مصر: مشروع قانون "استثنائي" لمكافحة الإرهاب على خطى "مبارك

02 فبراير 2014
+ الخط -

 

القاهرة- محمد صلاح الدين

تناقش الحكومة المصرية حاليًا نسخة محدثة من مشروع قانون لمكافحة الإرهاب، يقدم تعريفًا لهذه الجريمة، ويتضمن العقوبات التي ستوقعها المحاكم على مرتكبيها، والتي تختلف عما ينص عليه قانون العقوبات.

ولا ينظم المشروع محاكمات استثنائية للمتهمين في جرائم الإرهاب، ولكنه يتبنى نظامًا استثنائيًا في التحقيق والاستدلال يقوم عليه مأمور ضبط قضائي ونيابة خاصة للإرهاب.

ويسمح المشروع الذي حصلت "الجديد" على نسخة منه، باحتجاز الأشخاص المتهمين 3 أيام دون إذن من النيابة، وينظم إجراءات جديدة لتجديد الحبس والتظلم والطعن، كما يفتح الباب أمام التعاون القضائي الدولي بين مصر والدول الأجنبية للتصدي للإرهاب.

وتحمل المادة 49 من المشروع إجراءات شبيهة بما يتضمنه قانون الطوارئ عند إعلان حالة الطوارئ لكن بتنظيم وقتي مختلف، حيث تبيح لرئيس الجمهورية "اتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها" إذا قام خطر جريمة إرهابية أو إذا قامت حرب أو كارثة طبيعية أو بيئية، مع جواز أن تتخذ هذه الإجراءات بأوامر شفوية، يجب أن تعزز بقرار كتابي خلال 8 أيام.

وتلزم المادة الرئيس بعرض هذا القرار على مجلس الشعب خلال 15 يومًا بعد صدوره، مع استدعاء مجلس الشعب للانعقاد لنظر المسألة إذا لم يكن منعقدًا، وإذا كان المجلس منحلًا يتم عرض الأمر على المجلس الجديد في أول اجتماع له، ويجوز لرئيس الجمهورية إطالة أمد مدة التدابير الاستثنائية بعد موافقة أغلبية مجلس الشعب.

ووفقًا للمادتين 2 و5 فإن القانون يسري على كل عمل يتم فيه استخدام القوة والعنف أو التهديد أو الترويع بغرض الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع أو مصالحه وأمنه للخطر أو إيذاء أفراده، سواء ارتكبت الجريمة على متن وسيلة نقل جوي أو بري أو مائي، أو كان الهدف منها إلحاق الضرر بأي من مواطني مصر والمقيمين فيها أو أمنها أو مصالحها في الداخل والخارج أو مكاتبها الدبلوماسية في الخارج، أو إلحاق الضرر بأي من المنظمات الدولية والإقليمية أو فروعها في مصر، أو لإجبار الدولة على القيام بعمل ما أو الامتناع عنه، أو إذا كان المجني عليه مصريًا مقيمًا في الخارج، أو إذا كان مرتكب الجناية أجنبيًا أو عديم الجنسية وموجودًا في مصر.

ويعاقب القانون في فصل كامل من يتورطون في هذه الأفعال، وتنص المادة 7 على أن العقوبة تشمل التحريض على ارتكاب الجريمة الإرهابية حتى لو لم يترتب على هذا التحريض أي أثر، بينما تحظر المادة 9 تطبيق وسيلة الرأفة القضائية بالنزول من عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد المنصوص عليها في المادة 17 من قانون العقوبات، إذا تعلق الأمر بتطبيق أحكام قانون مكافحة الإرهاب، إلاّ في حالة الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات أصلًا بالإعدام.

ويعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 10 سنوات كل من ارتكب عملًا إرهابيًا، وبالإعدام إذا ترتب على العمل وفاة أي شخص، وبالسجن المؤبد كل من قام بتمويل الإرهاب لفرد، وبالإعدام لكل من قام بتمويل جماعة إرهابية، كما يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جماعة إرهابية أو تولى زعامتها أو مركزًا قياديًا فيها، مع القضاء بمصادرة أموال الجماعة الإرهابية والأموال المتحصلة من جرائم الإرهاب، بالإضافة إلى حل الجماعة وإغلاق مقارها وأماكنها في الداخل والخارج.

ويعاقب بالسجن المؤبد أو السجن المشدد الذي لا تقل مدته عن 10 سنوات كل من درب أفرادًا على استعمال الأسلحة التقليدية وغير التقليدية ووسائل الاتصال السلكية واللاسلكية والإلكترونية بقصد المشاركة في عمل إرهابي، وبذات العقوبة كل من دخل بالقوة أو العنف أحد المقار التابعة لرئاسة الجمهورية أو الحكومة أو البرلمان أو المحافظات أو القوات المسلحة أو الشرطة بقصد الاستيلاء عليها أو الإضرار بها، وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا وقع هذا الفعل باستخدام السلاح أو قام الجناة بتدمير وإتلاف المقر، وتزيد العقوبة للإعدام إذا ترتب على هذه الأعمال وفاة شخص.

