تباشر الدائرة الأولى لفحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا المصرية، اليوم الأحد، النظر بالطعن الذي قدمته الحكومة ضد حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية واستمرار تبعية جزيرتي تيران وصنافير لمصر، وذلك وسط أجواء استثنائية من القلق والتوتر والاتهامات والضغوط المتبادلة بين الحكومة ومعارضي الاتفاقية في المجالين الحقوقي والإعلامي وبين القضاة المؤيدين والمعارضين لحكم أول درجة.
وجاء تحديد جلسة استثنائية اليوم لهذه الدائرة، التي تنعقد مرتين في الشهر وفي يوم الإثنين فقط، ليؤكد وجود تدخلات عالية المستوى من الرئاسة المصرية، ووزير الشؤون القانونية مجدي العجاتي، الذي كان قاضياً كبيراً بمجلس الدولة ورئيساً للدائرة التي تنظر بالطعن لعدة سنوات، بهدف الإسراع في إنهاء الشق القضائي في هذه القضية، تمهيداً لاستكمال مجلس النواب لإجراءات التصديق على الاتفاقية في أسرع وقت.
وتضيف المصادر أن أي تأجيل لعملية البت بالطعن إلى ما بعد هذا التاريخ سيؤدي لإطالة أمد التقاضي أكثر، نظراً لحالة الفراغ التي ستصيب الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، بشقيها المستعجل والموضوعي، بسبب تقاعد ندا وأبوالليل. وتتشكل الدائرة الأولى لفحص الطعون بالإدارية العليا من ستة قضاة برئاسة أبوالليل، وتتشكل الدائرة الأولى الموضوعية من القضاة أنفسهم بالإضافة إلى ندا.
وتختلف اختصاصات الدائرتين، إذ يجوز لدائرة الفحص أن تقرر وقف تنفيذ حكم أول درجة وإحالة الشق الموضوعي من القضية إلى دائرة الموضوع لتصدر حكماً نهائياً غير قابل للطعن، كما يجوز لدائرة الفحص أن ترفض وقف تنفيذ الحكم وتحيل الشق الموضوعي مباشرة لدائرة الموضوع. ويحق لدائرة الفحص أن تقرر مباشرة رفض الطعن وتأييد حكم أول درجة دون الإحالة إلى دائرة الموضوع.
وبناءً على هذه المعطيات، ترجّح المصادر ذاتها أن يتم إصدار قرار حاسم "بوقف تنفيذ حكم أول درجة"، اليوم الأحد، أو غداً الاثنين، أو في جلسة خاصة أخرى خلال الأسبوع الجاري على أقصى تقدير، وأن تحيل دائرة الفحص الشق الموضوعي من القضية إلى دائرة الموضوع بجلسة مستقبلية، بعدما يتولى رئاسة الدائرة رئيس مجلس الدولة المقبل، المستشار محمد مسعود، الذي سيتسلم منصبه أول الشهر المقبل.
وتعبّر المصادر عن "ثقة الحكومة في أن تعتبر الإدارية العليا (في مرحلتي الفحص والموضوع على حد سواء) الاتفاقية من أعمال السيادة التي لا يجوز للقضاء مراقبتها، بناءً على مبادئ سابقة أصدرتها المحكمة الإدارية العليا والمحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن. وتشير المصادر في هذا السياق، إلى أن "وقف تنفيذ الحكم سيسمح بالتصديق على الاتفاقية من قبل مجلس النواب مباشرة، فيصدر قرار جمهوري بها، وتصبح نافذة، ويصعب الطعن عليها لاحقاً، نظراً لاعتبار القرارات التي يوافق عليها مجلس النواب برلمانية تخرج عن الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة".
وعن إمكانية الطعن بالاتفاقية بعد التصديق عليها، تقول المصادر: "هذا ممكن نظرياً أمام القضاء الإداري، لكن المحكمة لن تملك أكثر من إحالة الاتفاقية إلى المحكمة الدستورية للبت فيها، مما سيستغرق وقتاً طويلاً، كما يرجح أن تقضي المحكمة الدستورية أيضاً بعدم اختصاصها، لأن الاتفاقية ليست معاهدة عامة انضمت مصر إليها بما يتناقض مع الدستور المصري أو مصالح الدولة، بل هي اتفاقية ثنائية مقتصرة على مصر والسعودية، ولا يجوز وفقاً لقواعد القانون الدولي أن يتراجع أي طرف عن تنفيذ التزاماته المذكورة في الاتفاقية".
وعلى الصعيد الحكومي المصري، علمت "العربي الجديد" أن مدير مكتب رئاسة الجمهورية، عباس كامل، أبلغ وزارتي الدفاع والخارجية بأوامر تقضي بتقديم جميع الوثائق الممكنة التي تثبت أن الوجود المصري في جزيرتي تيران وصنافير كان مؤقتا وبالاتفاق مع الجانب السعودي على خلفية الأحداث التي تلت حرب فلسطين عام 1948، وخلال حربي السويس والاستنزاف في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وتضمنت التعليمات عدم التسرع في تقديم الوثائق بدعوى الحفاظ على سريتها، وأن تقدمها الوزارتان لهيئة قضايا الدولة ممثلة الحكومة في القضية إذا طلبت المحكمة ذلك فقط.
وفي سياق متصل، يقول مصدر دبلوماسي إن الأيام الأربعة الماضية شهدت اتصالات رفيعة المستوى بين الجانبين المصري والسعودي، على مستوى قيادة الدولتين ووزيري الخارجية، طمأن فيها الجانب المصري نظيره السعودي باستمرار إجراءات التصديق على الاتفاقية بعد وقف تنفيذ حكم القضاء الإداري مباشرة، محاولاً التقليل من آثار الحكم واحتمال تنفيذه. ويضيف المصدر نفسه أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أبلغ نظيره السعودي بأن الحكم القضائي الصادر بشأن الاتفاقية مستحيل التنفيذ بسبب تعديه على اختصاص سياسي أصيل للدولة، وأن القضاء المصري قادر على تخطي هذه الأزمة بوقف تنفيذ الحكم ثم بإلغائه تماماً في مرحلة لاحقة.
إلى ذلك، يشير المصدر إلى أن القلق السعودي من الحكم يعود إلى عدم إثارة موضوع إمكانية الطعن على الاتفاقية خلال المفاوضات التي جرت على مدار السنوات الأربع الماضية، لا سيما أن المرحلة الأخيرة من الاتفاق اتسمت بالسرعة البالغة لرغبة الطرف السعودي في توقيع الاتفاقية خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الأخيرة إلى مصر وعدم الانتظار إلى الصيف الحالي كما كان مقرراً سلفاً.