وقال الناشط الصحافي، جابر أبو محمد، لـ"العربي الجديد"، إن هدوءاً حذراً ساد، أمس الأربعاء، مناطق الاشتباكات في ريف محافظتي إدلب وحلب بين "جبهة فتح الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً) وفصائل المعارضة السورية، وذلك بعد سيطرة "الجبهة" على العديد من مواقع ومقرات الفصائل في هاتين المنطقتين، أول من أمس، وسط مؤشرات على إمكانية تجدد الاشتباكات في أي لحظة. ودعا قائد "حركة أحرار الشام"، علي العمر (أبو عمار) إلى النفير العام والاستعداد لأي تحرك، وانتظار الأوامر للتدخل لوقف القتال بين "فتح الشام" والفصائل، بشتى الوسائل، حتى بالقوة حفاظاً على الثورة السورية. وأضاف أبو عمار، في تسجيل صوتي، "لن نسمح لأحد العبث بجهادنا وأخذنا إلى الهاوية. وقد أرسلنا مبادرات للجميع تقضي بتحكيم الشرع، وافق الكل عليها، باستثناء فتح الشام. لن نسمح بتواصل الاقتتال، وأعلن النفير العام لإيقاف القتال بأي طريقة، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية ضد أي جهة ترفض وقف القتال". وأكد أن الحركة لن تقبل بالأخطاء السابقة، واستئصال الفصائل المعارضة من قبل "فتح الشام"، بمبررات التخوين وغيرها، محذراً من أن الاقتتال سيؤدي إلى خسارة المناطق المحررة لصالح النظام السوري والمليشيات الرديفة.
وبررت "فتح الشام"، في بيان أصدرته، هجماتها على بعض مواقع الفصائل بأنها من أجل "إفشال المؤامرات والتصدي لها قبل وقوعها"، في إشارة منها إلى قناعتها بأن الفصائل التي حضرت مباحثات أستانة، وافقت على قرار يقضي بعزل "الجبهة" ومحاربتها. وكان اجتماع أستانة، الذي عقد يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، ركز على وقف شامل لإطلاق النار في سورية، وقتال "داعش" و"جبهة فتح الشام"، وفق البيان الختامي للدول الراعية، تركيا وروسيا وإيران. إلا أن وفد المعارضة تحفظ على البيان، ورفض البحث في ملف "فتح الشام" ما لم يترافق ذلك مع بحث خروج المليشيات الأجنبية والإيرانية من سورية، مع أن الروس زودوا الوفدين السوريين خرائط ميدانية لانتشار تنظيمي "فتح الشام" و"داعش"، ونصّ أحد بنود البيان الختامي على موافقة الأطراف على الفصل بين التنظيمين من جهة، والفصائل المسلحة المعارضة من جهة ثانية.
وقال المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، لـ"العربي الجديد"، إن فصائل المعارضة قررت إنشاء غرفة عمليات مشتركة، تتكون من "أحرار الشام" و"صقور الشام" و"جيش الإسلام" و"تجمع فاستقم كما أمرت" و"جيش المجاهدين" لمواجهة "فتح الشام". وأوضح أن الفصائل المشاركة في لقاء الأستانة "لم تتحفظ على إدراج فتح الشام كتنظيم إرهابي، كونها مدرجة على هذا التصنيف بقرار من مجلس الأمن، لكن الفصائل طلبت أيضاً بالتوازي ببحث طرد 62 تنظيماً شيعياً يشارك في القتال إلى جانب النظام". وأعرب عن اعتقاده أنه بعد أن بادرت "جبهة فتح الشام" إلى الهجوم على مقرات الفصائل، بدعوى الدفاع المسبق عن نفسها، فإن الفصائل، وبدعم تركي، اتخذت قراراً بتصفية "الجبهة"، إذ قررت "حركة أحرار الشام" فتح مستودعاتها الاستراتيجية لهذه المعركة. وأوضح رحال أن الحركة تمكنت من طرد "فتح الشام" من معارة ودانا وسرمدا (ريف إدلب)، بينما استولت "الجبهة" على مدينة احسم، متوقعاً ألا يتدخل طيران النظام أو الطيران الروسي أو طيران التحالف في هذه المعركة. ورأى أن إشعال القتال بين "جبهة فتح الشام" والفصائل هدف معلن لحلف النظام وروسيا وإيران، بالإضافة الى الولايات المتحدة، وكان أحد الأسباب الرئيسية لتجميع مقاتلي المعارضة في محافظة إدلب من جميع المحافظات السورية.
