07 نوفمبر 2024
مصر و"ديجا فو" إعلامية
ما حكم الشرع في حضن الزوج زوجته في نهار رمضان؟ سؤال موضوع منشور في موقع صحيفة إخبارية مصرية، وجدت أن الجمهور شغوف بمعرفة الإجابة. الغريب أن السؤال أجيب عنه آلاف المرات، ولا توجد تقريبا أي وسيلة إعلام، من أي نوع، إلا وتناولته بالبحث والتمحيص الدقيق وسؤال الشيوخ والعلماء حول هذه القضية "الخطيرة" في شهر رمضان من كل عام، بالإضافة إلى غيرها من الأسئلة العبقرية، مثل حكم مشاهدة المسلسلات في نهار رمضان! وكأن الحلال والحرام مرتبطان بوقت معين في اليوم، فالمفترض أن الحلال هو حلال في كل وقت وحين، وكذلك الحرام. وقد أدى هذا التكرار المملّ إلى اعتقادي أنني تعرّضت لحالة "ديجا فو"، والتي يتخيل فيها الشخص أنه عاش الأحداث نفسها من قبل في وقت سابق.
شهد شهر رمضان الحالي حدثا مماثلا "متكرّرا" كأنه حدث من قبل، وهو تسليم قوات اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، الضابط المصري هشام عشماوي للقاهرة. تعاملت وسائل الإعلام المصرية مع الخبر كأنه قد حدث لأول مرة، وتحدثت عن أنها عملية اصطياد وليس مجرّد عملية تسليم، وصوّرت الأمر عملية نوعية لأجهزة الأمن المصرية، على الرغم من أن عشماوي قبضت عليه قوات حفتر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وكانت وسائل الإعلام المصرية قد ادّعت مراتٍ قبل ذلك أنه قتل أو قبض عليه، فمن الطبيعي أن يشعر المتابع وكأنه قد مر بذلك الحدث من قبل. كما أن شخصا آخر ارتبط بعشماوي، وتكرّرت أنباء القبض عليه، وهو سفيان بن قمو الذي عرف إعلاميا بأنه سائق أسامة بن لادن، تكرّرت أنباء القبض عليه بكثافة في وسائل الإعلام عدة مرات، قبل أن يعلن عن وفاته بعد القبض على عشماوي العام الماضي.
إحقاقا للحق، لا تتوقف ظاهرة "الديجا فو" على شهر رمضان، بل هي منتشرة في موضوعات أخرى كثيرة في كل المجالات في مصر، ففي كل انتخابات أو استفتاء منذ سنوات، يتوعد
الإعلاميون المصريين بأنهم سيدفعون خمسمائة جنيه، إذا تخلفوا عن الحضور والتصويت، في محاولةٍ مكررةٍ وبائسة، لتخويفهم ودفعهم إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع، من أجل صناعة صورة إقبال جماهيري يقوّي شرعية النظام. وتشترك عدة مؤسسات في ترويج ذلك. وفي كل مرة، لا يهتم أحد بالموضوع، ولا يذهب أحد خوفا من الغرامة المزعومة التي لم يتم تحصيلها أبدا.
وإذا كان هشام عشماوي متهما بتنفيذ عمليات إرهابية ضد قوات الجيش والشرطة في سيناء وغيرها، فإن ما يحدث في سيناء أحداث متكرّرة أيضا، فقد تكررت الوعود الرسمية بالقضاء على الإرهاب هناك خلال مدد مختلفة، فقد بشّرتنا صحيفة الأهرام في سبتمبر/ أيلول 2013 بـ"إعلان سيناء خاليةً من الإرهاب خلال أيام"، كما وعد قائد الجيش الثاني سابقا، اللواء أحمد وصفي، بتسليم سيناء "متوضئة" خلال أسبوع، وأن "العمليات العسكرية في سيناء انتهت.. ودخلنا مرحلة التطهير"، وفقا لتصريح له لإحدى الصحف المصرية في أكتوبر/ تشرين الأول 2013. وهو الوعد نفسه الذي أطلقه "مصدر عسكري" لصحيفة مصرية أخرى في سبتمبر/ أيلول 2016، عندما أكد "إعلان مصر خالية من الإرهاب" مطلع عام 2017! كما أن الصحيفة نفسها أكدت، قبل نحو عام، أن "الإرهاب يلفظ أنفاسه الأخيرة في سيناء"، بعد إطلاق "العملية الشاملة" لقوات الجيش، وها هي الأيام تمر ولا تزال العمليات الإرهابية تحدث بين كل فترة وأخرى.
