13 يونيو 2021
مصر والسودان.. تقارب تكتيكي
استبشر محللون سياسيون ومواطنون كثيرون في مصر والسودان بزيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، القاهرة أخيرا، سيما أنها جاءت بعد حوالي عام ونصف العام من زيارته السابقة، وبعد فترة توتر كبير في العلاقة بسبب قضايا خلاف عديدة، أبرزها موضوع السيادة على مثلث حلايب وشلاتين، التقارب السوداني مع إثيوبيا في ملف سد النهضة، وجود قوى معارضة لكل منهما لدى الأخرى. وكانت لهذه النبرة التفاؤلية شواهد عديدة تؤيدها، ومن ذلك القمة التي عقدها الرئيسان عبد الفتاح السيسي وعمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي، هايله ميريام ديسالين، في نهاية يناير/ كانون الأول الماضي، ثم لقاء وزيري خارجية ومخابرات البلدين في القاهرة في فبراير/ شباط. وأخيرا زيارة القائم بأعمال مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل الخرطوم، وحمله اقتراحا إلى البشير، حسب ما نقله موقع أفريكا أنتليجنس عما سماها مصادر دبلوماسية، يقضي بإخضاع مثلث حلايب لإدارة مشتركة بين البلدين.
ومن هنا أطلق محللون وسياسيون سودانيون العنان لأنفسهم بشأن هذا الاقتراح، فذهب فريق منهم إلى أن هذا بمثابة إقرار من مصر بأحقية السودان في المثلث ككل، في حين رأى فريق ثانٍ أن فكرة الإدارة المشتركة تحتاج تفسيرا، فهل تعني تقاسم السيادة، وبالتالي تنازل الخرطوم، من وجهة نظرهم، عن جزء من سيادتها باعتبار كل حلايب سودانية، أم أنها تعني الإدارة المشتركة فقط، وإزالة مصر بعض العقبات، مثل الحواجز الجمركية وحملات التوقيف، باعتبار أن الإدارة لا تعني المساس بالسيادة المصرية.
ربما لم يُقابل هذا الجدل الساخن داخل السودان بخصوص حلايب بجدل مماثل داخل مصر،
ربما لاعتبارات عدة، منها أن القاهرة لم يصدر عنها رد فعل رسمي، يشير إلى قبولها حتى بفكرة الإدارة وليس السيادة المشتركة، بل تشير كل تصريحاتها السابقة إلى تمسكها بفكرة السيادة والإدارة لحلايب، باعتبارها أرضا مصرية بموجب اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين الموقعة عام 1899. وفي المقابل، ظهر فريق من المتفائلين المصريين بشأن انعكاس زيارة البشير بحدوث تقدم في مفاوضات سد النهضة، بعد اقتراب السودان من مصر. إذن، ما الهدف من الزيارة، ما دامت قضية حلايب غير مطروحة للنقاش على الأقل من الجانب المصري؟
بداية، الزيارات الرسمية على مستوى القيادة في العلاقات الدولية قد تكون مؤشرا جيدا لإمكانية حدوث تقدم في العلاقة بين جانبين، تشهد علاقاتهما توترا بسبب قضايا خلافية. وربما تكون الأجواء السابقة على الزيارة أو المصاحبة لها، أو حتى التالية عليها مؤشرا على ذلك. وفي الحالة المصرية السودانية، وكما سبق القول، هناك مؤشرات إيجابية قبل الزيارة وفي أثنائها، خصوصا ما يتعلق بالجوانب الترحيبية، والحفاوة التي استقبل بها البشير في مصر، وكلمات الثناء "الدبلوماسية"، والتي فسرت بدعم كل منهما الآخر أمام الرأي العام العالمي والداخلي على حد سواء، سيما في أوضاع داخلية تبدو غير مستقرة، بسبب مقاطعة المعارضة الانتخابات الرئاسية في مصر، ووصفها بأنها عودة إلى عصر الاستفتاء الذي ظل السمة البارزة للحكم حتى انتخابات 2005. وفي المقابل، يعاني السودان أوضاعا اقتصادية صعبة، دفعت المعارضة أوائل العام لإطلاق دعوات إلى التظاهر وإسقاط النظام، لا سيما بعد تراجع قيمة الجنيه السوداني بصورة غير مسبوقة أمام الدولار، وارتفاع الأسعار بنسبة تجاوزت 100%. إذن، من هذه الزاوية، نجح كلاهما في تحقيق الهدف. لكن ماذا عن القضايا الخلافية، خصوصا ما يتعلق بحلايب وسد النهضة؟
جاء تصريح وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، بعد عودته إلى الخرطوم صادما
لسودانيين كثيرين متفائلين بحدوث تقدم في ملف حلايب، فقد نفى بشدة صحة تقديم مصر مقترح إدارة مشتركة لحلايب، وأكد تمسك بلاده بضرورة حل القضية بالحوار أو التحكيم الدولي. ومعنى هذا أن حلايب وشلاتين ستظل "محلّك سر"، وإلى حين رفع اللجان المشتركة على مستوى وزيري الخارجية والمخابرات تقريرا عنها إلى القمة الثنائية. وفي المقابل، اصطدم محللون مصريون متفائلون كثيرون بزيارة مساعد الرئيس السوداني، إبراهيم محمود حامد، إثيوبيا بالتزامن مع زيارة البشير القاهرة، لإطلاع أديس أبابا على أهداف الزيارة، وإرسال رسائل تطمينية لها بعدم حدوث تحول في موقف السودان بشأن سد النهضة. وهي زيارة تشبه التي قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي المستقيل، ديسالين، إلى الخرطوم عقب زيارته القاهرة، لإطلاعها على نتائج زيارته أيضا، ما يشير إلى وجود تنسيق عال بينهما في أكثر من ملف، منها سد النهضة.
