تلوح في الأفق معالم احتمال تكرار سيناريو "التهجير الطوعي" الذي عاشته مناطق واسعة من مدينتي رفح والشيخ زويد في محافظة شمال سيناء المصرية، خلال العامين الماضيين، لكن هذه المرة في مدينة العريش، وتحديداً المنطقة الجنوبية. كما بدأت القوات المشتركة من الجيش والشرطة، شنّ حملات موسعة، خلال اﻷسبوع الماضي، في أحياء عدة بمنطقة جنوب العريش، وسط قصف مدفعي ومداهمات واعتقالات في صفوف المدنيين، بدعوى مواجهة الجماعات المسلحة.
في هذا السياق، شهدت مدينة العريش، التي كانت تعتبر المدينة "المحصّنة"، عمليات مسلحة كبيرة من قبل تنظيم "ولاية سيناء" ضد قوات الجيش والشرطة، على حد سواء. وعلى الرغم من محاولات الجيش محاصرة التنظيم المسلح في مناطق نفوذه بمدينتي الشيخ زويد ورفح، وأخيراً في منطقة وسط سيناء، إلا أن التنظيم تمكن من تنفيذ عمليات نوعية في قلب المدينة.
وبعد تصعيد أهالي العريش ضد وزارة الداخلية، عقب تصفية 10 من الشباب، 6 منهم كانوا قيد الاختفاء القسري منذ العام الماضي، لجأت قوات الشرطة إلى التصعيد في المقابل بشن حملات بمشاركة قوات الجيش على أحياء عدة جنوب العريش. وصاحب الحملة التي أسفرت عن هدم عدد من المنازل جراء القصف المدفعي للجيش والاعتقالات، ترويجٌ واسع من قبل بعض المتعاونين مع الجيش والشرطة من أهالي سيناء، أو مراسلي الصحف المحسوبة على النظام، بضرورة إخلاء منطقة جنوب العريش واقتلاع الزراعات المحيطة بالمدينة تماماً.
وبحسب مصادر قبلية، فإن عدداً من اﻷسر قررت بالفعل ترك منطقة جنوب العريش، خصوصاً من التحريض الدائم تجاه أهالي سيناء بصفة عامة، وخوفاً من تكرار سيناريو ما حدث في الشيخ زويد، من وقوع قتلى وجرحى أغلبهم من النساء واﻷطفال، ﻹجبار اﻷهالي على الهجرة طوعاً، خوفاً من إصابتهم وذويهم.
وكشفت المصادر القبلية، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك عدداً آخر من اﻷسر في العريش، يدرسون الخروج إلى مدينة بئر العبد التي تعتبر مستقرة إلى حد كبير، أو حتى إلى محافظات أخرى". وأضافت أن "ما يحدث في العريش اﻵن، هو تهجير طوعي، لأنهم يجبرون اﻷهالي على الخروج من المدنية، تحت قصف المدفعية والاعتقالات، فضلاً عن قطع اﻷرزاق، بالرغبة في التخلص من الزراعات". وتساءلت: "لمصلحة من تنفَّذ استراتيجية إخلاء سيناء؟ وفي النهاية هي تصب في صالح الكيان الصهيوني تماماً"، مؤكدة ضرورة تدخل مؤسسة الرئاسة واﻷجهزة المعنية لوقف هذا السيناريو.
من جانبه، قال باحث في الحركات اﻹسلامية، إن "اﻷزمة في سيناء هي ملاحقة التنظيم المسلح لقوات الجيش والشرطة، وللأسف الشديد ليس العكس، نتيجة قلة المعلومات لدى أجهزة جمع المعلومات". وأضاف الباحث، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا بد من تخفيف وطأة التنكيل باﻷهالي، ﻹيجاد سبيل للتعاون لمواجهة التنظيم المسلح، وليس التهجير والانتهاكات، التي يكون لها نتائج عكسية خطيرة". واعتبر أن "الحل العسكري اﻷمني وحده غير مجدٍ تماماً في سيناء، ولكن يجب عمل نوع من المصالحة مع اﻷهالي وفتح صفحة جديدة، من خلال تشكيل لجان تحقيق في وقائع الانتهاكات والتصفيات الجسدية، وتعويض المواطنين عن الخسائر المادية التي لحقت بهم خلال ما يزيد عن ثلاثة أعوام".