وعلى الرغم من أن مقطع الفيديو الذي تمت إذاعته واحد تقريباً، إلا أن الطرف المصري بثّه مستقطعاً من سياقه، لإثبات ما قاله النائب العام للنيابة الإيطالية من قبل، تحديداً لجهة أنّ مباحث أمن الدولة (الأمن الوطني) في وزارة الداخلية كانت تراقب ريجيني فعلاً بعد تلقيها بلاغاً بالاشتباه فيه من نقيب الباعة الجائلين، لكن المباحث كفّت عن مراقبته بعدما تبين لها أنه لا يمارس أي أنشطة تمسّ الأمن القومي المصري.
من جهتها، بثّت وسائل الإعلام الإيطالية مقطع الفيديو من بدايته للدلالة على أن نقيب الباعة الجائلين، بإيعاز من الأمن، كان يستنطق ريجيني لإيقاعه في الخطأ أو إلباسه تهمة تلقي تمويل خارجي، وذلك من خلال الإلحاح عليه في تلقي المال لعلاج زوجته وابنته وليس لأغراض بحثية أو نقابية. لكن ريجيني كان فطناً، إذ أكد أكثر من مرة أنه لا يملك سلطة التصرف في المال إلا للغرض العلمي باعتباره طالباً أكاديمياً.
في غضون ذلك، قال مصدر قضائي مطلع في النيابة العامة المصرية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن إذاعة مقطع الفيديو تؤكد فقط أن الأمن كان يتابع ريجيني من خلال نقيب الباعة الجائلين، والذي سهّل للأمن مهمة مراقبة ريجيني بالصوت والصورة قبل أن ينسحب هو من المهمة. لكن الفيديو الذي تتجاوز مدته 20 دقيقة لا يثبت شيئاً عن قتل ريجيني أو يكشف عن هوية قاتليه.
وأضاف المصدر، في تصريحات خاصة، يوم الثلاثاء الماضي، أن مقطع الفيديو تم تسليمه خلال الزيارة قبل الماضية للنائب العام إلى السلطات الإيطالية، وأن نائب عام روما "احتفى به كثيراً، واعتبر تسليم الفيديو نقلة نوعية في التعاون المصري". غير أن جهاز أمن الدولة لم يعطِ النيابة المصرية حتى الآن أي معلومات عن تواجد ريجيني في أي من مقاره بعد 7 يناير/ كانون الثاني 2016.
وأوضح المصدر أن "النيابة تسلمت من الشرطة جميع القوائم الخاصة بالدخول والخروج من أقسام وسط العاصمة ومقار أمن الدولة خلال الفترة السابقة للعثور على جثة ريجيني، ولم يظهر فيها اسمه". وأشار المصدر إلى أن "النيابة تعرف جيداً أن بإمكان الشرطة إخفاء دلائل دخول أشخاص بعينهم إلى مقارها، وهذا ما يرجح أنه حصل، لكن لا دليل رسمياً على ذلك".
ولفت المصدر إلى أن "الجانب الإيطالي يركّز على إمكانية إيجاد أي ثغرة يثبت بها وجود احتكاك مباشر بين أشخاص تابعين لأي جهاز أمني، وبصفة خاصة أمن الدولة أو المخابرات، وبين ريجيني. وفي هذه الحالة ستكون هناك مساءلة للحكومة المصرية بصفتها الاعتبارية، من دون الحاجة للتوصل إلى أشخاص بعينهم قاموا باستدراج ريجيني ثم تعذيبه وقتله".
وأكد المصدر القضائي أن ما سمّاه "خطة الدفاع التي تتبعها الشرطة" ترمي إلى هدف واحد فقط يتمثل في "قيد القضية ضد مجهول". وتراهن الشرطة على عدم وجود أدلة تثبت وجود ريجيني في مقار احتجاز خلال تلك الفترة. وكشف المصدر عن أن "بعض محققي النيابة لا يزالون يطرحون احتمال أن يكون قد تم احتجاز ريجيني وتعذيبه حتى قتله بالخطأ في مكان غير تابع للشرطة، وأن يكون بعض الضباط قد تورطوا في علاقة ما مع العصابة التي تم قتل جميع أفرادها وعُثر على حاجيات ريجيني في منازل أفرادها، بهدف تعذيب ريجيني أو تغييبه لحين انتزاع اعترافات معينة منه، لكنه لقي مصرعه فارتبك الطرفان، أي ضباط الشرطة والعصابة"، على حد قوله.
وشدد المصدر على أن تأكيد هذا الاحتمال متوقف على ما وصفه بـ"تعميق البحث في أنشطة جميع أفراد العصابة المقتولين خلال شهر يناير/ كانون الثاني من العام الماضي"، مشيراً إلى أن "الشرطة لا تتعاون مع النيابة في هذا الملف تحديداً، ما يثير مزيداً من الشكوك".
وأوضح المصدر القضائي أن "هناك رغبة لدى المحققين الإيطاليين في التحقيق المباشر مع نقيب الباعة الجائلين محمد عبدالله، لكن النائب العام نبيل صادق يرفض ذلك، باعتبار أن النيابة المصرية تطلع نظيرتها الإيطالية فقط على مجريات التحقيق، ولا تشركها فيه". ولفت المصدر إلى أن "نقيب الباعة الجائلين قال في التحقيقات التي أجريت معه لأكثر من 15 جلسة إن ريجيني كان جاسوساً يعمل لحساب جهة أجنبية، وأنه يرجح أن تكون هذه الجهة هي المسؤولة عن قتله". وهو نفسه الاحتمال الذي روجت له أجهزة أمنية مصرية بعد مصرع ريجيني بفترة وجيزة.