ومعنى هذا كله أن قضيتي حلايب وسد النهضة تم تجاهلهما تماما في مباحثات الرئيس السوداني في القاهرة، وأنه تم الاكتفاء بكلام دبلوماسي عام عن ضرورة الربط المائي والزراعي والنقل بين الجانبين. ما حدا بفريق من أصحاب المدرسة الواقعية في التحليل من الجانبين إلى القول إن الزيارة لم تحرك ساكنا بشأنهما، وإنها لم تخرج عن تقارب تكتيكي لمصالح خاصة للنظامين، ولا تنم عن تقارب استراتيجي يستهدف تحقيق تقدم حقيقي في هذه الملفات، لعدم وجود رغبة حقيقية في التعامل معها، وإلا كان يمكن، من وجهة نظرهم، تفعيل اتفاقيات الحريات الأربع الخاصة بحرية التنقل والإقامة والعمل والتملك، خطوة أولى على الطريق، وهي الاتفاقية المجمدة منذ توقيعها عام 2010، بل ربما يذهبون إلى نظرة أكثر تشاؤمية، بخشيتهم من تعكّر الأجواء مع تصويت أهل حلايب في الانتخابات الرئاسية في مصر.
ومن هنا أطلق محللون وسياسيون سودانيون العنان لأنفسهم بشأن هذا الاقتراح، فذهب فريق منهم إلى أن هذا بمثابة إقرار من مصر بأحقية السودان في المثلث ككل، في حين رأى فريق ثانٍ أن فكرة الإدارة المشتركة تحتاج تفسيرا، فهل تعني تقاسم السيادة، وبالتالي تنازل الخرطوم، من وجهة نظرهم، عن جزء من سيادتها باعتبار كل حلايب سودانية، أم أنها تعني الإدارة المشتركة فقط، وإزالة مصر بعض العقبات، مثل الحواجز الجمركية وحملات التوقيف، باعتبار أن الإدارة لا تعني المساس بالسيادة المصرية.
ربما لم يُقابل هذا الجدل الساخن داخل السودان بخصوص حلايب بجدل مماثل داخل مصر،
بداية، الزيارات الرسمية على مستوى القيادة في العلاقات الدولية قد تكون مؤشرا جيدا لإمكانية حدوث تقدم في العلاقة بين جانبين، تشهد علاقاتهما توترا بسبب قضايا خلافية. وربما تكون الأجواء السابقة على الزيارة أو المصاحبة لها، أو حتى التالية عليها مؤشرا على ذلك. وفي الحالة المصرية السودانية، وكما سبق القول، هناك مؤشرات إيجابية قبل الزيارة وفي أثنائها، خصوصا ما يتعلق بالجوانب الترحيبية، والحفاوة التي استقبل بها البشير في مصر، وكلمات الثناء "الدبلوماسية"، والتي فسرت بدعم كل منهما الآخر أمام الرأي العام العالمي والداخلي على حد سواء، سيما في أوضاع داخلية تبدو غير مستقرة، بسبب مقاطعة المعارضة الانتخابات الرئاسية في مصر، ووصفها بأنها عودة إلى عصر الاستفتاء الذي ظل السمة البارزة للحكم حتى انتخابات 2005. وفي المقابل، يعاني السودان أوضاعا اقتصادية صعبة، دفعت المعارضة أوائل العام لإطلاق دعوات إلى التظاهر وإسقاط النظام، لا سيما بعد تراجع قيمة الجنيه السوداني بصورة غير مسبوقة أمام الدولار، وارتفاع الأسعار بنسبة تجاوزت 100%. إذن، من هذه الزاوية، نجح كلاهما في تحقيق الهدف. لكن ماذا عن القضايا الخلافية، خصوصا ما يتعلق بحلايب وسد النهضة؟
جاء تصريح وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، بعد عودته إلى الخرطوم صادما
ومعنى هذا كله أن قضيتي حلايب وسد النهضة تم تجاهلهما تماما في مباحثات الرئيس السوداني في القاهرة، وأنه تم الاكتفاء بكلام دبلوماسي عام عن ضرورة الربط المائي والزراعي والنقل بين الجانبين. ما حدا بفريق من أصحاب المدرسة الواقعية في التحليل من الجانبين إلى القول إن الزيارة لم تحرك ساكنا بشأنهما، وإنها لم تخرج عن تقارب تكتيكي لمصالح خاصة للنظامين، ولا تنم عن تقارب استراتيجي يستهدف تحقيق تقدم حقيقي في هذه الملفات، لعدم وجود رغبة حقيقية في التعامل معها، وإلا كان يمكن، من وجهة نظرهم، تفعيل اتفاقيات الحريات الأربع الخاصة بحرية التنقل والإقامة والعمل والتملك، خطوة أولى على الطريق، وهي الاتفاقية المجمدة منذ توقيعها عام 2010، بل ربما يذهبون إلى نظرة أكثر تشاؤمية، بخشيتهم من تعكّر الأجواء مع تصويت أهل حلايب في الانتخابات الرئاسية في مصر.