لم تتأخر بعض أحزاب المعارضة السودانيّة، بينها حزب الأمة برئاسة، الصادق المهدي، والحزب الشيوعي بقيادة مختار الخطيب، في حسم أمرها بشأن الانتخابات البرلمانية، لتفاجئ الأوساط السودانية بإعلان نيّتها تنظيم انتخابات موزاية للانتخابات العامة، التي حدّدها الرئيس السوداني، عمر البشير، في أبريل/نيسان المقبل.
وينظر مراقبون إلى هذه الخطوة بمثابة "قبول للتحدي"، وخصوصاً أنّ الحزب الحاكم ظلّ يعتبر قرار المعارضة بمقاطعة تلك الانتخابات ومطالباته بتأجيلها، دليلاً على "ضعف شعبيتها" التي لن تمكنها من الفوز، ما يجعل المقاطعة أمراً ضروريّاً "لحفظ ماء الوجه".
وتحت مظلة تحالف "نداء السودان"، وهو اتفاق وقعه تحالف المعارضة وحزب الأمة ومنظمات مدنيّة، فضلاً عن الجبهة الثوريّة، ممثلة في الحركة الشعبية قطاع الشمال والحركات الدارفورية المسلّحة"، أطلقت هذه الأطراف حملة شعبيّة بعنوان "ارحل"، هدفها جمع تواقيع المواطنين، عبر التصويت داخل دور الأحزاب وعبر الإنترنت. وتسعى الحملة إلى حض النظام على ترك الحكم، وتأكيد رفض الانتخابات التي تصفها "بانتخابات عبثيّة" لتنصيب البشير، و"مسرحية" لبذخ 800 مليون دولار لتنصيبه رئيساً من "بدون رغبة الشعب".
ومن المقّرر أن يباشر تحالف القوى المعارضة حملة جمع التواقيع، اليوم الأربعاء، خلال ندوة جماهيرية يستضيفها حزب الأمة المعارض في مقرّه في الخرطوم، على أن تشمل الحملة عشرين مدينة سودانية، فضلاً عن المناطق النائية. وتحمل ورقة التواقيع ترويسة بعنوان حملة "مقاطعة الانتخابات"، مرفقة بشعار لنداء السودان من اليمين، وبعبارة "ارحل" من الجانب الأيسر، في حين تمّت كتابتها بلغة محلية بسيطة ليفهمها المواطن البسيط، وتعدّد أسباب الدعوة والتوقيع. وتخاطب الورقة البشير، وتعدّد أسباب المطالبة برحيل نظامه، ومن بينها تضييق المعيشة وفقدان البلاد لثلث أراضيها بسبب انفصال الجنوب، فضلاً عن اشتعال الحروب.
وبالتزامن مع مؤتمر المعارضة الصحافي لإطلاق حملتها، عقدت لجنة ترشيح البشير للرئاسة، مؤتمراً مماثلاً، اعتبرته الأوساط السودانيّة بمثابة ردة فعل لتحرّك المعارضة، الذي من الواضح أن النظام سيواجهه بأساليب مختلفة ضمنها الإعلام. ولم تتأخّر مجموعة تضمّ 150 شخصاً، يمثلون قوى سياسيّة ومدنيّة وشخصيات قومية، في إعلان دعمها ترشيح البشير لدورة رئاسية خامسة بشكل رسمي، في موازاة تبرير الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي، جلال الدقير، اختيار البشير باعتباره "الرمح الأصيل". ولم يتردّد في دعوة المعارضة إلى العدول عن خطوتها في ما يتّصل بالانتخابات الموازية.
ويعتبر الدقير، وفق تصريحاته خلال المؤتمر، أن "نخسر الجولة الانتخابية ونفقد السلطة ونسعى لإعادتها بقوة الصبر، أشرف من أن نخرب بلادنا بأيدينا أو أن نتحول إلى أدوات وذرائع في أيدي الغير ليخربوا بها بلادنا ويطمسوا هويتها".
في المقابل، يعدّ الحزب الحاكم خطوة المعارضة بمثابة "منافسة" لتحديد الأحجام الحقيقية وسط الشارع السوداني. ويقول الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر الوطني، ياسر يوسف، إن حزبه يرحّب بحملة المقاطعة باعتبار أنّها ستشكل دفعة قوية للانتخابات المقبلة ومساحة دعائية واسعة". ويؤكّد الترحيب "بأي عمل سلمي وديمقراطي بما فيه بدء تصويت موازٍ ضد الانتخابات، ليعرف الناس من هم أقل وأضعف عدداً"، لكنّه عاد ليقطع بعدم ديمقراطية الخطوة في الوقت ذاته، بإشارته إلى أنّ "المقاطعة ليست بالعمل الديمقراطي لأحزاب بقيت تنادي بالديمقراطية وتحاكمنا بها، كما أن الوسيلة التي تقوم بها الحكومات وتؤسس عليها الممارسة السلمية هي الانتخابات".