ويبدو أن شعار "إعلان مصر خالية من" جذب قطاعاتٍ أخرى في الدولة، فتحدث مدير صندوق تطوير العشوائيات عن "إعلان مصر خاليةً من العشوائيات غير الآمنة نهاية 2019"، لكنه ناقض نفسه في التصريح نفسه عندما قال إنه سيتم الإعلان عن مصر خالية من العشوائيات "غير المخطّطة" عام 2030، ولم يوضح الفارق بين العشوائيات غير الآمنة ومثيلتها غير المخططة، ويبدو أنه يحتاط من الآن لعدم تنفيذ الوعد خلال هذا العام، فإذا سأله أحد لماذا بقيت العشوائيات، على الرغم من وعوده، سيقول إنه وعد بإخلاء مصر من العشوائيات غير الآمنة، وليس غير المخططة، وهي طريقة للعب بالكلمات، يؤديها المسؤولون باحترافية.
وعلى مدار العام، ما أكثر الأحداث التي تتكرر وكأنها تنتمي لظاهرة "ديجا فو"، ففي ذكرى السادس من أكتوبر من كل عام، تتسابق الفضائيات والصحف المصرية لإجراء حوارات مع
جيهان السادات، زوجة الرئيس الراحل أنور السادات، للحديث عن "أسرار حرب أكتوبر"، وتتفنن وسائل الإعلام في إبراز تلك "الأسرار" في عناوينها، على الرغم من أن تلك "الأسرار" لم تعد أسرارا منذ دهر، ويتم الحديث عنها بشكل متكرّر سنويا بدون أي تغيير، كما أن أحدا من وسائل الإعلام تلك لم يشعر بالاستغراب، لأن زوجة الرئيس ليس من المفترض أن يكون لديها أي أسرار من أي نوع عن أي موضوع، لأنها لا تتولى أي منصب رسمي.
كما تبشّرنا وسائل الإعلام المصرية دوريا بأن عودة الرحلات الجوية بين مصر وروسيا أصبحت قاب قوسين أو أدنى، ويرتبط الحديث عادة بالزيارات المتبادلة بين مسؤولين مصريين وروس في القاهرة وموسكو، وهي زيارات تحتوي على كلام يتكرر بالحرف في أثناء تغطيتها، فهي لا تخرج عن الحديث عن عودة الرحلات الجوية، وإقامة منطقة صناعية في قناة السويس، وإقامة المفاعل النووي في مصر، وحديث عن صفقات سلاح ضخمة ستغير موازين القوى في الشرق الأوسط، وسترعب إسرائيل، وتجعل أميركا ترتجف ذعرا، ولم يتحقق شيء من تلك "الأحلام".
شهد شهر رمضان الحالي حدثا مماثلا "متكرّرا" كأنه حدث من قبل، وهو تسليم قوات اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، الضابط المصري هشام عشماوي للقاهرة. تعاملت وسائل الإعلام المصرية مع الخبر كأنه قد حدث لأول مرة، وتحدثت عن أنها عملية اصطياد وليس مجرّد عملية تسليم، وصوّرت الأمر عملية نوعية لأجهزة الأمن المصرية، على الرغم من أن عشماوي قبضت عليه قوات حفتر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وكانت وسائل الإعلام المصرية قد ادّعت مراتٍ قبل ذلك أنه قتل أو قبض عليه، فمن الطبيعي أن يشعر المتابع وكأنه قد مر بذلك الحدث من قبل. كما أن شخصا آخر ارتبط بعشماوي، وتكرّرت أنباء القبض عليه، وهو سفيان بن قمو الذي عرف إعلاميا بأنه سائق أسامة بن لادن، تكرّرت أنباء القبض عليه بكثافة في وسائل الإعلام عدة مرات، قبل أن يعلن عن وفاته بعد القبض على عشماوي العام الماضي.
