معسكر النظام يحوّل 2401 إلى غطاء لشرعنة إبادة الغوطة

أحمد حمزة

avata
أحمد حمزة
26 فبراير 2018
D8DE3F1B-E6E8-4E98-A91C-5686BF09696B
+ الخط -
ربما كانت التصريحات الإيرانية الصادرة أمس الأحد، والتي جزمت باستمرار حرب الإبادة التي تشنها إيران ــ روسيا ــ النظام السوري على الغوطة الشرقية لدمشق، أدق ترجمة سياسية للقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2401 مساء السبت. قرار خرج بتشويه روسي، أقرب ما يكون إلى إفساح المجال لمعسكر دمشق ــ موسكو ــ طهران لمواصلة المذبحة، لا بل للانتقال فعلياً إلى مرحلة متقدمة منها، أي الاجتياح البري. فبهدف تفادي الفيتو الروسي المعتاد، صدر القرار الدولي ببنود مفخخة استثنت "الإرهابيين" من "الهدنة الإنسانية"، أي كل المعارضين للنظام بحسب تعريف الثلاثي الأسدي الإيراني الروسي لكلمة "إرهابيين"، وبصياغة بلا أي آلية ملزمة لتنفيذ وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، وبكلام عام عن بدء تنفيذ الهدنة "في أقرب وقت ممكن" وهي عبارة مطاطة لا تاريخ محدداً لها، فضلاً عن صدور القرار خارج إطار البند السابع الذي يعرّض مخالفه للعقاب العسكري. وبينما كانت بيانات الارتياح تنهال من عواصم العرب والعالم إثر صدور القرار 2401، كانت وتيرة الغارات ترتفع ومعها وتيرة القتل، حتى وصل عدد الصواريخ والبراميل التي سقطت على الغوطة بعد ساعات قليلة على صدور القرار، إلى المائة، في ظل استحالة إحصاء عدد قتلى  يوم أمس بسبب المعارك البرية وشدة القصف الجوي والبري بالنابالم وصواريخ "أرض - أرض" والبراميل المتفجرة. وتركز القتل في دوما وحرستا (التي تلقت وحدها أمس الأحد ثمانين قذيفة مدفعية) وجسرين وكفربطنا وعربين. وبات أهل معظم بلدات وقرى الغوطة يتناولون وجبة غذائية واحدة كل يومين في ظل شح الغذاء، وعدم بقاء أي مستشفى وفي ظل ندرة الأدوية وأدوات التدفئة والمياه والكهرباء، مع تسجيل وفاة أول طفل أمس، منذ بدء الحملة العسكرية للنظام على الغوطة، بسبب فقدان الحليب.

ومنذ الفجر، انطلقت الحشود العسكرية للنظام ولمليشياته لمحاولة اقتحام الغوطة (تبلغ مساحتها تسعين كيلومتراً مربعاً يقطنها 400 ألف سوري حالياً) من ثلاثة محاور، في ظل إبداء مقاتلي الفصائل المسلحة في المنطقة، يتقدمها جيش الإسلام وفيلق الرحمن، مقاومة شرسة منعت القوة الغازية من تسجيل تقدم يذكر. وبدت قوات النظام السوري، وبمشاركة جوية روسية، كأنها تسابق الزمن للتقدم برياً داخل الغوطة، لتحقيق جملة من الأهداف العسكرية، خشية حصول تحولاتٍ قد تضطرها للخضوع لضغط دولي لا تلوح معالمه في الأفق حتى اللحظة. وقالت مصادر متطابقة إن الهجوم البري لقوات النظام، تم من المحاور التالية: الأول في منطقة المرج على جبهات حوش الضواهرة والزريقية شرقي الغوطة، والثاني من محور كرم الرصاص، والثالث على جبهتي جوبر وعين ترما.

وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن قوات النظام والمليشيات المساندة لها هاجمت بلدتي النشابية والزريقة الخاضعتين لسيطرة "جيش الإسلام"، بالتزامن مع قصف جوي ومدفعي على كل من مدينتي دوما وحرستا وبلدات كفربطنا وحزرما والنشابية. وفي ظل الخشية من تكرار سيناريو تهجير أهل الجزء الشرقي من حلب بعد حرق المنطقة نهاية 2016، نقل الضابط المنشق عن النظام، أحمد رحال، في حديث تلفزيوني، عن مسؤولي الفصائل المسلحة في الغوطة، قرارهم منع تكرار ما حصل في حلب "مهما كلفهم ذلك".