ويرتب المشروع عقوبة السجن المؤبد أو السجن المشدد الذي لا تقل مدته عن 10 سنوات على كل من اقتحم مقار البعثات الدبلوماسية أو الهيئات الدولية في مصر أو الخارج، ويعاقب بالسجن المؤبد كل من سعى لدى دولة أجنبية أو جمعية أو منظمة أو عصابة خارج مصر للإضرار بمصالح مصر في الداخل أو الخارج، وتكون العقوبة الإعدام إذا وقعت جريمة الإضرار التي تعتبر عندئذ إرهابية.

ويعاقب أيضًا بالسجن المشدد لمدة 7 سنوات على الأقل كل من يستولي على وسيلة نقل عام بغرض الترويع والتهديد، والعقوبة ذاتها لكل من يعتدي على القائمين على تنفيذ أحكام هذا القانون أو يقاومهم بالقوة أو يهدد باستخدامها أثناء تنفيذ الأحكام، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات كل من أنشأ موقعًا إلكترونيًا بأغراض الترويج لأفكار الإرهاب والمعتقدات الداعية لها، أو بث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية، أو التأثير على سير العدالة، أو تبادل الرسائل بين الجماعات والمنظمات، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 10 سنوات كل من مارس القرصنة الإلكترونية على موقع إلكتروني تابع لجهة أمنية أو قضائية.

ويتضمن المشروع عقوبة الحبس مدة من سنة إلى خمس لكل من قام بجمع معلومات دون مقتضى من القانون عن أحد القائمين على تنفيذ أحكام قانون الإرهاب، وبالحبس مدة لا تقل عن سنة لكل من صنع أو استورد أو ارتدى زيًا عسكريًا أو علامات مميزة لعمل أو وظيفة دون وجه حق أو انتحل صفة الضبطية القضائية أو الإدارية.

وتتيح المادة 32 للمحاكم أن توقع بعض العقوبات الإضافية إلى جانب الحبس المشدد حسب تقديرها هي: إبعاد الأجنبي عن البلاد نهائيًا وحظر الإقامة في مكان معين أو تحديد الإقامة أو حظر التردد على أماكن معينة أو الإلزام بالتواجد في أماكن معينة بأوقات محددة، وحظر العمل في أماكن معينة وأنشطة محددة، وحظر استخدام وسائل اتصال معينة أو المنع من حيازتها والإلزام بالاشتراك في دورات إعادة التأهيل، وذلك كله يكون لمدة مؤقتة لا يجوز مدها هي 5 سنوات، فيما عدا إبعاد الأجنبي.

ويجوز للمحكمة أيضًا في حال تعدد الجناة أمامها بأن تعفي من العقوبة كل من بادر منهم بإبلاغ أي سلطة مختصة بالجريمة قبل تنفيذها وقبل علم السلطات بها.

وينشئ المشروع في المادة 36 نظامًا استثنائيًا للتحقيق والاستدلال في جرائم الإرهاب يكون فيه لمأمور الضبط القضائي المختص سلطة القبض على الأشخاص المتهمين بارتكاب الجريمة واحتجازهم لمدة 3 أيام وتفتيشهم، ويجوز لمأمور الضبط القضائي أن يطلب من النيابة العامة قبل انقضاء مدة الاحتجاز زيادة فترة الاحتجاز إلى 7 أيام، ويصدر الأمر بالمد من قاضٍ بدرجة رئيس نيابة على الأقل، وتحسب مدة الاحتجاز هذه ضمن مدة الحبس الاحتياطي، ويجب إيداع المتهم في أحد الأماكن المخصصة للحبس قانونيًا.

ويجب على مأمور الضبط القضائي أن يبلغ كل من يقبض عليه بأسباب الاحتجاز، مع أحقية المتهم في الاتصال بذويه والاستعانة بمحام.

وتجيز المادة 41 لمأمور الضبط القضائي أن يستصدر إذنًا من نيابة الإرهاب بتفتيش مسكن المتهم وضبط الأشياء والمتعلقات الخاصة بالجريمة الإرهابية.

وتتيح المادة 42 لمأمور الضبط أيضًا استصدار أمر مسبب من النيابة لمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية، وتسجيل وتصوير ما يجري في الأماكن الخاصة أو عبر الشبكات أو المواقع الإلكترونية، وضبط المكاتبات والرسائل العادية والإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات بأنواعها، وهي مادة قريبة الشبه من التشريع الأمريكي الذي صدر عقب أحداث 11 سبتمبر لمواجهة مخاطر الإرهاب.

 وتنص المادة 39 على أن يكون للنيابة العامة لدى تصديها لجرائم الإرهاب السلطات المقررة لمحكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة للنظر في مدد الحبس الاحتياطي، بشرط ألا تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي في كل مرة 15 يومًا، وذلك بما لا يجاوز ضعف الحد الأدنى لمدد الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر الدعوى الجنائية.