إحقاقا للحق، لا تتوقف ظاهرة "الديجا فو" على شهر رمضان، بل هي منتشرة في موضوعات أخرى كثيرة في كل المجالات في مصر، ففي كل انتخابات أو استفتاء منذ سنوات، يتوعد
وإذا كان هشام عشماوي متهما بتنفيذ عمليات إرهابية ضد قوات الجيش والشرطة في سيناء وغيرها، فإن ما يحدث في سيناء أحداث متكرّرة أيضا، فقد تكررت الوعود الرسمية بالقضاء على الإرهاب هناك خلال مدد مختلفة، فقد بشّرتنا صحيفة الأهرام في سبتمبر/ أيلول 2013 بـ"إعلان سيناء خاليةً من الإرهاب خلال أيام"، كما وعد قائد الجيش الثاني سابقا، اللواء أحمد وصفي، بتسليم سيناء "متوضئة" خلال أسبوع، وأن "العمليات العسكرية في سيناء انتهت.. ودخلنا مرحلة التطهير"، وفقا لتصريح له لإحدى الصحف المصرية في أكتوبر/ تشرين الأول 2013. وهو الوعد نفسه الذي أطلقه "مصدر عسكري" لصحيفة مصرية أخرى في سبتمبر/ أيلول 2016، عندما أكد "إعلان مصر خالية من الإرهاب" مطلع عام 2017! كما أن الصحيفة نفسها أكدت، قبل نحو عام، أن "الإرهاب يلفظ أنفاسه الأخيرة في سيناء"، بعد إطلاق "العملية الشاملة" لقوات الجيش، وها هي الأيام تمر ولا تزال العمليات الإرهابية تحدث بين كل فترة وأخرى.
ويبدو أن شعار "إعلان مصر خالية من" جذب قطاعاتٍ أخرى في الدولة، فتحدث مدير صندوق تطوير العشوائيات عن "إعلان مصر خاليةً من العشوائيات غير الآمنة نهاية 2019"، لكنه ناقض نفسه في التصريح نفسه عندما قال إنه سيتم الإعلان عن مصر خالية من العشوائيات "غير المخطّطة" عام 2030، ولم يوضح الفارق بين العشوائيات غير الآمنة ومثيلتها غير المخططة، ويبدو أنه يحتاط من الآن لعدم تنفيذ الوعد خلال هذا العام، فإذا سأله أحد لماذا بقيت العشوائيات، على الرغم من وعوده، سيقول إنه وعد بإخلاء مصر من العشوائيات غير الآمنة، وليس غير المخططة، وهي طريقة للعب بالكلمات، يؤديها المسؤولون باحترافية.
وعلى مدار العام، ما أكثر الأحداث التي تتكرر وكأنها تنتمي لظاهرة "ديجا فو"، ففي ذكرى السادس من أكتوبر من كل عام، تتسابق الفضائيات والصحف المصرية لإجراء حوارات مع
كما تبشّرنا وسائل الإعلام المصرية دوريا بأن عودة الرحلات الجوية بين مصر وروسيا أصبحت قاب قوسين أو أدنى، ويرتبط الحديث عادة بالزيارات المتبادلة بين مسؤولين مصريين وروس في القاهرة وموسكو، وهي زيارات تحتوي على كلام يتكرر بالحرف في أثناء تغطيتها، فهي لا تخرج عن الحديث عن عودة الرحلات الجوية، وإقامة منطقة صناعية في قناة السويس، وإقامة المفاعل النووي في مصر، وحديث عن صفقات سلاح ضخمة ستغير موازين القوى في الشرق الأوسط، وسترعب إسرائيل، وتجعل أميركا ترتجف ذعرا، ولم يتحقق شيء من تلك "الأحلام".