وفيما زعمت وسائل إعلام النظام تمكّن قوات الأخير من إحراز تقدم على محور الزريقية- حزرما- النشابية، قال المتحدث العسكري باسم "جيش الإسلام" حمزة بيرقدار، إن قوات النظام التي تحاول التقدم على جبهة سجن النساء وعلى جبهتي حوش الضواهرة وحزرما، أخفقت في تحقيق أي تقدم، وتكبدت خسائر كبيرة، على جميع الجبهات التي حاولت التقدم عبرها، مشيراً إلى مقتل 25 عنصراً من القوات المهاجمة، في جبهة حوش الضواهرة خلال التصدي لمحاولتهم التقدم على هذا المحور، إضافة إلى تدمير عربة جسرية من نوع "MT55" روسية الصنع، على جبهة الزريقية، كانت تحاول وضع جسرٍ لتجاوز الخنادق الدفاعية، لنقل آليات النظام ومدرعاته التي تحاول اقتحام المنطقة.

وأكد بيرقدار، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "مقاتلي جيش الإسلام يتصدون لمحاولات قوات النظام التقدم على امتداد الجبهة الشرقية من الغوطة خاصة في الزريقية وحزرما وحوش الضواهرة والريحان، حيث تدور معارك قوية مع قوات النظام، فضلا عن معارك أخرى في محوري زملكا وعين ترما".



من جهته، قال وائل علوان، الناطق باسم "فيلق الرحمن"، الفصيل الرئيسي الآخر العامل في الغوطة إلى جانب "جيش الاسلام" لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام المسنودة بالطائرات  الروسية قامت منذ ساعات الفجر الأولى باقتحامات في الجبهة الشرقية للغوطة على محوري الشوفينية والزريقية، إضافة إلى محور جوبر حيث حاولت اقتحام المنطقة بالتزامن مع قصف جوي وصاروخي، مؤكداً في نفس الوقت "جاهزية الفصائل بالغوطة الشرقية لصد أي اعتداء من جانب قوات النظام" وتوقع ان تكون تكلفة أي اقتحام بري مرتفعة جداً على القوات المهاجمة.

وفيما يتبين من المعطيات الميدانية، وتوزع جبهات المعارك، أن نية النظام هي تقطيع أوصال الغوطة الشرقية، مع محاولته فصل مدينة دوما عن حرستا، والتقدم في عمق منطقة المرج، فإن محاولات النظام هذه، لاجتياح الغوطة، أتت بعد ساعات قليلة على تصويت مجلس الأمن بالإجماع لصالح قرار كويتي-سويدي، شوّهت روسيا مضمونه بعد مفاوضات دامت 15 يوماً، وتم تأجيل التصويت عليه ثلاث مرات، لإعلان هدنة في عموم سورية، وينص أيضاً على السماح بإجراء الإجلاء الطبي بشكل آمن وغير مشروط، والسماح للعاملين في المجالين الطبي والإنساني بالتحرك دون عراقيل، مع التأكيد على ضرورة رفع الحصار عن المناطق المأهولة من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك الغوطة الشرقية.

ويرى مراقبون أن قوات النظام تحاول بهذا الهجوم المباغت كسب الوقت من أجل إنجاز بعض الأهداف العسكرية والسياسية قبل أن تضطر إلى الالتزام بوقف إطلاق النار، مستفيدة من البند الغامض الذي أصرت روسيا على إدخاله في نص قرار مجلس الأمن الخاص بالهدنة، والذي لا يلزم قوات النظام بالتوقف عن إطلاق النار فورا، بل "في أسرع وقت ممكن"، ما يمنح تلك القوات المسنودة بالطائرات الروسية بعض الوقت في محاولة لتحقيق ما كانت تخطط له أصلا قبل صدور قرار مجلس الأمن، وهو اجتياح الغوطة لتحقيق بعض الأهداف التكتيكية ومنها فصل منطقة المرج التي تشكل نحو ثلث الغوطة عن بقية المناطق، ومحاولة فصل حرستا عن دوما. كما أن القرار لم يحدد موعداً لدخول وقف إطلاق النار حيز التطبيق، وهو ما استغله النظام فواصل عملياته العسكرية، بل ذهب إلى حد محاولة اقتحام مدن وبلدات الغوطة الشرقية. كذلك، فإن القرار 2401 أكد أن "وقف الأعمال العدائية لا يشمل العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وتنظيم القاعدة، وجبهة النصرة، وجميع الأفراد والكيانات الأخرى المرتبطة بها، وغيرها من الجماعات الإرهابية المصنفة لدى مجلس الأمن"، وهذا ما يعتبر ذريعة للنظام وحلفائه الروس والإيرانيين لاستمرار استهداف الغوطة الشرقية تحت غطاء محاربة "جبهة النصرة"، وهو فعلاً ما بررت من خلاله وسائل إعلام النظام وإيران وروسيا، استمرار الهجوم على الغوطة أمس الأحد.