وكانت "جبهة فتح الشام" شنت أول من أمس هجوماً على مقرات تابعة إلى "جيش المجاهدين" و"الجبهة الشامية" في ريفي إدلب وحلب، وسيطرت على مقرات للفصيلين التابعين إلى "الجيش الحر" في المحافظتين. وقال الناشط عامر الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، إن الأوضاع كانت هادئة في إدلب أمس، لكن حالة استنفار وترقب تسود الأجواء. وأضاف أنه "خلال ذهابه إلى معبر باب الهوى عن طريق فرعي، عبر كفر نوران -الأتارب - الدانا، لاحظ أن جبهة فتح الشام قطعت الطريق الرئيسي، ووضعت عليه سواتر ترابية". وأوضح أن عناصر "الجبهة" ينتشرون على طول الطريق بعد أن سيطروا على جميع حواجز "جيش المجاهدين" بما فيها حاجز باتبو، مع انتشار كثيف على دوار سرمدا من دون تفتيش أو تحقيق. وأشار إلى أن "حركة أحرار الشام" استنفرت عناصرها بعد كلمة أبو عمار، وكذلك "جيش الإسلام" الذي نشر أسلحة ثقيلة.
من جهة ثانية، أكدت "كتائب ثوار الشام" انضمامها رسمياً إلى "أحرار الشام"، فيما يبدو أنها محاولة منها لحماية نفسها من إمكانية تعرضها للهجوم من "جبهة فتح الشام". وأعلن المقدم جمال علوش، ومحمود الداني، الملقب أبو إسماعيل كوكل، انشقاقهما عن جبهة "صقور الشام" في بلدة كفرنبل ووقوفهما على الحياد. وبدورها، أعلنت القوة الأمنية في "جيش الفتح" في محافظة إدلب أنها قررت تجنيب مناطقها الاقتتال الدائر بين "فتح الشام" والفصائل، وأنها ستمنع مرور أية مؤازرات لأي فصيل مشارك في القتال من المناطق التي تسيطر عليها. من جهتها، اتهمت "جبهة فتح الشام"، في بيان، كلاً من "صقور الشام" و"جيش الإسلام" البدء بالهجوم على مواقعها في إدلب في 23 يناير/كانون الثاني الحالي، ما أدى إلى مقتل 6 من عناصرها، مشيرة إلى أنه لم يكن هناك أي قتال مع الفصيلين وقتها.
هجمات "داعش"
وسقط 35 قتيلاً مدنياً جراء القصف الروسي المتواصل على محافظة دير الزور، التي تخضع بمعظمها إلى سيطرة "داعش". وقالت مصادر محلية إن "35 مدنياً، بينهم نساء وأطفال، قتلوا جراء الغارات الروسية على قرية الصالحية في ريف دير الزور، وأحياء وقرى وبلدات في الريفين الشرقي والغربي لدير الزور". وبحسب تقديرات محلية فإن عدد ضحايا الغارات السورية والروسية على دير الزور، في الأيام العشرة الماضية، زاد عن 300 شخص، معظمهم من المدنيين. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن "6 قاذفات روسية بعيدة المدى قصفت مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية في المحافظة، خصوصاً في محيط المقابر، والمعامل، ومنطقة المكبات في المحور الجنوبي لدير الزور، وفي محيط لواء التأمين وسريّة جنيد على المحور الجنوبي الغربي للمدينة، وأوقعت عدداً من القتلى والجرحى في صفوف مسلحي التنظيم".