وبموجب المادة 46 فإنه سيتم تخصيص دوائر في محاكم الجنايات يكون رئيسها بدرجة رئيس بمحاكم الاستئناف تفصل في جرائم الإرهاب والجنايات المرتبطة بها، كما تشكل دوائر مختصة في المحاكم الجزئية لنظر الجنح المرتبطة بهذه الجرائم، وتؤلف هذه الدوائر من 3 قضاة بالمحاكم الابتدائية، وتؤلف الدوائر الاستئنافية من 3 قضاة بمحاكم الاستئناف، ويفصل في هذه القضايا جميعًا على وجه السرعة.

وتنص المادة 48 على أنه "لا تنقضي الدعوى الجنائية في جرائم الإرهاب ولا تسقط العقوبة المحكوم بها على المتهمين بارتكابها بمضي المدة".

وتنظم المواد من 51 إلى 57 التعاون الجنائي الدولي في مواجهة الإرهاب، بحيث تتبادل الجهات القضائية المصرية مع نظيرتها الأجنبية التعاون القضائي لمواجهتها بالمعلومات والإنابات وتسليم الأشخاص واسترداد الأموال، ويجوز للجهات القضائية المصرية أن تأمر بتنفيذ الأحكام الجنائية النهائية الصادرة من الجهات القضائية الأجنبية بتجميد أو ضبط أو مصادرة أو استرداد الأموال المتحصلة من جرائم الإرهاب وعائداتها، وذلك كله وفقًا للقواعد التي تتضمنها الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف لمكافحة الإرهاب التي تكون مصر طرفًا فيها، ووفقًا لمبدأ المعاملة بالمثل.

رفض قضائي للمشروعن

من جهتها، قالت مصادر قضائية رفيعة المستوى بالمحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة إن معظم مواد هذا المشروع تشبه إلى حد بعيد مواد مشروع قانون الإرهاب الذي ترأس لجنة وضعه الوزير والنائب الأسبق مفيد شهاب عام 2007 في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لا سيما مع إنشاء نظام استثنائي في القانون للاستدلال والتحقيق قائم أساسًا على وجود مأمور الضبط القضائي الذي لم يحدد مشروع وزارة العدل طريقة اختياره أو الفئة التي سيتم إسناد مأمورية الضبط إليها.

وأضافت المصادر أن نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك كان واعيًا لأن إنشاء نظام استثنائي للاستدلال والتحقيق ينطوي على بعض المخالفات للأصول الدستورية والقانونية العامة وقانوني الإجراءات الجنائية والعقوبات، أمر يستلزم ظهيرًا دستوريًا لقانون التظاهر الذي كانوا يعدونه، فتم استحداث المادة 179 الخاصة بمكافحة الإرهاب خلال التعديلات الدستورية التي أقرت عام 2007، وهو ما اتبعته لجنة الخمسين في الدستور الذي أقرته مؤخرًا عندما استحدثت مادة جديدة لمكافحة الإرهاب.

وقال المستشار عادل فرغلي -الرئيس الأسبق لمحاكم القضاء الإداري-: إن منح مأمور الضبط الصفة القضائية في عملية الضبط لا تغني عن وجوب حصوله على أمر قضائي مسبب بالتفتيش والاحتجاز، وهو ما يلقي أيضًا بشبهة البطلان على المادة 42 التي تتيح لمأمور الضبط "استصدار أمر مسبب من النيابة لمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل وضبط المكاتبات والرسائل العادية والإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات بأنواعها" باعتبار أن المادة لم تنظم الإجراء الذي سيتخذه مأمور الضبط إذا لم توافق النيابة على إصدار هذا الأمر.

وانتقد فرغلي بشدة المادة التي تسمح لرئيس الجمهورية باتخاذ تدابير مناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام إذا قام خطر جريمة إرهابية، واعتبر أن الهدف الحقيقي لهذه المادة إتاحة إعلان إجراءات مشابهة لحالة الطوارئ في أي وقت.

ووصف فرغلي هذه المادة بـ"الشاذة تشريعيًا" لأنها نظمت العلاقة بين السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية ممثلة في مجلس الشعب عند إعلان هذه التدابير الاستثنائية، رغم أن هذا التنظيم مكانه الدستور وليس القانون" حيث نصت المادة على إلزام الرئيس بعرض قراره على مجلس الشعب خلال 15 يومًا بعد صدوره، وجواز إطالة أمد مدة التدابير الاستثنائية بعد موافقة أغلبية مجلس الشعب.

وأوضح أن هذا النص ينطوي على شبهة عدم دستورية "لأنه يسمح للرئيس باتخاذ التدابير الاستثنائية شفهيًا ثم تعزيزها بقرار كتابي خلال 8 أيام، رغم أن المنطق القانوني السليم يفترض صدور القرارات تحريريًا من اللحظة الأولى لتحديد مدى مسئولية السلطة التنفيذية عنها، حتى وإن لم يستلزم ذلك إعلانها".

المساهمون