزي، وعدداً من القادة العسكريين والأمنيين (لم يُعلن أن محمد إبراهيم من بينهم). وشهد الاجتماع، بحسب البيان، "استعراضاً لتطورات الأوضاع الأمنية الداخلية، وكذلك الاستعدادات والخطط التي أعدتها مختلف أجهزة الأمن لمواجهة الأعمال الارهابية". ووجّه السيسي "بضرورة مواصلة خطط استهداف البؤر الإرهابية والإجرامية، فضلاً عن استمرار التنسيق الكامل في العمل الميداني بين القوات المسلحة وجهاز الشرطة".
ويقول الخبير الأمني العميد محمود قطري، إن صراع الأجنحة الأمنية موجود في مصر، وهذا الأمر طبيعي ويحدث في كل دول العالم. ويضيف قطري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأهم هو محاولة السيطرة على هذه الخلافات وهذا الصراع، حتى لا يخرج عن السيطرة، وهو أمر له تأثير فادح على المجتمع ككل.
ويشير إلى "أن الكل يعلم بوجود رجال إبراهيم داخل الوزارة، وهو ما يؤثر سلباً على أداء الوزير الجديد، الذي لا يعلم خبايا الوزارة والتعامل مع الأمن العام، وبالتالي اختياراته في مساعديه كانت محدودة"، معتبراً أن اختيار عبد الغفار من البداية كان خطأ ولكنه جاء بدعوى محاربة الإرهاب والتوجّه إلى شخص لديه خبرة في التعامل مع الجماعات الإرهابية، وهو أمر خطأ لأن وزارة الداخلية لن تتخصص في مواجهة الإرهاب وتترك باقي المهمات الأمنية الأخرى.
ويرى قطري أن عبد الغفار "قد يكون وجد غضاضة في التعامل معه داخل الوزارة، سواء بإيعاز من سلفه بشكل مباشر أو غير مباشر، فربما تحدث إلى جمال الدين، ومعروف أنه صاحب هذا الخيار وداعم له، بوجود مشكلات تعيق عمله، ولهذا يمكن أن يتدخل جمال الدين بما له من صلاحيات واسعة من قبل السيسي، لدى محلب للسيطرة على إبراهيم ورجاله".
ويشدد على أنه يمكن استغلال عدم خبرة الوزير الجديد في الأمن العام، في حالة ارتخاء أمني في الشارع ومتابعة الملفات الأمنية، هذا بخلاف التعامل مع المعارضين للنظام أو الجماعات الإرهابية.
اقرأ أيضاً: مصر: الأمن يرد على تظاهرات "الصمود طريق النصر" بالاعتقالات