معارك الرقة في مراحلها النهائية... ولافروف يغطي جرائم النظام السوري

12 أكتوبر 2017
يطبق التحالف سياسة "الأرض المحروقة" في الرقة(بولنت كيليس/فرانس برس)
+ الخط -

لم يحسم الموقف العسكري في مدينة الرقة شرقي سورية، إذ لم تستطع قوات يدعمها التحالف الدولي السيطرة بشكل كامل على أهم معاقل تنظيم "داعش"، رغم اتباع طيران التحالف، بقيادة واشنطن، سياسة "الأرض المحروقة" التي تحصد يومياً أرواح عشرات المدنيين، فيما أكدت قوات النظام انها أحكمت السيطرة على مساحات كبيرة في جنوب سورية، في إطار تفاهم روسي أميركي مكّن هذه القوات من توسيع نطاق سيطرتها على الحدود السورية الأردنية. كما لا تزال الجبهات في مدينة دير الزور وريفها مشتعلة، من دون تحقيق اختراقات تغيّر مجرى صراع محتدم على آخر معاقل "داعش" شرقي البلاد.

في هذا الوقت، انتقد وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، أكراد سورية، واتهمهم بمنافسة قوات النظام للسيطرة على المناطق المنتجة للنفط، وحذرهم من أن الدعم الأميركي لهم لن يستمر إلى الأبد. وواصل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الترويج لمركزية الحل الروسي للأزمة السورية، معتبراً أن "تمهيد الطريق للتسوية السورية يزداد إلحاحاً مع النجاحات التي تحرزها القوات الحكومية المدعومة من سلاح الجو الروسي في حربها على الإرهاب"، مشيراً إلى أن "موسكو تحتاج إلى معرفة آخر تقييمات القيادة السورية بشأن تسوية الأزمة ليتواصل التعاون بين الطرفين في الاتجاهات كافة". وأعلن أن "موسكو ستستمر في التصدي لمحاولات تسييس الملف الكيميائي السوري في الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة".

وتتضارب الأنباء القادمة من مدينة الرقة، معقل تنظيم "داعش" البارز في سورية، والذي بات على وشك الخروج عن سيطرته بعد أشهر من القتال الضاري، إذ تؤكد مصادر محلية أن هناك مفاوضات تجري لخروج من تبقّى من مسلحي التنظيم الى دير الزور، وتسليم ما تبقى بحوزتهم من المدينة إلى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد). لكن نشطاء أكدوا أن المفاوضات "لم تحقق تقدماً يذكر"، مشيرين إلى تجدد الاشتباكات في عدة أحياء داخل المدينة التي لا يزال آلاف المدنيين العالقين فيها هدفاً مباشراً لطيران التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة. وشدد المتحدث باسم التحالف، الكولونيل ريان ديلون، أن التحالف لن يقبل انسحاباً تفاوضياً لمقاتلي "داعش" المحاصرين في الرقة السورية. وقال ديلون، لوكالة "أسوشييتد برس"، إن "المجلس المدني لمدينة الرقة يقود المفاوضات لضمان الإجلاء الآمن للمدنيين، مع دخول القتال مراحله النهائية". وأضاف "نشهد بعض التقدم الجيد للمدنيين القادرين على الخروج من الرقة بشكل آمن. تحول التيار إلى جهد أوسع من قبل المجلس المدني في الرقة لإخراج المدنيين الباقين من هناك"، موضحاً أنه تم إجلاء 700 مدني على الأقل من المدينة منذ الإثنين الماضي. إلا أن ديلون شدد على أن المناقشات حول مصير المسلحين الباقين في المدينة ركزت على "الاستسلام غير المشروط".