وكان واضحاً أن معسكر النظام بأجنحته الثلاثة، دمشق وموسكو وطهران، فهم أن القرار الدولي يؤمن له شرعنة مواصلة حرق الغوطة، فقال رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال محمد باقري، أمس الأحد، إن إيران وسورية ستواصلان الهجمات على ضواحي دمشق التي يسيطر عليها من وصفهم بـ"الإرهابيين"، زاعماً في الوقت نفسه أنهما "ستحترمان قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار". ونسبت وكالة تسنيم الإيرانية عن باقر قوله "سنلتزم بقرار وقف إطلاق النار، وستلتزم سورية كذلك. (لكن) أجزاء من ضواحي دمشق التي يسيطر عليها إرهابيون غير مشمولة بوقف إطلاق النار و(عمليات) التطهير ستستمر هناك". وبحسب الرواية الإيرانية، فإن شرقي الغوطة الشرقية تسيطر عليها "جبهة النصرة"، وهو ما يعرف أهل الغوطة أنه ادعاء كاذب، علماً أن مقاتلي "هيئة تحرير الشام" يبلغ عددهم 200 مقاتل، سبق لروسيا أن عرقلت مفاوضات إخراجهم من المنطقة لكي تحتفظ بذريعة صالحة للاستخدام في معركة إنهاء وجود المعارضة قرب دمشق.

أما المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، فقد تباهت أمس الأحد، بأن بلادها استطاعت إفشال "تمرير قرار روجت له الدول الغربية في مجلس الأمن الدولي لخطة توجيهية وبالتالي غير واقعية للتسوية". كما تجاهلت المسؤولة الروسية الوقائع الميدانية وعدم التزام النظام ببدء الهدنة المفترضة، معتبرة أن بلادها تعول "الآن على قيام داعمي المجموعات المسلحة في الخارج بتنفيذ واجبهم ودفع من لهم عليهم تأثير نحو وقف النشاط القتالي من أجل الإيصال العاجل للقوافل الإنسانية". وكان المندوب الروسي في مجلس الأمن، فازيلي نيبينزيا، أكثر وضوحاً في الكشف عن الاستخفاف الروسي بالقرار 2401، فقال، فور انتهاء التصويت عليه بالإجماع، إنه "من المستحيل تنفيذ هذا القرار ما لم تتواصل كل الأطراف مع الحكومة السورية".

ورأى الباحث السياسي السوري ساشا العلو، أنه "بسبب هواجس موسكو من عزلة دولية أكبر داخل مجلس الأمن وخارجه، خصوصاً أمام التحرك الدولي الكبير بشأن الكارثة الانسانية في الغوطة، فقد لجأت الدبلوماسية الروسية لتجنب الإحراج باستخدام الفيتو هذه المرة، ومرروا القرار لكن بعد إفراغه من مضمونه، للمناورة والالتفاف عليه". وقال العلو لـ"العربي الجديد"، إن خرق الهدنة كان متوقعاً، وإفراغ روسيا للقرار من مضمونه، "ترك هامشاً للنظام لاستمرار عملياته العسكرية، عبر طرح تعديلات يستطيع النظام عبرها خرق القرار الدولي"، قائلاً إنه "لا ارادة دولية حقيقية لوقف المأساة الانسانية في الغوطة، ومحور النظام لن يوقف عملياته العسكرية، ومخططاته، إلا إذا شعر بتهديدٍ جدي، عبر تلويح بعمل عسكري ضده من قبل الولايات المتحدة".

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
المساهمون