وكانت قيادات في "المؤتمر الوطني"، أفادت خلال الأيام الماضية، بضبط خلية للأحزاب المعارضة، تخطّط لتخريب الانتخابات، الأمر الذي عدّته المعارضة مؤشراً عن نيّة الحكومة عرقلة نشاطها، مؤكدة أنها ستلتزم خلال حملتها بالقانون. ويرجّح المتحدّث الرسمي باسم حملة المقاطعة، بكري يوسف، أن "تعطل الحكومة الحملة"، ويشير في الوقت ذاته إلى إعداد "خطط بديلة"، موضحاً "أننا قبلنا التحدي في ما يتصل بقضيّة تحديد الأحجام الحقيقيّة في الشارع".
وتدخل خطوة المعارضة في الخرطوم، ضمن مربّع الانتقال من خانة المقاطعة السلبيّة، التي تكتفي بإعلان عدم المشاركة في الانتخابات والاكتفاء بموقف المعلق، إلى خانة صانع الأحداث والعمل الفعلي عبر الانتخابات الموزاية. ويرى مراقبون أنّ في نجاح الخطوة إنعاشاً كبيراً لحال المعارضة، لا سيّما إذا أفلحت في جمع 50 في المائة من نسبة المسجلين في السجل الانتخابي الخاص بانتخابات 2010. ومن شأن هذه الخطوة أن تقوي موقف المعارضة في مواجهة الحكومة، الأمر الذي يمكّنها من تحقيق مكاسب سياسيّة كبيرة في أي تسوية سياسيّة مقبلة، وخصوصاً أنّ الحكومة تراهن على هوان المعارضة وسط الشارع. كما أنّ هذه الخطوة ربّما تدفع المجتمع الدولي إلى إيلاء المعارضة اهتماماً ومساندة أكبر، بالنظر إلى ميزان القوى في الشارع. ويخشى مراقبون أن تقطع السلطات ذلك التحرّك خوفاً من سيناريوهاته المتوقعة وأن تعمد إلى التضييق على الأحزاب في تنفيذ مخططها.
ويرى المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، أنّ الخطوة بمثابة "إعادة تقييم لمواقف المعارضة السلبيّة بشأن قضايا البلاد"، معتبراً أنّه "من المؤكد أنّ الخطوة مزعجة للحكومة وستزيد إرباكها، خصوصاً إذا فشلت في استقطاب عدد كبير من الناخبين إلى مراكز الاقتراع". ويشير إلى أنّه "كلما تراجعت فاعلية الانتخابات، زادت ردّة الفعل الحكومي تجاه المعارضة، باعتبار أنّ فشل الحشد الانتخابي يصبّ في مصلحة المعارضة"، مرجّحاً أن تجد الخطوة "مقاومة أمنيّة في حال نجحت الأحزاب في الحشد الجماهيري داخل مقراتها".
ويعرب أبو الجوخ عن اعتقاده أنّ "الحملة بمثابة سلاح ذي حدين للمعارضة، باعتبار أنّه سيترتّب على فشلها تداعيات وخيمة على مستقبل المعارضة ويقود إلى تفكيكها وإعادة تشكيلها من جديد، في حين أنّ نجاحها سيظهرها قوة موازية للنظام الحاكم".
واستبقت حركة "الاصلاح الآن" بزعامة غازي صلاح الدين، التي انشقت، أخيراً، عن الحزب الحاكم، المعارضة بإعداد ملصقات مذيّلة بعبارة "لا للانتخابات"، في محاولة لتحريض الشارع السوداني على مقاطعتها.
من جهته، أعلن المؤتمر الشعبي المعارض عن حملة مقاطعة للانتخابات، قوامها عقد ندوات تُعنى بتوعية المواطنين عن كل ما يتعلّق بالحريّة والديمقراطيّة. ويقول الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، كمال عمر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "لكلّ معارضة وسائلها في مناهضة الانتخابات، لكننا نلتقي جميعاً عند مقاطعتها"، مذكّراً بأن حزبه "وجّه كافة أعضائه بعدم المشاركة في العملية، ومنع كل من يحاول خوضها مستقلاً".
ويؤكّد في الوقت ذاته أنّهم "لن يطالبوا أعضاء المؤتمر بالاقتراع في الانتخابات الموازية التي أعلنتها قوى نداء السودان"، مضيفاً: "لم نُستشر في الخطوة، وبالتالي لن نشارك في موقف لم نكن جزءاً من صياغته".