ووثق نشطاء أسماء القتلى في عدة مجازر ارتكبها طيران التحالف الدولي خلال الأيام القليلة الماضية، بقصف مباشر لمنازل مدنيين، مشيرين إلى مقتل عدة أشخاص من عائلة طه النازحة من مدينة تدمر. كما أكد نشطاء مقتل العشرات، أغلبهم أطفال ونساء، في مجزرة جديدة ارتكبها طيران التحالف الدولي بقصفه منزلاً سكنياً في حارة المرندية في حي البدو في مدينة الرقة. ولا يزال عناصر "داعش" يتحصنون في عدة أحياء وسط المدينة، فيما فشلت محاولات "قوات سورية الديمقراطية" باقتحامها رغم القصف الجوي المستمر. وأكدت مصادر محلية خرجت حديثاً من الرقة، لـ"العربي الجديد"، أن التنظيم "قام بتفخيخ كل شيء في الرقة"، مشيرة إلى أن هناك أحياء انسحب التنظيم منها، لكن "سورية الديمقراطية مترددة في دخولها، كي لا تخسر المزيد من مقاتليها، بالألغام المزروعة في كل مكان". وكانت "قسد"، التي تتولى الوحدات الكردية مهام القيادة والتوجيه فيها، بدأت معركة استعادة الرقة في السادس من يونيو/حزيران الماضي بدعم من التحالف الدولي. وفرضت منذ ذلك التاريخ سيطرتها على نحو 90 في المائة من مساحة الرقة، التي تضم نحو 20 حياً وحارة، لا يزال بعضها بيد التنظيم، الذي سيطر على الرقة بدايات العام 2014، وهو ما مكنه من تحصينها تحسباً لهجوم كان يتوقعه. وتؤكد مصادر في "قوات سورية الديمقراطية" أنها باتت على وشك إعلان المدينة "محررة" من التنظيم، وهو ما يفتح الباب أمام معركة سياسية لا تقل ضراوة عن العسكرية حول مستقبل محافظة الرقة ذات الأغلبية العربية المطلقة. وتخشى المعارضة السورية من تفاهم روسي أميركي يتيح للوحدات الكردية وضع يدها على الرقة التي تتمتع بموقع استراتيجي مهم، وأهمية اقتصادية فائقة، إذ كانت إلى وقت قريب إحدى أهم سلال سورية الغذائية، فضلاً عن وجود ثروة بترولية هائلة في أراضيها المترامية الأطراف، فهي من المحافظات السورية الكبرى، بمساحة لا تقل عن 20 ألف كيلومتر مربع.

معارك دير الزور

وتدور معارك كر وفر بين قوات النظام، ومليشيات تساندها، وبين مسلحي "داعش" في مدينة دير الزور، إذ تحاول هذه القوات تحقيق اختراق يدفع التنظيم للانسحاب من المدينة. وأكدت مصادر في قوات النظام أن الأخيرة تواصل عملياتها على عدة اتجاهات في دير الزور وريفها، مشيرة إلى أن هذه القوات "وسعت من نطاق سيطرتها باتجاه قرية حطلة شرقي نهر الفرات، وسيطرت على مجموعة من كتل الأبنية في حي العرفي بمدينة دير الزور". وتتسابق قوات النظام مع "قسد" للحصول على أكبر مساحة من "تركة" تنظيم "داعش" في دير الزور، ثاني أكبر المحافظات السورية من حيث المساحة، والتي تبلغ نحو 33 ألف كيلومتر مربع، وتضم كبرى حقول النفط والغاز في سورية. وكررت وزارة الدفاع الروسية اتهامها لأميركا بالسماح لتنظيم "داعش" بالعمل "تحت أعينها" في سورية، قائلة إن واشنطن تدع التنظيم يتحرك بحرية في منطقة متاخمة لقاعدة التنف الحدودية مع العراق. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، الجنرال إيغور كوناشينكوف، إن "موسكو تريد معرفة كيف عبر نحو 300 من متشددي داعش في شاحنات بيك أب من منطقة تسيطر عليها الولايات المتحدة، وحاولوا غلق الطريق السريع بين دمشق ودير الزور" الذي كان يستخدم في إمداد قوات النظام.

الحدود مع الأردن

إلى ذلك، أعلنت قوات النظام أنها أحكمت السيطرة على كامل التلال والمرتفعات والنقاط الحدودية ضمن ريف دمشق الجنوبي الشرقي والسويداء الشرقي مع الأردن، مشيرة إلى أنها استعادت السيطرة على مساحة تقدر بحدود 12 ألف كيلومتر مربع. ونقلت وكالة "سانا" عن قائد ميداني في قوات النظام أن الأخيرة استعادت السيطرة على كامل النقاط والمخافر الحدودية مع الأردن ضمن محافظة السويداء، خلال عملية عسكرية بدأتها منتصف مايو/أيار الماضي. وجاء تقدم قوات النظام في إطار تفاهم روسي أميركي، لم يكن الأردن بمعزل عنه، أتاح لهذه القوات التوغل في البادية السورية الجنوبية على حساب قوات المعارضة السورية التي لم تستطع معاندة الرغبة الأميركية في إخلاء مواقعها في تلك البقعة الجغرافية الواقعة على الحدود مع الأردن. وبات من الواضح أن تقدم قوات النظام يأتي في سياق سياسة "تبريد" المنطقة الجنوبية، تمهيداً لفتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن بداية العام المقبل على أبعد تقدير. وفقدت المعارضة جل مواقعها في البادية السورية الجنوبية، واكتفت بوجود في محافظة درعا التي دخلت ضمن مناطق "خفض التصعيد"، ما يعني عملياً انتهاء الصراع المسلح في جنوب سورية، بانتظار حلول سياسية تشمل كامل البلاد، لم تتبلور بعد في أروقة السياسة الدولية.