على الجانب الآخر، شن "داعش" هجمات على مواقع "قوات سورية الديمقراطية" في ريف محافظة الرقة الغربي، ومواقع قوات النظام في ريف حلب الجنوبي. وأعلن التنظيم، في بيان، أن مقاتليه باغتوا "قوات سورية الديمقراطية"، التي يغلب عليها مقاتلو مليشيات "وحدات حماية الشعب" الكردية، في عدة قرى في الريف الغربي، أبرزها الجرنية وإعيوج وعطشانة وجداع والمحمودلي وطويحنة وأبو صخرة وجعبر، وتمكنوا من "قتل العشرات من عناصر هذه القوات في مقراتهم وهم نيام". وأشار "داعش" إلى أن "طائرات التحالف لم تنجح في مناصرة قوات سورية الديمقراطية"، والتي شنت، بحسب البيان، "هجمات عشوائية، أصاب بعضها عناصر سورية الديمقراطية، ما أوقع قتلى في صفوفهم، بينهم قيادي بارز، لتنتهي العملية بسيطرة التنظيم على قرى عدة".
وأعلن التنظيم تمكنه من استعادة السيطرة على عدة نقاط استراتيجية، كانت تقدمت إليها قوات النظام السوري أخيراً، فيما ترافق ذلك مع غارات جوية من طائرات النظام، بهدف تدمير الخطوط الدفاعية للتنظيم في عدد من البلدات جنوبي شرقي حلب. وقالت مصادر محلية، إن "عناصر داعش باغتوا قوات النظام بعدة هجمات نحو المواقع التي كانت تقدمت إليها شرقي طريق خناصر - حلب، الذي يعد الشريان الوحيد الواصل لمدينة حلب، وتمكنوا من تدمير دبابة وعربة (بي أم بي) لقوات النظام على تلال جبال شبيث، بعد استهدافهما بصواريخ مضادة للدروع، ما أدى إلى مقتل عدد من عناصر قوات النظام". وكانت قوات النظام بدأت قبل أيام حملة عسكرية كبيرة تستهدف تأمين طريق خناصر - حلب، وقطع خطوط إمداد "داعش" بين ريف حلب الشرقي ومدينة الرقة. وليس بعيداً عن الرقة، واصلت فصائل "الجيش الحر" هجومها على مدينة الباب، وسط تغطية جوية تركية، التي دمرت عدداً من المواقع العسكرية التابعة لتنظيم "داعش". وأعلن الجيش التركي مقتل وإصابة 17 عنصراً من التنظيم، جراء قصف جوي ومدفعي على 180 هدفاً شمالي سورية ضمن عملية "درع الفرات".
هجوم متواصل على عين الفيجة
وتواصل قوات النظام السوري والمليشيات المتحالفة معها محاولاتها للتقدم باتجاه قرية عين الفيجة في منطقة وادي بردى بريف دمشق الغربي، وسط قصف وحصار للمنطقة. وأعلنت الفعاليات المدنية في منطقة وادي بردى، في بيان، وادي بردى منطقة منكوبة بالكامل، موجهة نداء استغاثة لجميع المنظمات والجمعيات المعنية بحقوق الإنسان لإنقاذ المدنيين المحاصرين هناك. أما في الغوطة الشرقية، فتدور اشتباكات بين قوات النظام وقوات المعارضة على أطراف مدينة حرستا، وسط قصف لقوات النظام بقذائف الهاون على المدينة.
وفي محافظة درعا جنوبي البلاد، أعاد النظام السوري محاصرة بلدة محجة في ريف درعا الشمالي، بعد 12 يوماً من فك الحصار عنها، وذلك بعد طرح قضية البلدة في محادثات أستانة. وأغلقت قوات النظام الطريق الواصل للبلدة، ومنعت الدخول إليها والخروج منها. وكان النظام السوري فك الحصار عن البلدة بعد حصار استمر لأسابيع، وأمهل لجنة المفاوضات في المنطقة خمسة أيام للعودة إلى المفاوضات والمصالحة، لكن المفاوضات لم تصل إلى نتيجة، مع إصرار النظام على إخراج الرافضين للمصالحة إلى مدينة إدلب، وتسوية أوضاع من تبقى في البلدة مع تسليم الأسلحة، على غرار عمليات التهجير السابقة في ريف دمشق.